لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملاحظات حول كتاب جادين: صفحات من تاريخ التيار القومي وحزب البعث في السودان
نشر في الصحافة يوم 30 - 04 - 2012

في عام 1962م على ما أذكر وكنا قد شرعنا في تكوين الجبهة العربية الاشتراكية بجامعة الخرطوم ووضع الدراسات والأسس لوضعها الفكري والسياسي، كنا مجموعة من الأصدقاء والمعارف ذوى الميول الفكرية المتقاربة نجتمع في النهار حوالى الساعة الواحدة ظهراً بعد انتهاء الدوام الدراسي في قهوة النشاط الكبري بالجامعة، وكان للجامعة عدة مقاهٍ يجتمع فيها الطلاب لشرب الشاي والقهوة والمرطبات أشهرها قهوة النشاط الكبرى بالمبني الرئيسي للجامعة، وهذه الندوة كنا نسميها «ندوة الزعيم» والزعيم لفظ لم أطلقه إلا على شخص واحد على مدار ستين عاما وحتى الآن، ألا وهو الأخ الصديق محمد بشير أحمد والمعروف إعلامياً عبد العزيز الصاوي، وهو الاسم الذي مازال يكتب في الكتب والمجلات وغيرها حتى اليوم. وهو اسم يستحقه الأخ محمد، إلا أنه يرفضه تواضعاً رغم أنني أصر على مداعبته به حتى اليوم، وأنا اعتقد أنه يستحقه بجدارة، فهو مفكر وناشط سياسي منذ أكثر من ستين عاماً، ومتمسك بقناعته بفكره القومي العربي الاشتراكي المستنير، راضياً ونشاطاً ومرابطاً في موقعه المتواضع في لندن الآن، متعه الله بالصحة والعافية ورده لنا سليماً معافى.
أذكر في أحد الأيام ونحن في ندوة «الزعيم» قد التحق ثلاثة اخوة بالجامعة حديثاً، وهم الإخوة محمد علي جادين وعبد الصادق محمد عبد الصادق وكامل مرزوق، وهم كما كنا نطلق عليهم «عرب» شمال الجزيرة. وكان الأخ جادين قد التحق بكلية الاقتصاد وهي نفس الكلية التي كان يدرس فيها الأخ محمد الذي كان في الدفعة الأولي التي دخلت كلية الاقتصاد في عام 1958م بجامعة الخرطوم. وكان الأخوان عبد الصادق وكمال مرزوق عليهما الرحمة قد التحقا بكلية القانون. واشار إلي الأخ محمد بالسعي إلى تجنيد هؤلاء الإخوة للفكر القومي لما قد توسم فيهم قابليتهم لذلك. ولقد كان ومنذ ذلك التاريخ دخل الأخ محمد علي جادين رحاب الفكر القومي الاشتراكي العربي الواسع، وكذلك الأخوان المرحومان عبد الصادق وكامل مرزوق، ولكن الأخ عبد الصادق تحول إلى مجموعته الأصلية، مجموعة الاتحاديين منذ ظهورها في الجامعة بعد أكتوبر، أما الأخ مرزوق فقد ترك العمل العام النشط وتفرغ إلى القانون والمحاماة إلى أن توفاه الله. ولقد شاركت في مراسم دفنه في مسقط رأسه في مقابر أهله بشمال الجزيرة مع أهله ومعارفه واصدقائه في الهيئة العربية للاستثمار، حيث كان يعمل مستشاراً قانونياً.
