منطقة حجر تاما.. عندما يتحدث التاريخ الجنينة: عبد الرحمن إبراهيم تعتبر منطقة حجر تاما بشرق الجنينة من أبرز وأهم المناطق التاريخية والأثرية بالسودان بصفة عامة ودارفور بصفة خاصة، فالمنطقة سكنها السلطان أبكر جر قطران سلطان قبيلة التاما قبل 300 عام، فى الوقت الذي كانت تعرف ديار القبائل بالجبال كأهم معلم. وتقع منطقة حجر تاما بمحلية كرينك وحدة مورني الادارية بولاية غرب دارفور، وتحدها من الشمال وحدة أم تجوك الادارية، ومن الغرب وادى بارى، ومن الجنوب مورنى، وتحدها من الشرق منطقة ام شالاية حاضرة التاما الاقتصادية. ويسود المنطقة مناخ معتدل، وتتميز بغاباتها الكثيفة التى قوامها أشجار الحراز والسدر وبعض الموالح، ويحترف السكان الزراعة والرعي بجانب التجارة. ومنطقة حجر تماما تاريخية، ويعتز قاطنوها بإرثهم التاريخي الذي يتفاخرون به، وتجدهم أينما ذهبوا يسمون أحياءهم وروابطهم الاجتماعية والطلابية باسم منطقة حجر تاما، ولاسم حجر تاما رمزية ودلالة تاريخية لدى افراد قبيلة التاما الذين تراهم يتمسكون بمبادئ سلطانهم أبكر المعروف بجر قطران الذى عرف بالقوة والبأس فى فترة حكمه، رغم مضي قرون على وفاته التي حدثت في عام 1785م، ودفن فى ذات المنطقة، وأصبح قبره من اهم المعالم التاريخية والأثرية، ويقف عنده التاما لتعدد مآثره، فضلاً عن آثار المبانى القديمة التى يعود تاريخها الى اكثر من 300 عام، بجانب رماد التقابة وبقايا الفحم الذى كانوا يستخدمونه فى خلوة لحفظ القرآن الكريم، وقبيلة التاما التى ارتبط اسمها وتاريخها بحسن الجوار، إلا أن أكثر ما يميزها تدرسيهم للقرآن وتحفيظ ابنائهم له في الخلوة. ومن اشهر وابرز علمائهم الزعيم المعروف الفكى سنين قائد حامية المهدية بمنطقة كبكابية، والثائر محمد زين المعروف بأبو جميزة. ويذكر المؤرخ والكتاب اسحاق محمد عبد الله برونوس فى كاتبه «النجوم والتاريخ فى معرفة اصول التاما» الذى التقت به «الصحافة»، أن المنطقة تضم اكبر تقابة لتحفيظ القرآن يمتد عمرها لأكثر من 300 عام، وبلغت آثار الرماد وباقيا الفحم اعماق الارض، ولم تقف جهود سلاطين التاما عند نشر تعاليم القرآن فى دارفور فحسب، وانما امتدت الى اوساط السودان، إذ لعبوا دوراً كبيراً في التعليم الديني في أم درمان، واشتهر الفكي الدومة بخلوته الشهيرة في حي الموردة، بجانب خلوة جدية بنت السلطان إبراهيم بعام التي حضرت مع والدها إلى أم درمان في أكتوبر 1888م، واشتهرت بنسخ راتب المهدي وكتابة الأحجبة المعروفة بالحراسات لحماية الأطفال وعلاجهم من العين، كما اشتهرت الشيخة جدية بتدريس القرآن والفقه، ويكشف الحجاب الذي كانت تلبسه مدى تأثر التاما بالخط المغربي، وعندما انتقلت إلى الجزيرة أسست خلوة لمزاولة نشاطها التعليمي. وعندما توفي السطان أبكر جر قطران فى عام 1785م، خلفه أخاه السلطان ابراهيم، وبعد وفاته تداول احفاده