بدأت علاقتي بالأخ/ المرحوم/ الصادق في بداية النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي، اي منذ حوالي الستين عاما. وكان قد التحق بمدرسة وادي سيدنا الثانوية في منتصف سنة 1956م ، وكنت قد سبقته اليها بعام. كان عام 1956م هو عام حرب السويس وانتصار عبدالناصر ومصر على العدوان الثلاثي، وكانت المشاعر العربية من الخليج الى المحيط في ذروة الشعور بالنشوة والانتصار. وانني لأذكر اننا في مدرسة وادي سيدنا الثانوية ولم يكن في السودان وقتها سوى ثلاث مدارس ثانوية حكومية اولها وادي سيدنا ثم حنتوب وطقت، كنا قد سيرنا مظاهرة وسرنا على الاقدام من المدرسة الى السفارة المصرية بالخرطوم ابتهاجا بالانتصار، قطعنا فيها عشرات الكيلومترات. كما اننا كنا حديثي العهد بالاستقلال ونعيش في بداية التجربة الديمقراطية والعلاقة الخاصة بمصر . كل ذلك دفع الاخ/ الصادق وشخصي وآخرين الى التعلق بتيار القومية العربية والاشتراكية خاصة وكان قد سبقنا الى وادي سيدنا ابن عم الاخ/ الصادق، سيد احمد الحردلو الشاعر والاديب المعروف الذي كان رائدا في هذا المجال خصوصا ان تيار العروبة والناصرية كان التيار الرائد آنذاك، كان هنالك تيار البعث العربي الاشتراكي في منطقة الشام الذي كان في حالة تصالح مع التيار الناصري آنذاك، لم يكن الامر بالنسبة لي والاخ الصادق وآخرين سوى تيار عام آنذاك. التحقت بكلية الحقوق بجامعة الخرطوم في عام 1959م، قبل عام من دخول الصادق لها، وانخرطت في العمل العام المنظم في العمل الاربعيني والمستقلين مع الاخوة الدكتور/ حسن عابدين وآخرين. ولقد كان هنالك مجموعة ذات نفس بعثي يقودها الاخ محمد بشير احمد (يكتب في الصحف حتى الآن باسم - عبدالعزيز الصاوي، أدام الله عليه الصحة والعافية ورد غربته). عند دخول الاخ/ الصادق الجامعة في منتصف سنة 1960م، بدأنا مع مجموعة الاخ محمد بشير وآخرين توسيع وتنشيط العمل العربي التقدمي، واذكر اننا ابتدعنا ما يسمى بالخط العربي التقدمي العام والذي كان يعني ان نأخذ الجوانب الايجابية في التجربة الناصرية وحزب البعث في المشرق وتجربة جبهة التحرير الجزائري والقوى الاشتراكية في المغرب، والتجربة في عدن ، على ان يكون الاساس الواقع السوداني. بدأت خلية مكونة من الاخ/ محمد بشير (عبدالعزيز الصاوي) والمرحوم / محجوب الشيخ البشير، والمرحوم / عبدالله محمد عبدالرحمن / (INVISIBLE) والدكتور / تاج الدين ميرغني والصادق وشخصي وآخرين في وضع الدراسات والتحليلات لتاريخ السودان منذ السلطنة الزرقاء وحتى مؤتمر الخريجين مع دراسة ادب البعث والتجربة الناصرية. واذكر ان الاجتماعات كانت تتم في داخلية بحر العرب بجامعة الخرطوم التي كنت اسكن فيها. وانضم لنا الاخ المرحوم / بدر الدين مدثر من جامعة القاهرة الفرع، والاخ المرحوم/ ابوالقاسم حاج حمد ولقد كان طالبا بالثانوي آنذاك وذي علاقة وثيقة بالثورة الارترية. كان الاخ/ الصادق وشخصي المسؤولين عن الاتصال التنظيمي بالمنظمات الطلابية في الثانويات، وانني لا أزال اذكر منظرنا الاثنين ونحن نركب على شوالات البصل في العربات الذاهبة الى السروراب من ام درمان للنزول في ميادين مدرسة وادي سيدنا الثانوية وذلك لمقابلة مجموعات الطلاب الاشتراكيين العرب، وكذلك زيارتنا الى ميادين الخرطوم الثانوية والتجارة الثانوية وذلك لمقابلة وتنظيم وتنشيط هذه المجموعات... باشرنا