قدمت رابطة الكتاب السودانيين الأستاذعلي كمال سنان الكاتب والروائي التركي في أمسية ثقافية تحدث خلالها عن تجربته الابداعية وذلك بحديقة المجلس القومي لرعاية الثقافة والفنون ، قدم الأمسية وأدار الحوار فيها القاص أحمد عوض وقدم الترجمة الفورية لحديث سنان الأستاذ عصام خليل ... وقدم الاضاءات حول روايته {كا } د. أحمد صادق أحمد والأستاذة عائشة موسى السعيد ... بدءاً رحبت الأستاذة فاطمة موسى بلية أمينة المجلس بضيف البلاد وأشارت الى ضرورة أن يتواصل اللقاء والتعاون بين السودان وتركيا في مجال الابداع والثقافة ثم أتاحت الفرصة لأمين عام الرابطة مجذوب عيدروس لتقديم كلمة الرابطة فقال :- انها لفرصة طيبة أن نستمع للروائي التركي علي كمال سنان ونعتبر أن السودان وتركيا يربط بينهما الكثير ، ونعتقد أن النصوص التي توفرت لنا منه في ترجمتها الانجليزية ستكون اضافة لذخيرتنا من مكتبة الرواية التركية والتي عرف القارئ السوداني من كبار كتابها يشار كمال وأورهان باموق وهما من كبار كتاب الرواية ومعروفين في العالم ، وقبل ذلك كان جيل من السودانيين والكتاب السودانيين مهتمين بأشعار سردية لكاتب كبير مثل ناظم حكمت ، كانت كتابات ناظم حكمت ملهمة لعدد كبير من القراء والكتاب هنا وهو عرف كشاعر أصلاً وقد قرأ له الناس حكاية فرحات وشيرين .. نأمل أن تفتح هذه الزيارة باباً لمزيد من التعرف على الأدب التركي وعلى الكتاب الأتراك ... بدأ علي سنان حديثه عن تجربتة الابداعية قائلاً :- أقدم للسودانيين كثير السلام من ناظم حكمت ومن غيره من كتاب تركيا وانا سعيد جدا لوجودي بينكم في السودان وقد زرت السودان قبل عدة سنوات ومكثت فيه سنتين وسعيد اليوم لأنني سألتقي بجمهور نوعي ... وسأتحدث لكم حديث من القلب ومن العقل علما بأنني لم أكن مستعداً لهذا اللقاء لقد أخبرت به قبل نصف ساعة من الآن ... وقال أرجو أن يكون هذا اللقاء جسر للتعاون بين السودان وتركيا ، ثم أضاف كتبت اكثر من 22 كتاباً وقد نشرت وهنالك 44 كتابا تحت الطبع ويقول أنه يكتب القصص ويكتب شيئا غير الأدب ، ذكر أنه يقسم كتبه ما بين التاريخ والعالم العربي ويكتب تحديدا عن السلطنة التركية وتأثير تركيا وشارك في دبي في تقديم محاضرات عن الكتابة الابداعية وكيفية تطوير القصة الى رواية .. وتحدث عن الأحلام وقال ينبغي أن يكون كل كاتب حالم ثم يقوم بترجمة الحلم الى عمل ابداعي .. وسأقدم لكم مثال من دبي ، هنالك مشروع في دبي يتعلق بالكتابة الابداعية ، لا شك أن ذلك المشروع كان حلما ، في البداية نحتاج الى شخص حالم ثم بعد ذلك نحتاج للمهندس والبقية ، وهذا يعني أن البعض يحلم والباقي يجمع المال ، وعلى سبيل المثال بعض الناس حلم بأن يكون طياراً وتحقق حلمهم وهذا يدلل على أهمية الأحلام ، كل المشروعات الضخمة في العالم كانت أحلام في البداية كلومبس حلم بالمغامرة بأن يتجه الى أمريكا لاكتشاف أرض جديدة ، اذا ما نفعله نحن كروائيين حلم ، نحلم ولكن ليس لنا مراكب فضائية لنبحر في الفضاء لنكتشف مجرات لكن نحلم ولنا سلاحنا هو القلم لتحويل هذه الأحلام الى حقائق ، لا نريد أن نقيم جزراً في البحر ولكن