والأخ جادين شارك معنا في وضع الأسس الفكرية والتنظيمية للجبهة العربية الاشتراكية التي كانت تقوم على فكر «الخط العربي التقدمي العام» وهو خط يقوم على أساس الأخذ بالإيجابيات في تجربة الفكر والعمل الناصري في مصر وتجربة حزب البعث في الشام آنذاك والجبهة العربية الثورية في عدن وجبهة التحرير في الجزائر وحركة القوى الشعبية الاشتراكية في المغرب، مع التركيز على الواقع السوداني. وأذكر أننا قد أعددنا دراسات مطولة عن الواقع والتاريخ السوداني منذ مملكة الفونج والمهدية وحركة «24»، ومؤتمر الخريجين. ولقد كانت الجبهة العربية تتكون من البعثيين الذين يخفون تنظيمهم الخاص ويعملون في الإطار العام والناصريين والقوميين المستقلين، ولكن الجميع كان يعمل في تناسق. ولم أنتم لأي من هذه التيارات رغم إنني كنت الزعيم السياسي للمجموعة وأول أمين عام للاشتراكيين العرب في عام 1965م عندما اندمجت مجموعة جامعة الخرطوم ومجموعة جامعة القاهرة الفرع التي نشأت في ظروف مختلفة وكانت بزعامة المرحوم بدر الدين مدثر الذي كان وثيق الصلة بنا في جامعة الخرطوم، وقد كان البعثيون أصدقائي ومزالوا، وفي مقدمتهم محمد بشير وبدر الدين وجادين، وأشاركهم في العمل العام والخاص وكل في موقعه، ولقد كان هذا الموقف مقبولاً بل ومطلوباً من الجانبين في ذلك الحين.
وفي سنة 1971م ونحن في المعتقل في كوبر مع الإخوة بدر الدين ومحمد بشير وآخرين مع الإخوة الشيوعيين والديمقراطيين بعد فشل انقلاب المرحوم هاشم العطا. وكان المرحوم نميري يهددنا علنا في المذياع، بدر الدين ، شوقي ملاسي وشخصي زعماء البعث، ووصلتنا رسالة سرية من الأخ محمد علي جادين بأن الظروف قد حتمت حل حزب الاشتراكيين العرب بحكم أنه حزب لا يصبح في هذه الظروف الاستبدادية، وإنشاء حزب «البعث»، وطلب منا الأخ جادين في حالة خروجنا الأخ بدر الدين وشخصي الابتعاد عن أي عمل تنظيمي أو له صلة بذلك، وذلك لحين إخطار آخر، وذلك لحماية الحزب الوليد من مطاردة أجهزة الأمن، وكان ذلك أول إعلان رسمي لتكوين حزب البعث العربي الاشتراكي في السودان. وفي نفس الوقت كان معنا في المعتقل اثنان من الشباب البعثيين هم الأخوان محمد شيخون وبكري خليل اللذان درسا في العراق بعد ذلك، وشاركا في العمل الحزبي ونالا أرفع الدرجات العلمية. ورغم أنهما كانا شابين وهذه تجربتهما الأولي في المعتقل إلا أنهما كانا مثالاً للشجاعة والروح المعنوية العالية، ولم تؤثر فيهما الأحداث في ذلك الوقت، وكانا وثيقي الصلة بنا، وبالذات الأخ المرحوم بدر الدين الذي كان على صلة بهم من قبل.
وقصدت من إيراد بعض الملامح الشخصية أن ألقي الضوء على نشأة التيار العربي القومي في السودان، ومن ضمنه حزب البعث وقادته التاريخيون، وهو حزب وجبهة نشأت في ظروف نضالية، وبالذات في بداية عمله في العمل مع التيارات الأخري ضد الحكم العسكري الأول حكم المرحوم الرئيس عبود، ثم الصراعات في العهد الديمقراطي، وثم حكم جعفر نميرى، ولقد شارك منذ البداية في العمل السياسي والنضالي السوداني. وهو تيار واسع خاصة أن نشأته كانت في جامعة الخرطوم.
وقد أهداني الأخ جادين وبحكم العلاقة نسخة من مسودة كتابه «ملامح من تاريخ حركة التيار القومي وحزب البعث في السودان»، وذلك قبل طبعه بصفة نهائية منذ أكثر من عام وطلب مني التعليق عليه، ولقد قمت بالإطلاع على المسودة بعد حين وذلك لزحمة الحياة والكسل العام، فقمت بالتعليق عليها شفاهة، ولكن الأخ جادين الذي رحب بملاحظتي أخبرني أن المسودة الآن في طريقها للطبع بالقاهرة، وأنه سوف يأخذ ملاحظتي عند الطبعة الثانية.
