أولاً أنتهز هذه الفرصة لأهنى زميلة الدرب الطويل في الأبيض الوسطى بنات وثانوية الأبيض ثم مدرجات جامعة الخرطوم، الأستاذة آمال حسن التنى والتى اختيرت رئيسة لمفوضية حقوق الإنسان، كما وأننى أضيف للقارئ معلومة أخرى وهى ان وجود (آمال) على قمة هذا الجهاز يعنى أن ولاية شمال كردفان تمسك (بالرسن) لتقود مواطني جمهورية السودان نحو إحقاق الحقوق ورد المظالم لسيادة القانون .. فأنت (قدرها ونص). متمنية لك التوفيق والسداد. وبمتابعتى للحوار مع رئيسة المفوضية بالصحف اليومية عرفت أن عمل المفوضية هو ان تتلقى الشكاوى والمظالم من الافراد الذين يحسون تظلماً وقع عليهم او حقا سلب منهم ثم تنظر المفوضية فى تلك الشكاوى سعياً من جانبها لرد الحقوق لاهلها ورفع الغبن والظلم عنهم. أما باطلاعى للميثاق العالمى لحقوق الانسان وبجهد ذهنى غير كبير، تبين لى ان الحقوق الانسانية التى تضمنتها بنود الميثاق تندرج تحت ثلاث دوائر. اولها الحق فى الحياة..وهذا حق يمكن ان يسلب بالقوة ولا يمكن مطلقاً استرداده لغياب صاحب الشكوى نفسه! والدائرة الثانية تتضمن العديد من الحقوق التى يمكن أن تسلب ايضاً لكن يمكن استردادها بتفعيل القانون. وهذه تشمل الحقوق التى تتوفر لها الحماية بالنظام القانونى والأطر القانونية. وهذه المجموعة هى مرعى خصب يمكن ان ترعى فيه مفوضية حقوق الإنسان. وأذكر لك قارىء أمثلة لتلك الحقوق ولا ارغب في حصرها وهى: المادة(3) لكل فرد الحق في الحرية والأمان على شخصه. المادة(4) لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده ويحظر الرق والإتجار بالرقيق بجميع صوره. المادة (7) الناس جميعا سواء امام القانون. المادة( 9) لا يجوز اعتقال أى انسان أو حجزة أو نفيه تعسفاً........ إلى آخر سلسلة الحقوق التى تضمها هذه الدائرة. أما المجموعة الثالثة هى مجموعة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهى الحقوق التى يمكن ان تسلب إلا انه يصعب استردادها عن طريق تفعيل القانون، إذ أن استردادها لا يتحقق إلا عن طريق تنفيذ تنمية اقتصادية وإجتماعية متكاملة ومتوازنة، وببناء قاعدة للتمكين فى عدة مجالات. وفى هذا الخصوص أرى أن مفوضية حقوق الانسان ستعانى كثيراً من الرهق والعصف الذهنى المضنى والذى لا يقود إلى حلول ، ولك قارئ بعض الامثلة لذلك: المادة 23-1 ونصها كما يلى:- لكل شخص الحق فى العمل وفى حرية اختيار عمله وفى شروط عادلة ومرضية للحماية من البطالة. هذه المادة يعوق انفاذها الزيادة السكانية المضطردة بالسودان، فتقل فرص العمل عن الحاجة الفعلية ولا يستوعب دولاب العمل فى القطاعين العام والخاص الاعداد المتزايدة من الراغبين فيه. أضف إلى اننا دولة ذات اقتصاد نامى وترهقه سلسلة الحروبات التى نجر اليها مرغمين، وبذلك تزداد الميزانية العامة رهقاً مما يحول دون فتح فرص جديدة للعمل فى القطاع العام والخاص، إلا أن المحاولات الجادة لفتح نوافذ الإستثمار المحلى والأجنبى قد تكون بشارة خير، إضافة لتفعيل دور التمويل الأصغر والذى لعله ينتج فرصاً ناضجة للعمل تستوعب الكوادر المؤهلة فى المجالات الفنية والأكاديمية. إلا إننا رغم كل ذلك لازلنا غبر قادرين لإحقاق هذا الحق الإنسانى ووضعه موضع التنفيذ. وبالتأمل قليلا، ندرك أن هناك علاقة بين حقوق الانسان والتنمية الإقتصادية والإجتماعية سلبا وإيجاباً. ومثال آخر فى المادة (26) وهذا نصها: لكل شخص حق فى التعليم ويجب أن يوفر التعليم مجاناً على الاقل فى مرحلته الإبتدائية ويكون التعليم إلزامياً... مع الحق فى الحصول على أعلى مستويات الصحة. هذا وبالسودان ورغم إزدياد عدد المدارس بمرحلة الاساس والثانوى العالى وتوسعه إلا أن خدمات التعليم لازالت لاتغطى الحاجة الفعلية مع تدنى البنيات الأساسية للتعليم خاصة بالريف السودانى. ومايقال عن التعليم يقال عن الخدمات الصحية أيضاً إضافة لرسوم العلاج التى ترهق المواطن البسيط وتحرمه من ممارسة حقه فى علاج على أدنى المستويات وليس أعلاها. هذا وإن إحقاق هذه الحقوق أيضاً لا يكون إلا بتحقيق التنمية المتكاملة والمتوازنة والتي توفر الخدمات. وهى حقوقا لاتمنح بقوة القانون ولابتفعيله. تأمين هذه الحقوق يحتاج لمؤسسات قوية وفاعلة وقدر الحاجة المطلوبة من مدارس ومستشفيات ومراكز صحية . ومثال آخر فى المادة (25)-1 وهذا نصها: لكل شخص الحق فى مستوى معيشى يكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته خاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن ...) هذه المادة تعنى تحرر الفرد من الفقر ليتمتع بمستوى معيشة لائق. ولايمكن التحرر من الفقر الا بتحقيق تنمية متوازنة ومتكاملة لتتم الكفاية في الغذاء والكساء ومياه الشرب النقية. فهل يتوفر الغذاء بكميته ونوعيته لكل مواطن فى المدن والريف أم مازالت هنالك جيوب تعانى من الفقر والجوع وشح المياه النقية وغير النقية. ولكى نكون (صادقين) لازال الفقر يضرب بكفيه على مناطق عدة خاصة بالريف. وهذا الواقع تفرضه فى الأساس الظروف البيئية وموجات الجفاف والتصحر التى أدت وتؤدى الى شح المطر وتذبذبه فى القطاع المطرى التقليدى لإنتاج الغذاء، مما يؤدى الى إحداث فجوات غذائية هنا أو هناك. فالقانون لايمكن أن يضمن إحقاق هذه الحقوق الأساسية بل أن القانون يقف عاجزاً أمام ضعف البنيات الإقتصادية التمكينية التى تفرضها فى الأساس ظروف طبيعية مع ضغوط عالمية وعداءات من دول مجاورة. وفى هذا الجانب أرى أن مفوضية حقوق الإنسان ستجد نفسها عاجزة أيضاً لإحقاق هذه الحقوق الإنسانية الأساسية كما ويعجز الفقراء عن إستخدام الأدوات القانونية للحصول على تلك الحقوق. فماذا أنت فاعلة (يا آمال) إن جاءك شاكي من الريف يشكو (قلة الفئران) فى بيته !!!! . * ماجستير تنمية