لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الامن الغذائى وحق الغذاء ومحاربة الفقر والجوع بين النظرية والتطبيق .. بقلم: عاطف عبد المجيد
نشر في سودانيل يوم 04 - 06 - 2010

تناولنا فى الحلقتين السابقتين (2) و(3) الاطار السياسى لهذه القضية الحيوية , واليوم نتناول الاطار الاكثر تعقيدا , ومايسمى بمربط الفرس , الا وهو الاطار القانونى , وهنا يكمن يبت القصيد , فقضية حقوق الانسان بالاجمال من حيث البعد التشريعى بالدول النامية تحديدا تظل القضية الجوهرية التى تقف حائلا دون نموها وتطورها , فالحديث عن الموارد طبيعية كانت أم بشرية , مالم مالم يجرى تسخيرها وفق قاعدة راسخة من تأمين حقوق الانسان جميعها , يبقى حديثا رومانسيا , وتصبح خطط التنمية حبر على ورق , أو بمثابة قصيدة شعر تحلق بالمعنيين بها فى عالم الخيال الخصب , فيرسمون يوتوبيا لاتوجد الا فى مخيلتهم , وينبرى النقاد وما أكثرهم هذه الايام , ليتناولوا بالبحث والتمحيص ماتم طرحه من خطط وبرامج , هى عالم والواقع ومرتكزاته وحقائقه فى عالم اّخر , وتأتى زبدة المجتمع من العلماء والباحثين والمثقفين المغلوبون على أمرهم ليدلوا هم الاخروت بدلوهم , فمايلبس البسطاء الا أن يصدقوا مايجرى على خشبة المسرح , والكل يحاول جهد أمره ليتفانى فى أتقان دوره , عسى ولعل السماء تمطر ذهبا , أو تأتى عصا موسى لتحول الخيال الى حقيقة , وبين هذا وذاك لاتسأل عن الكومبرس , فما أكثرهم فى عصرنا هذا , فلا يعانى المؤلف والمخرج كثيرا لتأمينهم , وأستغرب وقتها حين يتسائل البعض , أين تكمن العلة ؟
فاذا ماوصفته لايتجاوز حقيقة نضال صفوة من مثقفى تلكم المجتمعات للعمل على تأمين الحقوق المدنية والسياسية , فكبف يكون حالى وأنا أتناول الحقوق الاكثر عمقا , الا وهى الاقتصادية , ولنتجزر أعمق فنقول حق الغذاء وصولا للامن الغذائى , بلا شك قد يسخر البعض , ولكن لنكون أكثر صدقا , كم من رجال القانون والاقتصاد والسياسة والاجتماع بهذه الدول من سمع بالبروتوكول الاختيارى لحق الغذاء الملحق بالعهد الدولى لحقوق الانسان , والذى أجيز قبل شهور قلائل من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة , كم ياترى من سعى فقط للالمام بمضامينه , ناهيك عن تبنيها والنضال من أجل تأمينها بمجتمعاتهم , وبعد كل ذلك نتسائل وببرائة شديدة أين تكمن العلة ؟
نعود لموضوعنا اليوم , ولا أود الاطالة عليكم , فالوقت كالسيف ان لم تقطقعه قطعك , فهل أجرى كلا منا عملية جرد بسيطة لعمره , ارجو أن لايصاب بالاحباط , فالبدول النامية عنصر الزمن , العنصر الوحيد بالمعادلة الذى يتسم بحالة السكون , ليس من منظور محاولة تحديد قيم العناصر الاخرى المتغيرة , ولكن دون غيرنا من الدول فأصله ساكن , هذا اذا لم تفق وتجده , مهرولا فى الاتجاه المعاكس لعقارب الزمن , وذلك بمفهوم اليوم حينما تتنادى الخواطر للزمن الجميل .