وألخص ملاحظتي في أن الأخ جادين قد انغمس في تفاصيل الصراع الذي دار في حزب البعث في السودان، وهذا وضع طبيعي لأنه كان جزءاً من ذلك الصراع ومن قادته، وقاده ذلك إلى عدم الاهتمام بتجربة الاشتراكيين العرب بما فيها الجبهة العربية الاشتراكية بجامعة الخرطوم التي استمرت حتى سنة 1971م عند قيام حزب البعث مستقلاً كما ذكرت من قبل، وربما يؤدي هذا إلى خلط عظيم في أذهان الجميع بين الاشتراكيين العرب والبعثيين، رغم أن البعثيين هم جزء من كل في تجربة الاشتراكيين العرب، ورغم أن البعثيين كانوا النواة الصلبة في هذه التجربة، إلا أن الآخرين ولقد كنت أحدهم والأمين العام للاشتراكيين العرب كانت لهم مساهماتهم المقدرة وإسهاماتهم في العمل الوطني والقومي.
فالاشتراكيون العرب وبالذات الجبهة العربية الاشتراكية في جامعة الخرطوم في بداية الستينيات وفي عهد الرئيس عبود، كانت لهم مساهمات مقدرة في اتحاد الطلاب والمجلس الأربعيني واللجنة التنفيذية للاتحاد، وقد كان الأخ جادين والأخ محمد من الرموز في ذلك، وبصفتهم اشتراكيين عرب فقد شاركوا في العمل الثقافي القومي لجمعية الثقافة العربية التي أنشأت في الجامعة، والندوات وبالذات ندوة الجنوب التي ادت تداعياتها والاعتداء عليها لثورة أكتوبر، وكان متصدر ومعد هذه الندوات هو الأخ الاشتراكي العربي المرحوم عبد الله عبد الرحمن (Invisible) وهو من كوادر البعثيين، وكان ممثل الجبهة العربية في ندوة أكتوبر الشهيرة الأخ المرحوم مولانا مقبول حاج محمد، العضو التنفيذي للاتحاد ومن المتحدثين في الندوة. وعند تخرجنا في الجامعة في سنة 1965م وقيام تجمع الاشتراكيين العرب الحزب الموحد الذي كان يضم الجميع، كان إسهام حركة الاشتراكيين أساسياً في العمل السياسي وخاصة في العمل المعارض، ولقد كانوا أحد الأركان الأساسية في التجمع الوطني للدفاع عن الديمقراطية الذي تكون لمناهضة حل الحزب الشيوعي السوداني والدفاع عن الديمقراطية عموماً، وكنت ممثل الاشتراكيين في التجمع وعضواً في أمانته العامة رغم إنني لم أكن عضواً في حزب البعث الذي لم يعلن عنه بعد، وقمت بإرسال برقية مشهورة ضد حل الحزب الشيوعي باسم الاشتراكيين العرب كانت العنوان الرئيسي في جريدة الميدان، العدد الأخير قبل احتجابها القهري. كما أنني وبصفتي مسؤول الاشتراكيين العرب كنت مع المرحوم الشيخ علي عبد الرحمن والمرحوم بابكر كرار في قيادة تجمع الدفاع عن الوطن العربي الذي تكون إثر اغتيال المهدي بن بركة في المغرب. وكان الأخ المرحوم بدر الدين وشخصي وبصفتنا ممثلين للاشتراكيين العرب من مؤسسي جبهة نصرة الشعب الفلسطيني، وعملنا مع الأخ أبو نضال عندما كان ممثلاً لحركة فتح في الخرطوم وذلك في نهاية الستينيات لنصرة الشعب الفلسطيني وكفاحه المسلح.