العمل والاخ الصادق وشخصي والمجموعة التي اشرت اليها ولقد انضم اليها فيما بعد مجموعات اخرى على رأسهم الاخ محمد علي جادين، لقد كان تنظيمنا خليطا من الناصريين والبعثيين والقوميين العرب تحت مظلة الخط العربي العام وباسم الجبهة العربية الاشتراكية فيما بعد. لم نشترك، الاخ الصادق وشخصي في اول انتخابات للاتحاد باسم الجبهة العربية الاشتراكية، حيث كنت لا أزال عضوا قياديا في المؤتمر الديمقراطي الاشتراكي الذي كان تنظيما عريضا للوسط اشتركت في تأسيسه مع آخرين. في الدورة التالية ترشح الاخ/ صادق وشخصي وآخرون بعد انتقالي من المؤتمر وانضمامي رسميا الى الجبهة العربية الاشتراكية. وكانت انتخابات الجامعة تجري على اساس القائمة النسبية ولقد دخل الاخ الصادق وشخصي ومحمد على جادين كممثلين ثلاثة منتخبين في المجلس الاربعيني في تلك الدورة، وعلى ما اذكر انها كانت دورة سنة 1963م، وكنت عضوا في دورات سابقة باسم المستقلين والمؤتمر ونائب رئيس اللجنة التنفيذية. كان الاخ الصادق ذو شخصية قوية ومحبوباً من الجميع، وله نشاط بارز في جميع المجالات، واذكر انه كان حريصا على وحدة الجبهة العربية الاشتراكية وحاسما في الوقوف ضد الانقسامات والتشرذم والتشتت. في 1962م انشأنا جمعية الثقافة العربية، وكان الاخ/ الصادق من اعضائها البارزين، واذكر اننا قمنا برحلة الى جمهورية مصر العربية وكانت اول رحلة لي وللاخ الصادق للخارج. وكنا مجموعة معنا الاخ محمد بشير وآخرون، ومن الجانب النسائي كانت الاخت المرحومة البروفسيرة بدور أبو عفان التي كانت عضوا نشطا في مجموعتنا. اذكر في القاهرة قد قابلنا الاخ الحردلو الذي كان طالبا في جامعة القاهرة آنذاك، وكان هو المرشد والمرافق الدائم لنا. وكانت القاهرة آنذاك في قمة النشاط العربي الاشتراكي بها مجموعات من الطلاب الاشتراكيين العرب والبعثيين والقوميين من الفلسطينيين والعراقيين والسوريين ومن منطقة الشام عموما، ومن الصوماليين والارتريين والمغاربة. كانت القاهرة خلية نشاط لها دوي ، واذكر ان الاخ محمد بشير (الصاوي) والحردلو كان لهما صلة بهذه المجموعات.. من الطرائف التي اذكرها في هذه الفترة عن المرحوم، اننا قد كنا يوما مساءا في حديقة الازبكية في قلب القاهرة وحضر احد المصورين وبعد إلحاح منه كالعادة تم تصويرنا، ثم اعطانا الصور لنقوم بتحميضها. وعندما قمنا بالتحميض اكتشفنا انها فارغة..!! وكطريقة الاخ الصادق الذي لا يحب ان يستغفله انسان، اصر ان نذهب الى نفس المكان في اليوم الثاني لانتظار حضور المصور وعندما حضر نفس المصور امسك الاخ الصادق به واستخرج منه قروشنا كاملة. لقد كان رحمة الله عليه دقيقا في كل شئ ، لا يتعدى على احد ولا يسمح لأحد بالاعتداء عليه.. هنالك رحلة اخرى ذهبنا فيها سويا مع المرحوم وهي رحلة داخل السودان لجمعية القانون بجامعة الخرطوم، والتي كنت رئيسها. ولقد درجت جمعية القانون للذهاب الى مديرية من مديريات السودان لدراسة القانون المدني وزيارة المحاكم والادارات الاهلية من ناظر وعمد ومشائخ. ولقد كانت جامعة الخرطوم آنذاك في قمة مجدها.. كان يكفي ان يتصل عميد الكلية وهو الاستاذ/ ترنبوب انجليزي الجنسية ويهودي الديانة ويقال ان له ميول صهيونية، وكان صاحب سلطة ونفوذ ولي معه صولات وجولات كلفتني الكثير، ليس المجال الآن لذكرها، ان يتصل رئيس القضاء مولانا ابورنات آنذاك الذي يتصل