* عندما كنت أرد على مكالمة هاتفية من خالي حسن عثمان محمد فضل المعارض اليساري وهو يقول «أنا في عمري الطويل ده أيام «الفرح العارم» عندي قليلة جداً.. لكن إنتصار الجيش على العدو في هجليج أدخلني في سعادة غامرة .. وضربت ليك عشان أقول ليكم ألف ألف مبروك وبلِّغ تهانيَّ للسيد الرئيس» فشكرته وأنا أعرف صدقه ووضوحه. كان الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية ترتَّج تحت وقع كلماته القوية أعواد منبر المجلس الوطني وهو يوجِّه القوات المسلحة «لمكافحة تهريب المواد الغذائية لجيش العدو .. وحسم الأصوات المخذِّلة .. والخلايا النائمة.. وذوي الهمم الميِّتة .. والضمائر الخربة..» فقلت في نفسي :- «والله البتزعِّل الأستاذ على دي ما حاجة ساهلة..» فالرجل بخبرته الطويلة .. وطريقته الهادئة .. وصبره الجميل، ما كان له أن يغضب كل هذه الغضبة المضرية ويأمر بقتل المهربين «Shoot to kill» لولا إنه إستشعر عِظم الثغرة التي يفتحها التهريب في جدار أمننا الإقتصادي والغذائي.. وكيف يتغذى العدو من خيراتنا ثمَّ يقاتلنا بعد أن شبع وسمن من إنتاجنا وتجار الطمع والجشع وعبدة الدولار لا يرغبون فينا إلاَّ ولا ذمة في سبيل إزدهار تجارتهم وتنامي أموالهم الحرام والتي يدفع ثمنها الأبرياء تقتيلاً وتشريداً وإنتقاصاً من تراب بلادنا وعزته وكرامته. * السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية والذي رعى السلام حتى تحقق.. وصبر على عقبات التنفيذ .. وتجاوز الكثير من المؤامرات وتحمل في سبيل رسالة السلام ونشر ثقافته الأذى حتى قال الناس إن شيخ على أصيب بالكآبة والإحباط جراء ما آلت إليه نتائج الإستفتاء «الثمرة المرة» لإتفاقية السلام الشامل .. وإنه إلتزم الصمت المطبق عند كثير من الأزمات .. وإنه إنتبذ من الحكومة مكاناً قصياً وشغل نفسه بالقطاع الخدمي وترك القطاع السيادي والسياسي .. وإنه زاهد في إدارة أكثر الملفات حساسية وخطوره مع الحركة الشعبية ثم حكومة الجنوب بعد الإنفصال حتى خرج من صمته بُعيد إحتلال هجليج وترأس اللجنة العليا للتعبئة العامة.. وأظهر نيوبه وأظافره وهو يتصدى للعدوان ونقض العهود والمماطلة والتسويف وتعمد الأذى لنا ولإقتصادنا من قبل أباطرة الحرب في حكومة الجنوب ومن يساعدهم من المندسين والعملاء في أوساطنا». * لا أتذكر للأستاذ على عثمان خطاباً تاريخياً من تحت قبة البرلمان منذ أن كان زعيماً للمعارضة في برلمان الأحزاب وقبلها عندما كان رائداً لمجلس الشعب القومي .. ومع إنه أكثر الحاضرين في البرلمان خبرةً وأقواهم شكيمة وأنصعهم بياناً إلا إنه قليل الكلام في البرلمان .. حتى تفجَّر بالأمس زلزالاً يهز عروش المخذلين .. ويدك قواعد المهربين .. ويرفع عصاه الغليظة في وجه الأعداء والمتربصين ويقول هللَّا هلَّلا على الجد .. ولا يكتفي بذلك لكنه يصوِّب نظره تجاه الإنفاق الحكومي والذي كثر الحديث عنه وعن ضخامته وشدَّد على الشفافية وضرورة إدارة الدولة بالصراحة مع الشعب ووضعه أمام الحقائق .. وإشترط لتقديم الجماهير لمزيد من الدعم والمؤازرة إلتزام الدولة بحسن الأداء وترشيد صرف الموارد المتاحة وتقديم القدوة والمثال مع الحزم والمتابعة والمحاسبة وترتيب الأولويات ومكافأة كل محسن ومحاسبة كل مقصِّر . * تحدث شيخ على حديثاً قصيراً نسبياً لكنه قال كل شئ وأوجز فأجاد ولربما كانت غضبة الأستاذ المضرية مفاجأة لمن لا يعرفه .. فهو يقول عن نفسه «أنا بالي طويل ولكن ما برضى الخمج» وقد خمجت الحركة الشعبية خمجاً لا نظير له وتجاوزت كل المواثيق والإتفاقيات حداً لا يمكن السكوت عليه.. ففرقٌ كبير بين التسامح والخنوع .. وقد برز وجه رجل الدولة عند النائب الأول كما لم يبرز من قبل .. قال السيد الرئيس «إن أهم وأخطر القرارات الجمهورية التي إتخذها في مدته الرئاسية.. إختياره للأستاذ علي عثمان محمد طه نائباً أول له.» وقد أثبتت الأيام صدق حدس الرئيس فلولا القيادة الحكيمة للمفاوضات التي أفضت إلى إتفاقية السلام الشامل لما جاء السلام.. ولولا صبر شيخ على تنفيذ بنودها لما وصلت إلى مرحلة الإستفتاء وإعلان دولة الجنوب ، والتي خسر قادتها رجلاً كان يمد لهم حبال الصبر حتى عيل صبره.. كل «حق» تقرير المصير على مر الزمان واختلاف المكان أفضى إلى الإنفصال.. وكل إنفصال أدى إلى نشوب حرب بين الدولة الوليدة والدولة الأم.. والشواهد كثيرة.. لكنها جميعها أقل رعونة مما أقدمت عليه دولة الجنوب بقيادة الحركة الشعبية والتي «شالت أصبعها وطبظت بيهو عينها.» ولم يتمكن أعدى أعداء بلادنا من مساندة حكومة الحركة الشعبية في عدوانها السافر على مقدرات شعبنا حتى ذاقت وبال أمرها وكانت عاقبة أمرها خُسراً .. ونحن بين يدي إستراتيجية عسكرية متطورة ونظرة متجددة.. سيكون سيفنا بتاراً وقاطعاً لكل طامع يمد يده لأراضينا ... والله الله على الجد. وهذا هو المفروض