وكذلك الوضع في نقابة المحامين حيث دخلنا أنا والأخ بدر الدين نقابة المحامين في سنة 1968م قبل قيام انقلاب مايو ممثلين للاشتراكيين، وظللت لسنين طويلة عضواً في نقابة المحامين ممثلا للاشتراكيين العرب طوال العهد المايوي. وبعد سفر الأخ بدر الدين للعراق تحملت السجون والمعتقلات مرات عدة باسم البعث الذي لم أكن عضواً فيه والاشتراكيين العرب ونقابة المحامين. وبعد الانتفاضة دخل معي الصديق المرحوم الصادق الشامي، وكنت أنا السكرتير العام للنقابة لدورتين حتى حل النقابة في بداية انقلاب الإنقاذ. ولم يكن العمل في نقابة المحامين باسم حزب البعث وإنما باسم الاشتراكيين العرب عموماً، وكونا في نقابة المحامين ما يسمى بتجمع المحامين الديمقراطيين الذي كان يضم البعثيين والناصريين والقوميين والمستقلين وكنت رئيسه. وهو التجمع الذي وقف معي عندما اختلفت مع قيادة حزب البعث التي أصرت على إبعادي من مجلس نقابة المحامين، ولكن التجمع الديمقراطي اصر على استمراري مع الإخوة الديمقراطيين والشيوعيين وغيرهم، ولم أرجع إلى مجلس النقابة فقط وإنما صرت سكرتيراً عاماً له. ولكن تلك قصة أخرى، ولكنني أشير إليها الآن فقط لتوضيح المسار والتقاطع بين حزب البعث والحركة القومية الاشتراكية عموماً.
وكنا بوصفنا اشتراكيين عرباً وقبل انقلاب مايو، نتابع العلم السياسي والقومي بدقة، وأذكر أنه عندما بدأت إرهاصات انقلاب مايو، وكتب الأستاذ منصور خالد مقاله الشهير «حين أكل الثور الأبيض»، ثم كتب بعد ذلك المرحوم أحمد سليمان مقالته المشهورة في التمهيد لانقلاب عسكري، وأذكر أنني قمت بالرد عليه باسم الاشتراكيين العرب، ونشر الرد في جريدة «الأيام» أو «الرأي العام» لا أدري لتقادم الزمن، ونبهنا إلى خطورة الانقضاض على الديمقراطية تحت أي مسمى أو ذرائع ، وللأسف فقد كانت هذه البداية.
وتطرق الأخ جادين للجنة السياسية لحزب البعث، ولكنه لم يوضح الأساس الذي قامت عليه هذه اللجنة واعمالها وما انتهت إليه. ولما كانت هذه الجزئية مهمة في تاريخ الحزب وتهمني شخصياً بحكم أنني كنت رئيساً لهذه اللجنة ومنشآتها، وهي المرة الأولى التي التحقت فيها بالحزب في بغداد في النصف الثاني من السبعينيات وبطلب وبإلحاح من الأخ المرحوم بدر الدين لغرض معين وهو تطوير العمل السياسي وعلاقة الحزب مع أحزاب المعارضة الأخرى. وقد وافقت على ذلك ولكن بشروط قبلها الأخ المرحوم بدر الدين والقيادة القومية آنذاك. وتكونت هذه اللجنة برئاستي وعضوية أعضاء من البعثيين والاشتراكيين العرب الذين لهم صلات مع المنظمات الجماهرية والنقابات والأحزاب، أبرزهم كان المرحوم الأخ الصادق الشامي والمرحوم محمد إبراهيم محمد خير الذي كان سكرتير اتحاد الاقتصاديين بوزارة المالية سابقاً، والأخ يوسف همت وآخرين، وكان مقررها وصلة الوصل بينها وبين حزب البعث مسؤول القيادة القطرية في السودان، وكان في وقتها الأخ جادين ثم خلفه الأخ علي الريح. ولقد عملت هذه اللجنة لمدة عدة سنوات في الاتصال باحزاب المعارضة لنظام نميري آنذاك، وفي المناقشة وتقديم المقترحات لقيادة الحزب ورغم أن رأيها كان استشارياً ولكن قيادة الحزب كانت تأخذ به في الغالب. إلي أن حدث الخلاف بيني وبين قيادة الحزب إثر اقتراح بعمل معين جاء من القيادة القومية في بغداد بالتنسيق مع المرحوم المناضل الشريف الهندي، رفضته لأنه يخالف الأسس التي دخلت الحزب بموجبها في بغداد، مما أدى إلى خلاف حاد بيني وبين قيادة الحزب انتهى إلى ابتعادي واتخاذي موقفاً قومياً مستقلاً، وبالتالي حل هذه اللجنة خصوصاً بعد الانتفاضة وخروج الحزب إلى العلن وعودة البعث بقيادة المرحوم بدر الدين مدثر من بغداد. وتلك قصة طويلة ولا أود أن أخوض فيها الآن، ولكن ما دفعني إلى ذلك أن الأخ جادين لم يفي الأمر حقه رغم معرفته بتفاصيله، وربما كان معذوراً، كما ذكر لي أنه كان في هذه الفترة رهن الاعتقال. ولكن في تقديري أن هذه فترة مهمة من تاريخ حزب البعث يجب أن تنال حقها من الدراسة.