لنا أقلامنا ، لسنا أتاتورك لنبني جمهورية على أنقاض الجمهورية الاسلامية التركية ، ولكن لنا الأقلام ويمكننا أن نكتب أي شئ بين الكتابين القرآن وهو أعلى الكتب والأسفار يمكننا أن نكتب في هذا الفراغ ، وقد تحدث البعض منكم عن يشار كمال وهو يعتبر ملهم لكل الكتاب والروائيين الأتراك ، وهو كان قد دخل السجن والسجن عبارة عن حفرة ووجد عدد كبير من المساجين ومرتادي الاجرام ، فكانوا يأتون اليه ويحيونه ويبجلونه ككاتب ولكنه كان يقول لهم أنتم سجناء ، وكان يطلب من البوليس أن يعطه دفتراً أو كراسة ليكتب عليها أخذ الكراسة وقال لهم انا سأخرج وأنتم ستخرجون ان شاء الله ، وهو يعني أنه سيحقق هذا الحلم ، الكتاب والروائيون كلهم حالمون ولكن كيف يمكن تحويل هذا الحلم الى واقع فاما ان تصبح رئيس أو كاتب عظيم ويقول أنه يفضل أن يكون روائياً ، لأن الكل ينظر الى الرئيس وينتظر منه وانا أريد أن أكون لوحدي منعزل وأحلم وأتحكم في هذا الحلم ، قابلت العديد من الكتاب والروائيين وكل كاتب له اسلوبه الخاص ، قد يمر علي عام ولا أكتب سطر او حرف واحد ، ولكن عندما يأتيني شلال الكتابة حينها أكتب ، عندما يأتيني الهام الكتابة أكتب دون انقطاع ، أحيانا أكتب لمدة 10ساعات متواصلة رغم وجود مشاكل الأسرة والحياة الاجتماعية ولكني اخترت هذا الطريق أكتب حوالي العشرة ساعات رغم المسئوليات ، واذا سألتموني هل انا متأسف على هذا الاختيار؟ فأقول لا . أحيانا آسف لأسرتي ولكني أكتب . عندما يأتيني الهام الكتابة أنعزل عن كل أفراد الأسرة وتجدني أتجول في المنزل ولا أريد التحدث مع أحد . لابد من أن تجلس وتصمم العمل الروائي وقد قمت بعمل تصميم مسبق لأربعة من كتبي عن السياحة بتكليف من الدولة وهي ليست روايات ... ولكن عندما لا يكون لدي فراغ وعندما تكون لدي مشغوليات أكتب القصة القصيرة وأتفرغ تماما لكتابة الرواية ، لقد زرت السودان من قبل وتأثرت بما رأيت وكتبت أربعة كتب عن السودان وعن الثقافة العربية وعن المهدية وهي كتب بحجم كبير حوالي 600 صفحة وبعد هذه الزيارة سأكتب بعض القصص عن الحياة السودانية ، وقد زرت أيضاً دولة الامارات حيث يعيش بعض الناس بالقرب من المحيط وبعض العشائر في عمان كذلك ، وتأثرت بما رأيت من عادات وتقاليد وعندما عدت كتبت عنها ، أي شخص يمكن أن يتأثر ولكن الكاتب لابد أن يفتح ذهنه لأي تأثير لأنه يستطيع أن يكتب عن أي شئ رغم أن الحياة الاجتماعية تقيده بعض الشئ ، عندما أمارس عمل الكتابة لا أحب أن ينتقدني أحد أو يقول لي أكتب هذا ولا تكتب ذاك بعد أن أكتب وتأتي مرحلة الاعداد فيمكنهم أن يغيروا ما شاءوا ولكني أكتب وأخرج كل ما لدي ... أفضل بعد هذا الحديث أن أترك لكم المجال للأسئلة التي تضئ بعض الجوانب التي أغفلتها في حديثي لأن الحديث سيطول . في الأمسية قدمت ورقتين عن روايته « كا « تحدث بدءاً د. أحمد صادق أحمد قائلاً:- من المعروف أن القارئ السوداني قارئ منفتح عرف يشار كمال في ثمانينات القرن المنصرم في روايته ميميت وهي حاملة انسان وتاريخ تركيا والبحر المتوسط والسفن والقراصنة وغير ذلك ، وفي الحقيقة قبل يشار كمال عرف الناس مصطفى