نعود الى اطارنا القانونى لقضيتنا وفق دراسات الحالات التى شملت الخمس دول المعنية , وهى البرازيل والهند ويوغندا وجنوب افريقييا وكندا , فقد توصلت الدراسة الى أنه يحظى حق كل فى الغذاء الكافى بمستوى معين من الحماية القانونية فى كل بلد من البلدان الخاضعة للدراسة . وتتخذ هذه الحماية القانونية أشكالا مختلفة , لكن لكل من البلدان طريقته الخاصة التى يمكن من خلالها للافراد , وفى بعض الحالات للجماعات المطالبة بالغذاء الكافى باعتباره حقا , لاعملا خيريا .
عناصر الحماية الدستورية :
الحق فى الغذاء مسجل مباشرة فى دستور بعض البلدان , فيما عمدت المحاكم فى بعضها الاخر الى تفسير الدستور على أنه يحمى الحق فى الغذاء . وتختلف التشريعات التى تحمى الحق بأختلاف البلدان هنا أيضا , وكذلك الاليات القانونية التى يمكن للافراد / الجماعات استخدامها للمطالبة به . ففى بعض البلدان يترافق هذا الحق بأحقية قانونية , أى أن المحاكم تعمل على انفاذ المطالبات المتعلقة به والموجهة الى سلطات الدولة , وفيما يلى وصف لعناصر الحماية الدستورية وتشريعات البلدان الخاضعة للدراسة .
" يعنى حق المقاضاة أن فى وسع المحاكم أنفاذ الحقوق . ومفهوم حق المقاضاة فى ميدان الحقوق ليس بالجديد . فالاعلان العالمى لحقوق الانسان لعام 1948 يدعو الى ايجاد حلول قضائية . وتوضح المادة 8 أن " لكل شخص الحق فى أن يلجأ الى المحاكم الوطنية لانصافه عن أعمال فيها أعتداء على الحقوق الاساسية التى يمنحها له القانون . وبمعنى أوسع يمكن فهم حق المقاضاة على أنه امكانية الوصول الى "انصاف" تشريعى أو ادارى أو قضائى فى طبيعته . وهذا هو مفهوم الانصاف وفقا للعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية (المادة 2-3) "
ويمكن العثور على أساس قانونى للحق فى الغذاء فى دساتير عدد من البلدان التى تطالها دراسات الحالة . وأرجو أن أنوه هنا بأن هذه الدراسة أجريت قبل اجازة البروتوكول الاختيارى لحق الغذاء والملحق بالعهد الدولى لحقوق الانسان الذى أشرت اليه فى المقدمة , والذى لم توقع عليه حتى الان سوى 29 دولة فقط من دول العالم , وقد أشرنا اليها فى الحلقة الاولى .
ويتجلى حق الغذاء بقوة فى حالة جنوب أفريقيا التى ينص دستورها على الحق فى الغذاء وبصورة مباشرة فى ثلاث اشارات صريحة , اذ :1)يطالب الدولة باتخاذ تدابير تشريعية معقولة وتدابير أخرى , فى حدود مواردها المتاحة , لاعمال حق كل أمرىء فى الوصول الى الغذاء الكافى على نحو مطرد,(2) ينص على حق كل طفل فى الغذاء الاساسى والمأوى وخدمات الرعاية الصحية الاساسية والخدمات الاجتماعية , (3) ينص على حق كل شخص معتقل وكل سجين حكم عليه , بالحصول على الغذاء الملائم .
كما ينص دستور جنوب أفريقيا على أن " قانون الحقوق ينطبق على القانون ككل ويلزم السلطة التشريعية والقضائية وكافة هيئات الدولة ( القسم الثامن ) ويفرض على الدولة واجب التقيد بأحكام قانون الحقوق وحمايته والترويج له والوفاء به . وتشكل هذه الاحكام الدستورية المفصلة بيئة مؤاتية للاعمال المطرد فى الغذاء , ويمكن الاستشهاد بها فى المحكمة .