الأخ جادين مناضل متجرد، بل هو وعلى مثال أستاذه محمد بشير «عبد العزيز الصاوي» رجل دفع شبابه وعمره فداءً لما آمن به من فكر البعث والعمل القومي عموماً. ولقد فصل من وزارة المالية والاقتصاد كما فصل استاذه محمد من وزارة الخارجية، وعاش في السجون والمعتقلات وشظف العيش وصار راهباً مثل استاذه في صومعة الفكر القومي الاشتراكي.
والأخ جادين رغم أنه عمل في العمل السياسي منذ شبابه الباكر وكان عضواً في المجلس الأربعيني في جامعة الخرطوم في النصف الأول من القرن الماضي، والآن هو رئيس حزب البعث السوداني، إلا أنه رجل زاهد ولا يحب الأضواء، ويترك دائماً مكانه لمساعديه من الكهول وأبرزهم الأخ الصديق المناضل الأستاذ يحيى الحسين.
إنني أعتقد أن تجربة وتاريخ العمل القومي للاشتراكيين العرب وحزب البعث تجربة ثرة وغنية، ومن الظلم حصرها في خلافات الأجنحة المتعددة في الحزب، فهي أكبر من ذلك بكثير، رغم أنني أجد العذر للأخ جادين بحكم أنه كان جزءاً من هذا الخلاف والصراع، وظلم فيه كما أعتقد. وأرجو ألا أكون مخطئاً ولكن كانت هذه تجربة مرة ذقناها جميعاً، ولونت كتاباتنا دون قصد بالدفاع عن الذات، والتجربة المرة ليست لفظاً أو اختراعاً من عندي، بل هو عنوان كتاب أصدره الأستاذ الدكتور منيف الرذاذ الأمين العام لحزب البعث القومي الذي خلف الأستاذ/ ميشال عفلق في الأمانة لمدة من الزمن، وهو انعكاس للصراع والمكايدات في قيادة الحزب في تلك الفترة التي عاناها الأستاذ منيف الرذاذ.
وأخيراً أقول إن من واجب الجميع أن يكتبوا كما يفعل الأخ محمد بشير «عبد العزيز الصاوي» وجادين، ومحاولتي المتواضعة في مذكرة مختصرة، عن تجربة اتحاد جامعة الخرطوم، الفترة من 1959 إلى 1964م، ومحاولتي الآن بتشجيع مباشر من الأخ الصاوي وجادين، وبدأت فعلاً في كتابة مشاوير حياتي وتجربتي السياسية والنقابية، وأرجو أن أوفق في ذلك قبل أن يدركنا اليقين.
سلامي وتحياتي للأخ جادين وكتابه الرائع، وما ذكرناه من مراجعات القصد منه المزيد من التجويد، وهو كتاب أعتقد بحق أنه الأساس في دراسة تاريخ التيار القومي وحزب البعث في السودان، وهو الأساس الذي أرجو أن ينطلق منه الجميع، خصوصاً أن تاريخ الفكر والعمل الاشتراكي القومي العربي في السودان يحتاج إلى فريق من البحث والكتابة. والله الموفق.
*خبير قانوني وناشط وكاتب سياسي قومي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.