كمال أتاتورك وهي لحظة فاصلة وقد ذكرت هذا الحديث لأنه مرتبط بعمل علي كمال لحظة قطيعة أنهت سته قرون من الامبراطورية العثمانية والرواية التي سأتحدث عنها مترجمة من الانجليزي وهي تبدأ من لحظة نهاية الحرب العالمية الأولى وهو بداية مشروع الحداثة في تركيا الكاتب الثاني الذي يعرفه الناس هو الشاعر العظيم ناظم حكمت وهو في ذاكرة الناس بمشروعه الابداعي الذي يدعو الى رفع الظلم عن الناس ، أيضا القارئ السوداني يعرف الكثير عن الكتاب المعاصرين والمعروفين في العالم كله ظهر شاب الآن هو كاتب روائي عظيم جداً ووهو لأسباب سياسية مقيم في فرنسا هو الكاتب نديم قورسيل وكذلك أورهان والذي فاز بجائزة نوبل ، الأستاذ علي كمال قرأت له هذه الرواية وهو له بعض الحوارات في الانترنت باللغة الانجليزية والالمانية لكن أعماله المعروفة في المواقع ثلاثة أعمال منها الرواية مسار الحديث « كا « وهي ثلاثية هذه النسخة الجزء الأول منها و»كا» عبارة عن ملحمة تاريخية والسيد علي مهموم جدا بالتاريخ وتاريخ تركيا بالتحديد ، وقد لاحظت أن الروائيين الأتراك الذين تحدثت عنهم كلهم لهم هم تاريخي او ما يقال اعادة كتابة التاريخ أو التأمل في تاريخ تركيا القديم والمعاصر من خلال السرد ، و»كا» عند الفراعنة تعني الروح ، والتقاط هذه المسألة عند الكاتب له مبرراته حسب الرواية ، شكل الرواية وصياقتها كلاسيكية الى حد ما ، يتابع فيها تاريخ تركيا ، التحولات الاجتماعية التي حدثت في تركيا ، مشهد عادي مجموعة من الناس ، أحد الأشخاص حصل على دفتر أو مخطوطات وتستمر المسألة حتى تصل مصر ويبدأ في هذا السياق قراءة تاريخ تركيا من هذا الزمن الاجتماعي شخصيات تتحاور ولها أفكار مختلفة شخصيات أجنبية بالاضافة الى الشخصيات المحورية ، من خلال الحوار حتى اللهجة هي لهجة منطقة السيد علي كمال ، من خلال الحوار تستطيع أن تعرف أنه يدور في منطقة محددة ، كما قلت الثيمة تقليدية الا أنه ضخ فيها رؤيته لتركيا المعاصرة وأستصحب معه تطور الأقتصاد التركي لأن بداية الرواية ، تتحدث عن ترحيل وتجارة الملح وذلك بعد الحرب العالمية الثانية وهي نقطة بداية الرواية ثم بعد ذلك الأزمنة فيها متداخلة ، في حوار أجري معه قال أنه يضع روحه وروح تركيا في الرواية من خلال التاريخ وتطور تركيا ، العالم كله يعرف تاريخ تركيا منذ الامبراطورية العثمانية لكنه أراد الحفر أكثر في هذا التاريخ ، السيد علي درس علم النفس الاجتماعي لذلك الروايه بها أفق فلسفي ورواية «كا» ذات العنوان الدال والمفتاحي لقراءتها مستخدمة كشفرة لقراءة تاريخ تركيا تحديدا بعد انتهاء الامبراطورية وظهور تحولات مجتمعية وسياسية واقتصادية ، من الواضح أن الكاتب من خلال النص أراد استعادة أزمنة غابرة في التاريخ الحديث في تركيا ومحاولة تفسيره من خلال السرد وأكثر من ذلك تعبئة شفرات ذللك التاريخ برؤى جديدة من خلال السرد أيضاً ومن المهم جدا توجد بالرواية نستالجية ، كما قلت في البداية الرواية لها نسق وصيغة تقليدية واستخدمت اللغة التركية بلهجة معينة لمكان محدد هنالك الكثير من المشاهد الرومانسية الكلاسيكية ولكن في كثير من جوانب