عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    يمضي بخطوات واثقة في البناء..كواسي أبياه يعمل بإجتهاد لبناء منتخبين على مستوى عال    الخطوة التالية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملف الثقافي
نشر في الصحافة يوم 17 - 04 - 2012

سن الغزال : رواية على حدود التاريخ وتخوم الفنتازيا (22) احمد الصادق
. ورد فى الجزء الاول ? 5 من الرواية الاتى :
« جمع داوود أبناءه اليه يوماً وقال لهم انه يريد الخروج الى الشمس طلباً لسن الغزال التى رماها اليها واخذ مكانها سن الحمار واخرج سيفين من غمديهما ورثهمها عن ابيه واجمعت البلاد على انهما اجمل ما صنع من السيوف قاطبة ، «قسما عظماً نقهرها فى علاها بالماكن والمكين ! ... كلما رفع سيفاً التقط معدنه الضوء وعكسه فى وهج غريب « ص49
كما قلت فأن ذلك افق تفسير لوقائع تاريخية نضدها صلاح على مستوى الكتابة السردية ، بمخيلة وجمال أقرب للفنطازيا بل ان كثيراً من المشاهد أستدعى فيها وبعفوية ، نص مكتوب باللهجة العربية السودانية آنذاك الا وهو كتاب «الطبقات فى خصوص الاولياء والصالحين والعلماء والشعراء فى السودان» من تأليف محمد النوربن ضيف الله . وهذا الكتاب فى حد ذاته ظاهرة سردية وبامتياز حيث صاغ كاتبه سير الشيوخ والملاماتية فى تراجم قصيرة ? معظمها بصيغة الحكى - وتحتشد تلك التراجم بقدر هائل من الخوارق والكرامات ، بمعنى الدلالة الفنطازية - للفقهاء والمتصوفه ، وبالتالى فان « النص الخفى « الذى يشتغل فى افق الاستيهام ، والذى احال له الكاتب فى هوامش الرواية ، كان ذلك الكتاب بل ويمكن ان يكون اكثر تعقيداً بالاشارات التى تقف كعناصر تناص محتمل فيما بينه وبين الرواية.
وفى افق تناصات اخرى من خلال سياق تطور السرد فى السودان فاننا يمكن ان نحيل لمعالجات سردية تتقاطع مع هذا النص فى كونها ارادت تحوير الماضى واخضاعه للغة سردية ومثلما قال بذلك جورج لوكاش « ... تحويل الماضى الى حكاية رمزية عن الحاضر». الروائى الكبير ابراهيم اسحق قد نحى ذلك النحو فى روايته « حكاية البنت ميكايا « (1980 ) وكذلك جمال محجوب فى روايته» علامات الساعة «(1996).
هنالك سرديات صغيرة مثلت عناصر لتكوين البناء السردى حيث تتقاطع المصائر وتلتقى الاسطورة والتاريخ وممالك النيل المفقودة ، خذ مثلاً الفصل بعنوان :
مريوشا وسوبا وسنار :
« فجلست فاطمة الى جانب مختار ... وكأنهما فى حلم ... فى زمن يبعد كثيراً ... عن هذا الزمان ، ثلاثمائه عام ونيف . ثلاثمائه خريف كما تقولون . عاشت ألمظ وزوجها داروس فى حاضره مملكة ليست كممالك هذه الايام . قبل عنها انها لشدة جمالها كنيت شمس الليل . وكان زوجها تاجراً ... ومن شدة حبه للعلم ... أنه انشأ ... مدارس تنورهم بالقراءة والكتابة والعلم الذى ياتى بعدهما ليس بلغتهم وحسب وانما بلغات غيرهم ايضاً «
ومن حيث الشخوص والحكايات التى اشرنا اليها بأسم «سرديات صغيرة « مستدعاه بتحوير سردى من نصوص كولو نيالية كتبت عن تلك الفترة والتى أحال اليها صلاح فى هوامشه خاصة رحلات جيمس بروس فى سياق بحثه عن منابع النيل وهنالك شرعية سردية ، ان صح هذا التعبير ، لان الكتابة الكولونيالية وتجربة الاستعمار سوف تبقى ممثلة لاوهام استشراقية علينا مقاومتها بالسرد حتى نرد الاعتبار للكائن الذى مثل به فى تجربة الهيمنة البغيضة وهذا افق قراءة اخرى للتاريخ وحدوده فى هذا المتن السردى وفى ذات السياق ذكر الروائى جمال محجوب بأنه «... ولد بين ذاكرتين متنازعتين : التاريخ الذى زيفته الامبراطورية والاخر المغاير الذى تحدى تلك الامبراطورية». وهكذا صاروا كلهم جمال والراحل الطيب صالح وصلاح الى ( غرباء ) اينما حلوا فلذا كان لزاما عليهم المقاومة وبالسرد.