شؤون السلطنة والحكم، بدءاً بالسلطان سليمان وانتهاءً بالسلطان موسى الذى انهارت بوفاته السلطنة ونزح سكانها الى المناطق المجاورة، بسبب الحروب التى اجتاحت المنطقة. وفى عام 1914م عادت أسرتهم برئاسة الفرشة «كدو إبراهيم شاو» الذي حكم المنطقة إلى نهايات عام 1925م، وخلفه أخاه يحيى كدو إبراهيم الذى توفي فى عام 1989م، ومن ثم تولى أمر الخلافة عبد العزيز كدو الذى تفرعت المنطقة فى عهده الى عدد من العموديات، منها عمدية ام شالايا وعمودية منطقة قندرنى التي يتولى ادارتها العمدة الحكيم عز الدين يعقوب. وكانت الخلوة والضرا عند التاما بمنطقة حجر تاما بمثابة مركز للمعلومات، وهي تختلف تماماً عن قبائل دارفور، فالضرا يعتبر المجمع الذى يجتمع عنده اهل المنطقة لسماع ومعرفة اخبار البلاد الاخرى كالحروبات وغيرها. ويذكر الباحث والكاتب إسحاق برونوس أن المجلس فيه مأدبة للطعام ومحل للخياطة وخلوة لتدريس علوم القرآن وحفظه وتجويده، حيث يأتى الناس إليه من كل فج عميق لعرض مشكلاتهم وقضاياهم لايجاد الحلول لها، فضلاً عن تلقي علوم القرآن الكريم أو تعلم بعض الحرف اليدوية وبعض المشغولات مثل حياكة ونسج الحرير وتطريز الملابس من خيوط الكتكت، ومازال الضرا يزاول أعماله بالرغم من أنه لم يشهد أي تطور. وطالب برونوس أبناء المنطقة بضرورة اعطاء اولوية لهذا الضرا، والسعى لإعمار المنطقة وترميم الآثار بغرض الحفاظ عليها. ويشير اهالى المنطقة الى التعايش السلمى بالرغم من تعرض المنطقة لهزات بسبب ازمة الاقليم الا انها ظلت ثابتة ولم يغادرها اهلها لارتباطهم الوثيق بآثار اجدادهم، وللمنطقة ارثها الفني، فهنالك رقصات شعبية قديمه تعود اصولها الى قرون مضت لم تندثر لحرص الابناء الذين يتوارثون ثقافة الاجداد جيلاً بعد جيل، مثل رقصة الالكس التى يرتدي راقصها جلابية من الكتكت المنسوج بخيوط من الحرير وتدهن بالسمن وتدفن فى الأرض حتى يتماسك السمن بالخيوط فتكون أجزاؤها مشدودة حتى تساعد الراقص فى الحركة والدوران. وهى رقصة نادرة في السودان، ولا توجد عند أية مكونات سكانية أخرى من مكونات المجتمع، وناشد برونوس راقصي المنطقة توثيق هذه اللعبة بغرض الحفاظ على هذا التراث النادر من الاندثار. الجزيرة.. جفت الصقعة وتوقفت هجرات اللقيط الجزيرة: وجدي جمال خيام من الصوف ورواكيب دعاماتها الشعاب «والمروق» تتوسط مساحة «الحواشة»، أمامها أطفال بملابس مهترئة بفعل لهوهم على ارض الحقل، تجدهم في سوق الحلة التي تجاورهم صباحا ومساءً أمام هذه الخيام، ونساؤهم بالقميص الكردفاني المميز، ورجالهم يجتهدون في قطع القصب «السكب» وكثير من أعمال الفلاحة الاخرى.. مشهد اختفى من المساحة الشاسعة لمشروع الجزيرة الذي كاد يختفي هو نفسه، وبقيت هذه المشاهد مختزنة في الذاكرة الجمعية لكل مزارعي الجزيرة، ففي عقود فائتة كان تداخل مزارعي الجزيرة مع أهالي كردفان في أقصى