الاسلوب واللغة يكشف عن مقدرات كتابة حكي مدهشة جداً ، في البداية تحدثت عن أورهان باموق وهو مسكون بالمدينة وبالتحديد استنبول وهي مدينته « استنبول المدينة والذكريات « التاريخ هنا شكل السرد من أوله الى آخره ، وأورهان كان بيحلم بكتابة رواية كالرواية التي كتبها الرحالة التركي اليا جلبي الذي زار السودان في أواخر القرن ال16 وكتب عن سنار .. البحر من الشفرات المهمة في رواية « كا « وهي شفرة متحركة تجدها في النص بعد كل مشهد والآخر ، أيضا الهم السياسي أو ما يسمى بالموقف السردي في العمل الأدبي ، الموقف خلال هذه الرواية من أوله الى آخره موقف سياسي ، في ختام الرواية والتي هي من ثلاثة أجزاء بيعمل الكاتب عمل أركيولوجيا مباشر.. الأستاذة عائشة موسى السعيد أضافت في حديثها أن الكاتب علي كمال رسم لنفسه اسلوباً يقع في تصنيفي ضمن الخيال العلمي ولكن بعد معاناة في الدخول الى حلبة القصة زدت في التصنيف أنه من الخيال العلمي الشامل ... تحتاج قراءته لقارئ يجلس بكامل قواه ولا يتكئ بفنجان قهوته أو شايه . وتكمن الخصوصية الاسلوبية لهذه الرواية في آلية جديدة استخدمها الكاتب تشبه ما يمكن أن يسمى : شاطر ومشطور وما بينهما طازج ، فبعد أن ولجنا من البوابة الأثرية الصعب فتحها فاجأنا في الجو التقليدي المتزمت للمجتمع بفتاة جريئة شقراء فارعة لا تتردد في مغازلة من يعجبها وقرنها بصورة من روميو وجولييت وحبل الملاءات المتدلي من النافذة وفعل فينا هذا التناقض وسير القصة فعل السحر فطفقنا نقلب الصفحات بحماس تتطاير حولنا الصور والأسماء الأسطورية والتاريخية والأثرية الى أن قرر أن يرجعنا لشغفه الحقيقي بالخدع الحربية والحفريات الأثرية والنظريات الأركيولوجية فأسهب ولا أخجل أن أقول رغم شغفي بالتاريخ أنه في اسهابه أصابنا بالملل .. لكنه سرعان ما حس بحسسنا وأعادنا للطرف الثاني من المشطور ففرحنا بعلي وجني واكمال قصتنا الأولى وكأننا في عالم من السراب الروحي خلال العصور ...هنا أضفت لتصنيفي انها رواية مرجعية للخيال الشامل : العلوم الهندسية والحفريات والآثار والتاريخ والكيمياء والتطبيب وما نقصنا فيها سوى الشعر وربما الرياضيات ... تلخصت ملاحظات عائشة موسى في ثلاثة نقاط :- اللغة من حيث المفردات والقواعد نهجت عمداً استخدام مصطلحات نادرة وغفلت قواعد اللغة خاصة المتعلقة بالأزمنة ولا أدري ان كان هذا من الكاتب أو المترجم اذ أنه من الكاتب يعتبر النزوع الى استخدام اللغة القديمة الشكسبيرية ومن المترجم يعتبر أخطاء نحوية وتعقيدات لغوية ... ثانيا الشمولية العلمية كما ذكرت فيها العلوم الفيزيائية والكيمائية والانسانية والفنية والأدبية وكأنه يقدم لنا الفكر في قدح واحد . .. والأخير هو ظهور السياسة هنا وهناك واستوقفني ما ورد في ذكر العرب ( لست عربية ) وخنوعهم وإعلاءهم للمستعمر فعجبت لماذا العرب هل هذا تمييز عنصري أم نقد موضوعي ؟ فالمعروف أن المستعمر دائماً يسود المستعمر وهذا ليس هو وصمة العرب فقط بل كل المستعمرات الأوربية والأمريكية والأفريقية والأسيوية ... الى أن تنتفض الأمم وتتخلص من عقدة القهر والاستعمار كما حدث في العالم .