كتب صلاح فى هامش الرواية « المستكشف الاسكتلندى جيمس بروس ينزل من الحبشه متتبعاً النيل الازرق الى المملكة الزرقاء ويلتقى بملكها اسماعيل ووزير بلاطه عدلان فى ذات اللحظه يعود اولاد داوود من رحلة صيد الشمس بدون ابيهم معلنين ان ضبعاً اتاهم فى الاحلام افترسه ، وعادوا ايضاً برجل ابيض اسموه فيما بعد « ود المويه « والذى انتهى بأن تزوج اختهم غير الشرعية « بخيته « هذه هى حدود التاريخ او وقائعه التى ترجمت الى صيغة سردية ونرى الى علاقات السلطة وتعقداتها متجلية فى ثنايا النص حينما اعلن اولاد داؤود عن قيام مملكتهم ويعلنون فى بياناتهم عن حكم الشريعه من اجل رجم ام احمد بتهمة الزنا .
« يأمر الملك عبد الله ود داوود سلطان المملكة الداوودية فرضت احكام الشريعة الاسلامية فى البلاد منذ فجر هذا اليوم ...» ، وقبل ذلك مهد لذلك فى الفصل المعنون احمد غايب ... ( فى الراكايب ) فى اجتماع اخر لاولاد داوود مع اهل المكان بشأن السيطرة على البحر وممالكه :
«... ثم بدأ الفقيه كالغارق فى حلم قال لها لما استيقظ منه « اولاد داوود لما غلبتهم الشمس قالوا احسن نتحدى البحر «.
مما تجدر الاشارة اليه هنا ان ما استدعاه الكاتب من حكايات وتاريخ وحتى بناء شخصيات قد زادت متانته السردية باللغة السردية الناصعة التى اخذت فى ايحاءاتها ودلالاتها من الكائن الذى هزمته السلطة فى افقها الاجراءى ? اى الدولة / الحكومة ومن الجغرافيا و التاريخ للمكان و طبيعته بالغة التعقيد حتي ان الروائي التركي اورهان باموق قد اشارالي مواطنه الرحالة اليا شلبي ? القرن السابع عشر- و الذي زار السودان في تلك الفترة التي مثلت في الرواية، لاحظ الكاتب ان شلبي يصف شخصياته باحالة مباشرة للطبيعة من حولها و بذلك يكون قد كتب ادب رحلات بجمل سردية نافذة و مؤثرة في قراءها المحتملين. كتب باموق معلقاً على طرائق الرحالة شلبى فى وصف المكان والناس « إرتبطت شخوص شلبى بمناخ وجغرافيا الاماكن التى زارها وذكر فيما ذكر ان مكان ما لاحظ عدم توقف الامطار... بينما الرجال والنساء فيه كانوا على خشونة وجلافة على مستوى سلوكهم وحتى مستوى معيشتهم.» و كذلك في هذا النص خاصة في لغته التي تميزت بكثافة شعرية عالية حتي ان احد ممن كتبوا عنه ابدي تلك الملاحظة. كتب قائلا « إننا إزاء روائى ممسوس بالشعر وفتنه اللغة بحيث تبدو كتابته مترعة بالاخيلية والاستعارات والتحليق عند الحدود الفاصله بين اليقظه والحلم «.
وثلما أشرنا فى البداية فان الكاتب قد خبر الكتابة وكشف له او حقق فيها كشوفات آلت به الى النزوع نحو تكثيف الجملة السردية حتى تتاخم مقام إلفه ومحبه تشكل قراءها بذات المحبة والالفة . فأنت مثلاً تقرأ مشاهد من عرس الراجل الاحمر او ( اللحمر ) ? اى ود الموية حينما بنى ببخيته :
« ولما إجتمع الناس مساء لحفلة عرس فى الباحة امام دار بخيته أصابهم وجوم قاهر عندما وقف ود الموية بعباءة العروس القرمصيص وتاجها المنتهى ظهره بجدائل الشعر المضفور والجدلة تندلى من معصمه وعقد الحجبات المنتهى بخرزة بيضاء واخرى سوداء وثالثة زرقاء يتدلى من عنقه والرحط يلف وسطه وقد أكملت زينته بالحناء والكحل والدخان والدلكة وعطر الخمرة. لم يتردد صلاح من استخدام لغته التى تناسب المقام السردى بل وبجسارة أحياناً يعمل على نحتها واحيان اخرى يعمل على تفتيتها حيث يجب ان تكون اللغة ان تكون نافذه للتوغل فى التاريخ والجغرافيا لكشف ذات المكان حتى يسمع صوت الانسان المقهور فيه ويعلو ليمثل ذاته وفق ما يرغب فى سياق عدالة وحرية محتمل وتلك هى العلاقة الجدلية فيما بين لغة ، زمان ومكان وحكاية او سرد وكذلك فان مالا تخطئه العين الحرة هو ذلك التوازن المذهل فيما بين ذاكرة ومخيلة الذى حققه صلاح من خلال تلك اللغة التى جاءت ايضاً متوازنه فيما بين كونها استدعت لغة اليومى والمعيشى وكذلك افق تفصيح لها وفى بعض الاحيان عربية كلاسكية مضبوطة ومدققه.