درجاته، ودارت القصص والحكاوي في ما يسميه أهل القرية «الديوان» عن قرى كردفان، فخبروا معادن اهلها وجابوا براريها في خيال قصص تروى لهم، وحفظ اهل الجزيرة عن ظهر قلب محطات القطارات في كردفان عندما كانت السكة الحديد صاحبة فضل في التآلف والود، ولتختفي آخر ملحمة من التواصل بين منطقتين تقع إحداهما شرق النيل الابيض والأخرى غربه، وكما حكي العم مبارك مختار الذي كان دائماً ما يرسله والده لمنطقة الغبشة محطة السكة حديد المشهورة بشمال كردفان، ليتعاقد مع العمال، حيث ينزل في الغبشة في بيت العمدة المشهور بالمنطقة مكي جعفر الذي يبارك العمل، لتبدأ رحلة العودة بالقطار الى حضن الجزيرة بأسر العمال واطفالهم، مضيفاً أن كثيرين كانوا يأتون وقت الحصاد باكرا ويجهزون مناطق لينزلوا فيها دائماً ما تكون قرب القرية وقرب المزارع، مما يمنحهم سهولة الاختلاط بإنسان الجزيرة، وكثير ما ضجت «نص الحلة» وهو اسم يطلقه اهل الجزيرة على مكان تجمعهم وسوقهم، بنقاشات الأعمال الفلاحية واتفاقيات العمل، موضحاً أنهم كانوا يقيمون بينهم فترة طويلة قد تمتد حسب الموسم، فيما يقومون أيضاً بالتنقل بين قرى عديدة ويعودون الى كردفان في وداع مشهود محملين بأنواع الحبوب المختلفة وبسلع أخرى متنوعة تكفيهم لفترة طويلة حتى رحلة العودة أخرى الى الجزيرة. يقول ابن عمدة الغبشة الأستاذ محمد مكي جعفر إن منطقة الغبشة كانت معبراً مهماً بالنسبة للتواصل بين إنسان الجزيرة وإنسان كردفان، حيث يتوافد مزارعو الجزيرة على ديوان العمدة ويقيمون لفترات طويلة بين ظهرانيهم، مما أحدث كثيراً من التداخل بينهم وصل حد المصاهرة في كثير من الأحيان، مشيراً الى أن مشروع الجزيرة في ذلك العهد كان عصب الاقتصاد في البلاد ومحط أنظار لكل باحث عن فرصة عمل، وكانت محطات القطارات في كردفان تتكدس فترات الحصاد بالمشروع بأعداد مهولة متجهة الى الجزيرة ليجدوا فرص العمل التي لم تخرج في ذلك العهد عن العمل الفلاحي، حيث الاعتماد الكامل على المنتجات الزراعية آنذاك، كاشفاً عن زيارات متبادلة تصل الى حضور المناسبات في الأتراح والأفراح حتى عهد قريب فيما بينهم، وتبادل الهدايا المتمثلة غالباً في ما تجود به أرض المنطقتين من منتجات زراعية، حيث يرسلون ثمار التبلدي والقضيم وتأتيهم من الجزيرة جوالات الذرة بأنواعها. وكثير من الحكاوي تصل الى أبناء الجزيرة من الجيل الحالي، وتعود بهم قليلاً الى الوراء في فترة ازدهار مشروع الجزيرة، حين كان لكردفان وثقافتها وإنسانها وجود على أرض الجزيرة وتأثير على إنسانها، ولا تتزحزح عن مخيلة أجدادهم مساكن «الشعاب» والصوف التي تحط على أرضهم في نهايات فصل الشتاء، ولهو أطفال الزوار على جنبات ترع مشروع الجزيرة التي آنسها كثير منهم، فاستقروا ليشكلوا لوحة تداخل على امتداد أرض الجزيرة. المال و(الراندوك).. الفلوس بتضحك ليه؟ الخرطوم: عبد الوهاب جمعة المال عصب الحياة، وهو الماكينة التي تدور بها حياتنا اليومية، الكل يلهث وراء الحصول عليه.. عاملا كان او موظفا .. تاجرا ام رجل اعمال، واجمل اللحظات التي نعيشها عندما استلام المرتبات والاجور، او عندما نعقد صفقة تجارية.. عندها نحصل على المال، واكثر الادوات التي نقيس بها مدى ثروتنا او امكانياتنا هى النقود، ولأن النقود تعرف قيمتها بالتداول اليومي، فإن اللغة العامية والذاكرة الشعبية احتفت بها عبر لغة الراندوك الشائعة الصيت، «الصحافة» تلقي اضاءة خاطفة على مسميات المال والنقود والعملة في المفردات الشعبية. كانت البداية عندما قال الزبون لموظفة بيع الرصيد «رصيد كلبين» ولم افهم المعنى الا عندما اعطاها جنيهين وانصرف في زحمة المدينة، عندها عرفت ان للنقود مسميات غير تلك التي نعرفها، فالبعض يطلق على الجنيه حبة وعلى فئة الخمسة جنيهات «حمراء»، وعلى العشرة «خضراء»، وذلك بناءً على لون العملة الورقية، بينما يدلل البعض الورقة فئة الخمسين جنيها ويصفها بأنها «أضان فيل» دلالة على كبر حجم ورقة الخمسين مقارنة بباقي الفئات الورقية، ويطلق اسم المتر على مبلغ المائة جنيه، ومن الممكن زيادة الرقم ويصير مترين او ثلاثة حسب القيمة المراد التعبير عنها، أما «الأرنب» الذي يطلق على مبلغ المليون فإنه من التعبيرات الوافدة من الجارة الشمالية مصر. اما العملة المعدنية فقد باتت مضرب مثل لبعض فئات المجتمع، فالبعض يطلق عليها لقب «التعريفة» وهي فئة صغيرة من النقود وتطلق على الشخص الصغير، بينما يسمى الشخص الصغير الحجم «أبو قرشين» تلك العملة المعدنية القديمة، وأحيانا يستعمل كماسرة المواصلات العامة اسم الخمسين قرشاً للدلالة على الشخص او الراكب، فيقول الكمساري لسائق العربة: «أقيف ارفع الخمسمئة دي» ويقصد بذلك توقف السائق لرفع الراكب الذي سيدفع قيمة التذكرة خمسين قرشا بالعملة الجديدة. وفي احيان كثيرة يطلق الناس على النقود اوصافا هى في صميم المعني المتحقق للنقود، فمن المسميات لفظ «الضحاكات» التي تعني في مجملها جلب السعادة والسرور لمن يملك النقود، والبعض يطلق أسماء «الشرتيت والكنجالات» على النقود، بيد أن تلك الكلمات لا معني لها في حد ذاتها، وانما اتت كناية عن النقود. ويفضل البعض اطلاق اسم «السمينة» على الجيب الممتلئ بالنقود، وقد يطلق على أي شيء له قيمة مادية كبيرة، ومازال العاملون في المطاعم والكافتريات وبعض قطاعات الخدمات الاخرى يستخدمون اسم «شرارة» على الزبون الذي يدفع بفئة نقدية كبيرة ويترك الباقي بقشيشاً للعاملين بالموقع. أما الذين لا يمتلكون مالاً فقد نالوا ايضاً حظهم من المسميات، ويطلق اسم دولة «فلسطين» على الشخص المفلس، ومصطلح «سلفادور» يعني السلفية أو الدين لأجل، بينما تأتي «الكسرة» بمعنى منح بعض الأصدقاء والمعارف جزءاً من نقودك في سبيل الإحسان، وكأن الشخص يكسر جزءاً من رغيفة صدقةً للسائل.