وبغض النظر عن هذا الاطار الدستورى الراسخ الذى يتضمن أحقية قانونية واضحة للحق فى الغذاء , يمكن العثزر على الدعم لهذا الحق ولاحقيته فى دساتير بلدان أخرى .
يتضمن دستور البرازيل أساسا قانونيا للحق فى الغذاء الكافى , ويتضمن الدستور أحكاما عدة تفرض على الحكومة , على نحو مباشر أو غير مباشر , احترام حق المواطنين فى الغذاء وحمايته والوفاء به, وقد حدد دستور 1998 أجرا أدنى موحدا فى كافة أنحاء البلاد " يتيح تلبية الاحتياجات الحيوية الاساسية من السكن والغذاء والتعليم والصحة " , من جملة الحاجات (المادة 7 ) . كما يوضح أن زاجب الدولة " ضمان حق الطفل والمراهق فى الحياة والصحة والغذاء والتعليم .." ( المادة 227) . وفى 2003 , شمل اصلاح دستورى الحق فى الغذاء بأعتباره جزءا من الحقوق الاجتماعية لكل مواطن . ويقول النص الجديد : " تشتمل الحقوق الاجتماعية على التعليم والصحة والغذاء والعمل والسكن , وفقا لما يجدده هذا الدستور ..." ( المادة 6 ) ز
وبالرغم من أن دستور أوغندا لايعترف بالحق فى الغذاء كحق أساسى , الا أنه يحمى ويشجع " الحقوق الاساسية وغيرها من حقوق وحريات الانسان " , وينص على أن هذه الحقوق " يجب أن تحترم وأن تصان وأن تشجع من جميع الهيئات والوكالات الحكومية ومن جميع الاشخاص " . كما ينص أيضا على أن " على الدولة السعى لاحقاق الحقوق الاساسية فى ميدان العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية لجميع الاوغنديين " , ويشير على نحو خاص الى الامن الغذائى والغذاء الكافى والتغذية الملائمة التى يجب على الدولة ضمان الوصول اليها .
ويميز دستور الهند بين : (1) الحقوق الاساسية , وهى الحقوق المدنية والسياسية فى المقام الاول وتحظى بالاحقية القانونية ,(2) الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التى لاتحظى بهذه الاحقية القانونية , بيد أن الحق فى الحياة ( وهو حق أساسى ) قد فسر مع مرور السنين على أنه شامل للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الواردة فى الدستور بأعتبارها المبادىء الموجهة للدولة .
واذ لايرد الحق فى الغذاء مكتوبا بصريح العبارة فى الدستور الكندى , الا أن ميثاق الحقوق والحريات (1982) كما فسرته المحكمة العليا الكندية , يحمى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المعترف بها دوليا , كما أقرت المحكمة العليا بحقوق السكان الاصليين فى جمع غذائهم وفقا لتقاليدهم .
بغض النظر عن وجود حماية دستورية للحق فى الغذاء , فان الدول التى وقعت الصكوك الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان تقبل بضم هذا الحق وغيره من حقوق الانسان الى قوانينها القطرية .
قانون الدعوى وحق المقاضاة :
يقدم الاطار الدستورى الذى يقبل التفسير بهدف حماية الحق فى الغذاء أساسا لاحكام قانون يحث على الاعمال المطرد للحق فى الغذاء , ومقياسا للتشريعات والسياسات .
ففى الهند مثلا , أصدرت المحكمة العليا عدد من الاحكام المؤقتة فى دعوى خلاف يهم الصالح العام ويتمثل العامل المركزى فيه , بأن الحق فى الغذاء ينبثق من الخق فى الحياة الذى تضمنته المادة (21) من الدستور . ولم يصدر الحكم النهائى فى هذه القضية حتى تاريخ اعداد هذه الدراسة .