«سن الغزال» ، نص فريد فى كونه حالة إنقلاب فى تاريخ الكتابة الروائية فى السودان وبغض النظر عن اسئلة مشروعة حول الصيغة السردية التى كتب بها فأن صلاح حسن احمد قد نجح فى ان يدخلنا لعوالمه السردية بسلام ، كما واخرجنا منها بسلام ، فقد أدى ذلك النص دوره فى كونه سعى لخدمة الحقيقة وخدمة الحرية ، ونقول مرة اخرى مع ساباتو « أريد قبل اى شئ اخر ، عدالة إجتماعية وحرية ، لكننى لا اريد جنوناً تقنياً . «
الذكرى الثلاثون للشاعرالسوداني محمد المهدي المجذوب (2 )
نظم معهد البروفيسير عبد الله الطيب للغة العربية خلال أنشطة ندوته الراتبة أمسية برعاية الشركة السودانية للهاتف السيار ( زين ) لاحياء ذكرى الشاعر الراحل محمد المهدي المجذوب قدمت خلالها عددا من الأوراق العلمية وعرض فيها فيلم توثيقي وثق لجوانب من حياة الشاعر أشرف عليه الأستاذ خليفة بلة و شارك فيه دكتورعبدالله علي ابراهيم ودكتورأحمد بابكر الطاهر والناقد مجذوب عيدروس والناقد أبو عاقلة ادريس وشقيقه الشاعر الأستاذ أحمد المجذوب .تم استعراض أوراق الجلسة الأولى في الملف السابق ونواصل في هذا الملف أوراق الجلسة الثانية ...
وفي الجلسة الثانية من الأمسية قدمت بعض الأوراق التي أضاءت جوانب مختلفة أحياناً ومؤتلفة أحياناً أخرى فتحدث عن النفس الطويل والرؤيا في شعر المجذوب الناقد أبو عاقلة ادريس اسماعيل فقال :- وأقرأ جهراً قصيدته ود بدر والهزيمة النصر من ذات الديوان فتاريخهما واحد ولعله نظم قصيدة ودبدر أولاً فقد نظمها فجر السادس من اكتوبرعام سبعة وسبعين في حين صاغ بعدها حروف الهزيمة والنصر في اليوم نفسه من سنة الاصطفاف في طوابير الخبز .
تبدو قصيدة ودبدر توسلاً على منحى آخر غير مألوف من توسلات المتصوفة ? ففي نظمها فجراً إشارة الى زمن معرفي وروحي خالص ، فالشيخ العبيد ودبدر بركة من بركات القرآن المجيد وقصيدته تجئ فجراً .
استلهم الشاعر موروثات شعبه الزاخرة وأحاجيه مشيراً الى الشيخ اسماعيل صاحب الربابة أنموذج الشاعر الأسطوري الأول في عهد السودان السناري متقفياً أثر الفنانين العظام في استدعاء الرمز والأحجية والرؤيا والإشارة الصوفية واستلهام أسطورة القناع في السخرية على عادة المجذوب من نظام مايو السياسي ونقد الدكتاتورية نقداً لاذعاً وتعرية المهرجين في ذلك المسرح
في عيشك هذا الجانح أسراري
بدلني ألبسني أسواري
أحبار الدامر تكتب أخباري في ضوء النار
المجذوب شاعر المجذوب ورقة قدمها الكاتب عماد محمد بابكر وقد أشار خلالها الى أن أهم ما يستوقف القارئ للمجذوب غذارة الانتاج والصور الجمالية لشعره وقد تناولت الورقة سودانوية شعر المجذوب والتي تظهر بشكل كبير في المواضيع التي تناولها المجذوب
«دلوكة» في الليل ترتعد
بكمت وأرسل شجوها الكمد
مجنونة نفضت أضالعها
وتكاد في أجلادها تقد
ثم تحدث المجذوب عن القرية والمدينة ، عن المسيد والحانة ، عن حلقة الذكر ودارة الرقص وتناول شخصيات المجتمع ومكوناته ( الرجل البسيط ، الموظف / المتسلق / الشيخ ...الخ
في ظل سدرتها والشمس تنشره مثل دخان تناديني على عجل
تقول والودع المنضور تنثره
أما ترى الخير جاء الخير فأقتبل
الأستاذ حاتم الكناني دارت محاور ورقته حول حوارية الذات الشاعرة في شعر المجذوب وقد رمت الورقة كما جاء في مقدمة كاتبها الى محاولة دراسة ديناميكية العلاقة بين ( الداخل والخارج ) ( الذات / الموضوع ) عبر مجموعتين شعريتين هما ( تلك الأشياء / البشارة القربان الخروج ) ، في تلك الأشياء يعتمد القصيدة العمودية الصارمة متشظية الموضوعات ، بينما تتحرك ( البشارة القربان الخروج ) مع موجات قصيدة التفعيلة ورغم أن تجربة المجذوب تجربة تتمرد على تمردها ذاته حيث لا يمكن دراسة تجربته بشكل تصاعدي خطي .. اذ سرعان ما يتم الارتداد عن اسلوب وسمات الى أخرى . وحيث ينفتح المشروع الشعري لديه على مطلق المراحل الزمنية التي مربها الشعر في تاريخه .. فتنفتح التجربة كأنها انبعاث ضوئي من كوكب بعيد يملأ ضوؤه مدى العين أينما وقفت في لحظة من الكون الشاسع فقصائد ديواني ( نار المجاذيب ) و ( تلك الأشياء ) يكاد يكون واحداً لكن القصائد في الديوانين تعرب عن اختلاف عميق بينهما رغم اشتراكها غالبا في الشكل العمودي للقصيدة العربية وتبدو القصائد في تلك الأشياء أكثر حركية وعمقاً من ( نار المجاذيب ) أكثر التصاقاً بالخارج الاجتماعي والسياسي والديني .
الجذوة المتقدة من نار المجذوب الى غارة وغروب وهي من اعداد الأستاذ عبدالرحيم حسن حمزة فقد أضافت الورقة لما سبقها من افادات أن تحت نار المجاذيب يلتقي الناسك بالمتسول، والدرويش والسائح، والنشال وماسح الأحذية والسياسي والماكر ليظل القول أن الكاميرا البارعة تدور في أرجاء المكان في صمت غادر .. وفي نار المجاذيب كل شئ يبحث عن كل شئ في متاهة اللا وعي حتى يلتقي الجميع في الباحة الفسيحة ينظر بعضهم الى بعض في ذهول ! ولكن المطلع على مخطوطة ( غارة وغروب ) تعتريه الدهشة من ذات الروح التي تحوم في المكان .. فالشعر على اسلوبيته ونبل غايته ودقة تصاويره وتعدد مطارقه كما في ديوانه الأول نار المجاذيب أغلب قصائد الديوانين كتبت ما بين الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي وقد أعاننا أيما إعانة وهو يٌثبت التواريخ وهذا أمر مهم لنعرف أنها قصائد الجيل الواحد المتججد الزمان .. أما فيما يتعلق باختياره لمسميات الدواوين فيعتقد أن المجذوب كان يكتب نصوصه أولاً قبل أن يشرع في اختيار عنوان لها .
ختام الأوراق كانت ورقة الأستاذ الحسن عبدالعزيز وقد تناولت الرمزية في شعر المجذوب تكثيف واحالة ، طرحت الورقة تساؤل عن كيفية الاحاطة بشعر المجذوب ؟ وأشارت الى أن المجذوب يحرج مذاهب النقد جميعاً لأنه لم يقصر تجربته على أي من مذاهب الكتابة الموازية ، والمجذوب في طوافه بالشعر على كل مظاهر الحياة الاجتماعية ومخابرها لم يفقد القصيدة العربية تماثلها الجانبي ولم يضح باستمراريتها المتوارثة ، واضافت الورقة أن غزارة منتوج المجذوب كما وكيفاً تستدعي تفكيكه في شكل بيانات احصائية معجمية تتعرض لقاموسه الخاص مقارنا مع مرجعية معجمية ويختم المتحدث بأن النزعة الصوفية تنشأ تحت تأثير ديالكتيك وجداني يتسم بالتوتر ? وكانت أشعار المجذوب أرضاً خصبة للتأويل النفساني ، فاحتضان الشاعر للمتناقضات داخل نصه رغم أنف المعرفة المفهومية يخلق ما أسميه بالتوتر الخلاق في شعر المجذوب .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.