أما الاثر الاّخر للاحكام المؤقتة فكان اجراء تحول على البنود المتعلقة بخطط وبرامج مختلفة أجرتها الولايات الهندية والحكومة المركزية على الاحقية القانونية للسكان المعنيين وهذه الاحكام (1) شددت على الاهمية العظمى لتيسير الغذاء للكهول والعاجزين والمعاقين والمحرومين من النساء والرجال , وللنساء الحوامل والمرضعات وللاطفال المحرومين , ولاسيما اذا لم تتوافر لهم أو لاعضاء عائلاتهم المال الكافى لاطعامهم , (2) أعطت التوجيهات للولايات كى تسهر على حسن همل جميع المتاجر التابعة لنظام التوزيع العام , (3) أمرت الولايات بتنفيذ برنامج الغذاء مقابل العمل فى كافة المناطق التى تعانى من القلة , (4) أمرت بتنفيذ المخططات القائمة على الغذاء , بما فيها تقديم وجبات الغذاء فى المدارس .
ويمكن العثور على عناصر من الحق فى الغذاء فى القوانين الفدرالية وقوانين المقاطعات فى كندا , وفى السياسات ذات العلاقة بالزراعة وسلامة الاغذية والصحة والحماية الاجتماعية . وعلى وجه الخصوص , أقرت مقاطعة كيبيك فى 2002 قانونا لمكافحة الفقر والاستبعاد الاجتماعى يلزم الحكومة " بتسهيل الوصول الكريم الى الامدادات بالغذاء الكافى والمغذى , وبكلفة معقولة , للاشخاص الذين يعيشون فى ظروف فقر ..." (9.s.61.c,2002) . كما تقر خطة العمل الكندية للامن الغذائى(1998) بالصلات بين الفقر وانعدام الامن الغذائى فى المنازل .
وعلى صعيد التشريعات فى أوغندا , تجرى حاليا (وقت أعداد الدراسة ) صياغة قانون سيقدم لاعتماده فى البرلمان , وسيوفر الاطار القانونى لتنفيذ سياسة الاغذية والتغذية بالاستناد الى الحقوق . وخطة العمل والاستثمار والترتيبات المؤسسية المتعلقة بها .
كما أجرى برلمان جنوب أفريقيا مداولات عامة حول موضوع الامن الغذائى , وطلب من الحكومة تقديم قانون للامن الغذائى الذى صاغته وام تعرضه عليه بعد . ولابد أن يخضع هذا القانون لفحص دستورى متمعن . من جهة أخرى فان الدستور يعتبر الحكومة مسؤولة فى حالة عجزها عن اتخاذ الخطوات التشريعية .
فيما وراء التشريعات :
ان الاعتراف القانونى والدستورى بالحق فى الغذاء أمر هام لكنه ليس كافيا لضمان تنفيذه , حتى ولو كان حقا قابلا للمقاضاة , بل يستدعى الامر وجود عناصر أخرى , من بينها حكم القانون والتسيير الرشيد والمسائلة ومشاركة الشعب .
ومن الضرورى ايجاد اّليات قانونية كفؤة ومتاحة وناجعة للمطالبة بالحق فى الغذاء . ويمكن العثور على مثال لهذه الاّليات القانونية المحتملة فى ميدان المحاكمة المدنية العامة فى البرازيل , والتى تعتبر أهم أداة قضائية لحماية الحقوق فيه . وهذه الاداة لاتحمى حقوق الافراد فحسب , بل تتيح انفاذ الحقوق الجماعية , بما فيها الحق فى الغذاء (( أنوه هنا مرة أخرى الى أن تاريخ الدراسة قبل أجازة البروتوكول الاضافى لحق الغذاء من قبل الامم المتحدة والبرازيل من الدول الموقعة عليه )) . وبالرغم من أن ليس فى وسع الافراد طلب محاكمة مدنية عامة , فان فى وسع الولاية أو البلدية , أو أى منظمة غير حكومية , أو شركة عامة أو مختلطة طلبها , أو عبر وزارة حكومية مباشرة . وقد استخدمت المحاكمة المدنية العامة فى مجموعة كبيرة من الحقوق الاجتماعية , بما فيها الصحة وحقوق البيئة وحقوق المستهلكين . وفى الامكان استخدامها لحماية الحق فى الغذاء , وان لم تستخدم بعد .. .
ان وجود سلطة قضائية مستقلة وقادرة على ممارسة مسؤولياتها عنصرا اساسيا لضمان الحق فى الغذاء , مما قد يتطلب اجراء اصلاحات على السلطة القضائية . ونظرا للوضع التاريخى والاجتماعى الخاص بالبرازيل وجنوب أفريقيا مثلا , فقد يستدعى الامر معالجة الاختلالات العرقية والجنسانية على كافة مستويات السلطة القضائية .
كما قد يستدعى الامر تدريب القضاة والمحامين فى ميدان حقوق الانسان والحق فى الغذاء والاتفاقيات الدولية , وزيادة المبادلات مع منظمات حقوق الانسان القطرية والدولية . وتلاحظ دراسة الحالة الخاصة بالبرازيل أن القضاة البرازيليين يحتاجون الى توسيع معارفهم بمعايير حقوق الانسان والواجبات المترتبة على السلطة القضائية على المستوى الدولى , ويسرى الامر عموما على أنظمة قضائية أخرى فى العالم , وخاصة بالدول النامية .
ويجب على السلطات الحكومية الثلاث , التنفيذية والقانونية والقضائية , أن تنتهج الوضوح بشأن واجباتها فى احترام الحق فى الغذاء الكافى وحمايته والوفاء به . ودستور جنوب أفريقيا واضح تمام الوضوح فيما يتعلق بمسؤولية كل الفروع الاساسية . أما فى البرازيل فان ادراك السلطة القضائية لمسؤولياتها فى حماية الحقوق الاقتصادية للجماعات الاكثر ضعفا مازال غير واضح . ويعتبر القضاة عموما أن معالجة الضعف الذى تعانى منه جماعات معينة يقع حصرا ضمن نطاق السياسات العامة . وبالتالى فان الامتثال للاتفاقات الدولية والمعايير البرامجية يعتبر نشاطا خاصا بالفرع التنفيذى . كما أن المحاكم الكندية تمنعت عن الاعتراف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ضمن نطاق الميثاق الكندى للحقوق والحريات .
المؤسسات والاّليات القطرية لحقوق الانسان :
للمؤسسات القطرية لحقوق الانسان دور أساسى فى رصد وتنفيذ الحق فى الغذاء وفى أستقبال الشكاوى من المجموعات والافراد . ولدى العديد من البلدان لجان لحقوق الانسان أو اّليات مماثلة تلعب دورا هاما فى ضمان حق كل أمرىء فى الغذاء الكافى . وتبلغ منظمات خقوق الانسان القطرية أعلى مستويات الفعالية عندما تكون مستقلة استقلالا كاملا وتتمتع بالسلطة اللازمة لاصدار توصياتها .
فلجنة حقوق الانسان فى جنوب أفريقيا هى هيئة تستمد جذورها من الدستور وتتمتع بسلطة تخولها التشجيع على احترام حقوق الانسان ورصد وتقييم التقيد بها . وقد حددت وظائفها ضمن قانون لجنة حقوق الانسان فى جنوب أفريقيا , وهو قانون يسمح للجنة برفع دعوى بالنيابة عن جماعة أو شخص ما , وبتقديم المشورة للدولة فيما يتعلق بالتشريعات الخاصة بالحقوق . وللجنة سلطة واسعة النطاق تطال كافة المسائل المتعلقة بحقوق الانسان , وهى تقر بالطابع العالمى والمترابط والمتداخل وغير القابل للتفريق الذى يميز هذه الحقوق . وللجنة هيئة مستقلة وحيادية ترفع تقاريرها الى البرلمان مباشرة , وقد استحدثت وفقا لمبادىء باريس .
" مبادىء باريس :
وضعت مبادىء باريس خلال اجتماع لمؤسسات حقوق الانسان عقد فى باريس عام 1991 . وقد أصبحت هذه المبادىء , التى صادقت عليها لاحقا لجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان والجمعية العامة , الركيزة والمرجع فى استحداث وتشغيل مؤسسات حقوق الانسان . والشروط الاساسية التى ترتكز اليها مبادىء باريس هى : الاستقلال الذى يضمنه نظام أساسى أو دستور , الاستقلالية عن الحكومة , التعددية بما فى ذلك التعددية فى العضوية , سلطة واسعة النطاق ترتكز الى معايير حقوق الانسان العالمية , سلطات تحقيق وافية وكوارد كافية . "
وأوكلت الى لجنة حقوق الانسان فى جنوب أفريقيا مسؤولية خاصة تتجلى فى رصد الاعمال المطرد للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التى أقرها الدستور . وسعيا لتنفيذ هذا الغرض , وضعت اللجنة عددا من الاستطلاعات أو " البروتوكولات " التى يتوجب على مختلف الدوائر الحكومية الاجابة عليها .
وقد أوصت اللجنة , من جملة أمور , بوضع اطار تشريعى خاص بالحق فى الغذاء . كما طلبت المحكمة التشريعية من اللجنة رصد تنفيذ حكمها الذى لا سابق له فى قضية تتعلق بتفسير الحق فى المسكن الملائم .
ولدى البرازيل أمانة خاصة لحقوق الانسان , لكنها تفتقر الى الاستقلالية والتعددية اللذين تتطلبهما مبادىء باريس . وقد جرى تعويض موطن الضعف هذا على نحو جزئى عبر استحداث مكتب المدعى العام , وهو هيئة حكومية مستقلة للدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية . وتعمل هذه الهيئة على المستوى الفدرالى ومستوى الولايات , وتعتبر حاليا أهم مؤسسة برازيلية تساعد المواطنيين للحصول على الحماية القانونية . وفى وسع هذه المؤسسة اجراء تحقيقات فى انتهاكات الحقوق الاساسية واصدار توصياتها للحكومة . وقد عملت فى مجال الحق فى الغذاء . لاسيماقيما يتعلق بسوء التغذية بين صفوف الاطفال والسكان الاصليين , وفيما يتعلق بالبرنامج القطرى للغذاء فى المدارس . والغرض من هذه الهيئة هو ضمان مشاركة المستفيدين من السياسات والبرامج , والتعاونمع المنظمات غير الحكومية للترويج لحقوق الانسان , واستحداث منتديات جديدة للتنسيق والتوفيق بين الاراء .
ومخرا استخدثت وزارة العدل البرازيلية بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية , منصب مقرر قطرى للحق فى الغذاء والماء والاراضى الريفية , تتمثل وظيفته فى رصد اعمال هذه الحقوق . وأتى ذلك بمبادرة من منهاج حقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى البرازيل , وهوشبكة قطرية لمنظمات المجتمع المدنى بنيت وفق نموزج المقررين الخاصين لدى الامم المتحدة .
ولدى أوغندا هيئة دستزرية مستقلة تسمى اللجنة الاوغندية لحقوق الانسان . وقد عرضت مسألة الحق فى الغذاء على اللجنة قبل اعادة النظر فى الدستور التابعة للحكومة , واقترحت اسباغ صفة الحق الاساسى والقابل للمقاضاة على الحق فى الغذاء الكافى . كما كانت اللجنة فى عداد أهم منظمى ندوة وطنية بشأن الحق فى الغذاء , أنعقدت فى عام 2003 . ويمكن تفسير نجاح اللجنة بسبب سلطتها الدستورية من جهة وتطبيق هذه السلطة على نحو استباقى من فريق من المفوضيين والموظفين . وقد لاقى دفاعهم صدى ايجابيا بين صفوف كبار صانعى القرار . كما ترسخت جذوره بين مجموعة واسعة النطاق من أصحاب الشأن .
وبدورها فان اللجنة القطرية لحقوق الانسان فى الهند هيئة مستقلة . وبعد مرور عقد من الزمن أو يذيد , كانت محكمة الهند العليا واللجنة القطرية لحقوق الانسان طرفين فى مناظرة للمجتمع المدنى أفضت الى تحول هام من المنظور الخيرى الى منظور حقوق الانسان . وبدفع من شكوى مقدمة من المجتمع المدنى بشأن وصع الحق فى الغذاء فى ولاية أوريسا , لعبت اللجنة القطرية لحقوق الانسان دورا أساسيا فى أستدراج الاعتراف بأن الحرمان والضيق المزمن , لا نسبة الوفيات وحدها , يشهدان على المجاعة , وأن المجاعة تشكل نفيا مقيتا وانتهاكا للحق الاساسى فى التحرر من الجوع .
وقد عينت محكمة الهند العليا مفوصيات للنظر فى الشكاوى المتواصلة بشأن انتهاكات الحقوق التى لا يخضع تصحيحها لتدابير محددة . ويجب على حكومات الولايات تقديم المعلومات التى يطلبها المفوضون الذين يحق لهم التوصية بمسار عمل تنتهجه الحكومات لضمان الامتثال لتوجيهات المحكمة .
دور المجتمع المدنى :
بينت دراسات البلدان أن فى وسع المجتمع المدنى لعب دور أساسى فى الضغط على جميع ىقطاعات الحكومة , ومساعدة الجماعات الضعيفة لتمكينها من المطالبة بحقوقها وتحسين وصولها الى اّليات الالتماس , بما فيها المحاكم .
وفى جنوب أفريقيا مثلا , قامت حركة Treatment Action Campaign , وهى حركة اجتماعية واسعة النطاق , بعرض قضية تتعلق بالحقوق الاجتماعية – الاقتصادية , وبالحق فى الرعاية الصحية على وجه التحديد , أمام المحكمة العليا فى جنوب أفريقيا , وكان لها دور أساسى فى أتخاذ الحكومة قرارا بمعالجتها .
وفى الهند , رفع الاتحاد الشعبى للحريات المدنية دعوى بشأن الحق فى الغذاء فى راجستان . وقد أفضى الضغط الذى مارسته المنظمات غير الحكومية على الحكومة المركزية وحكومات الولايات فى قضية الصالح العام هذه , الى نتائج فى العديد من الولايات . لكن الولايات الاخرى تجاهلت جزئيا أو كليا الاحكام المؤقتة الصادرة عن المحكمة العليا . من جهة أخرى يجب الاعتراف بأن الهند بلد شاسع وأن العديد من ولاياته تعانى من أفتقارها للموارد , مما يبين أيضا الحاجة الى النظر فى تنظيم وتمويل البرامج الاجتماعية على المستوى الفدرالى .
خلاصة الامر , فأنه يتضح لنا , أن تأمين الاطار القانونى لتأمين حقوق الانسان , ومن بينها حق الغذاء يمثل الاساس لاى حديث عن تأمين الحقوق , وتأسيس مؤسسات مستقلة شرط ضرورى بجانب تعدديتها , وتوافر المعايير المتفق عليها دوليا يؤمن فعاليتها . فالحديث عن تنمية حقيقية بمنأى عن ارساء قواعد تأمين حقوق الانسان هو حديث غير واقعى , فلا نهضة ولاتنمية ولاعدالة فى ظل انتهاك هذه الحقوق .
ونواصل بأذن الله فى الحلقة القادمة
عاطف عبد المجيد محمد
عضو المنظمة الدولية لشبكة المعلومات والعمل لاولوية حق الغذاء –هايدلبرغ- المانيا
عضو الجمعية الدولية لعلوم البساتين – بروكسلبلجيكا
الخرطوم بحرى – السودان
تلفون :00249912956441
بريد الكترونى :[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.