بدوره بقاضي المديرية لتقف المديرية كلها على قدم وساق في انتظار طلاب حقوق جامعة الخرطوم. كانت رحلتنا في ذلك العام الى المديرية الشمالية وانني لا اذكر العام بالضبط هل عام 62 ام 63 ، كان معنا الاخ الصادق والاخ محمد مكي ابراهيم الاديب والشاعر، والمرحوم مولانا/ مقبول حاج محمد ممثل الاشتراكيين العرب في ندوة ثورة اكتوبر الشهيرة، وقاضي المحكمة العليا سابقا، ومولانا / محمد بشير جعفر الهادي، قاضي المحكمة العليا سابقا وآخرون. ولقد بدأنا في المديرية الشمالية كما كانت مديرية واحدة من بدايتها حيث اكرمنا المرحوم الشيخ/ طيفور محمد شريف بالعلياب مركز شندي، مرورا بعطبرة والدامر ثم الدبة، حيث بالغ في اكرامنا المرحوم العمدة/ سعيد ميرغني ، واخذني بعربته لزيارة الاهل في ريف الدبة وجزيرة تنقسي.. ثم زرنا مروي، حيث اقام المرحوم / سيد احمد شامي المشهور (بالقوس) والد الاخ الصادق وسر تجار تنقاسي السوق آنذاك، دعوة عشاء جامعة ضمن جميع وجهاء تنقاسي ومروي ونوري ترحيبا بالوفد، واذكر انني القيت فيها كلمة نيابة عن الوفد. وقبل ان اختم ما تيسر لي من ذكريات مشتركة مع المرحوم/ في جامعة الخرطوم اذكر انه وبعد نجاح ثورة اكتوبر عام 1964م، وبعد قيام الثورة بقليل ولقد كنا والمرحوم في السنة النهائية بكلية الحقوق طلب مولانا المرحوم / الشيخ علي عبدالرحمن رئيس حزب الشعب الديمقراطي آنذاك ان يؤذن له بقيام ندوة في دار الاتحاد بالجامعة . وكان شيخ علي عبدالرحمن ومعه جماعته محسوبين على نظام الفريق الراحل عبود، وبالتالي لم يكن مرحبا به في الجامعة، ولقد حذرنا الاخوة الديمقراطيون (الشيوعيون) ان الاتجاه الاسلامي الذي لم يكن مرحبا بالندوة قد يقوم بالاعتداء على شيخ علي وتفريق الندوة، ولكن الاخ الصادق وأنا وآخرين في قيادة الجبهة العربية الاشتراكية قمنا بالاصرار ان تتاح الفرصة لشيخ على اسوة بالآخرين، واذكر ان الصادق قد ذكر انه سوف يقود فرقة من الشباب في مقدمة المنصة لحماية الشيخ علي عبدالرحمن ولقد فعل ذلك. ولكن ولحسن الحظ لم يحدث شئ ، فقد كانت النفوس طيبة وكانت العلاقات بين جميع الجهات آنذاك يمينا ويسارا جيدة ومترابطة وذات تقاليد راسخة. ولم تعرف جامعة الخرطوم العنف الطلابي الا بعد ذلك بسنين. تخرجنا في الجامعة انا والاخ الصادق سويا في ابريل عام 1965م، ولقد كلفني العمل السياسي التأخر لمدة عام رغم انني كنت اول دفعتي عند دخولي الجامعة في يوليو عام 1959م، فلقد اصر المستر تربنوب عميد الكلية آنذاك وكانت لي معه مشاحنات معروفة على فصلي لتفرغي للعمل السياسي وعدم حضوري للمحاضرات رغم انني كنت ناجحا في الامتحان التحريري. وبعد جدل في مجلس الاساتذة وتدخلات خارجية تم حل الامر باعادة العام، وكنت ودفعتنا قد فقدنا عاماً عندما قررت ادارة الكلية في العام الثاني بعد نجاحنا زيادة مدة الدراسة من اربع سنوات الى خمس سنوات. على كل تخرجنا بعد ثورة اكتوبر مباشرة وكان طلاب جامعة الخرطوم مستثنيين من امتحان المعادلة ورغم ذلك اصر مولانا بابكر عوض الله رئيس القضاء آنذاك ان يجلس الجميع للامتحان للدخول للهيئة القضائية، ورفضت جميع الدفعة الجلوس لهذا الامتحان واتصلنا باساتذنا آنذاك البروفسير/ محمد ابراهيم خليل الذي كان وزيرا للخارجية وكانت النتيجة ان عينت جميع الدفعة في النائب العام ووزارة الخارجية بقرار من مجلس الوزراء ودون تقديم. استقلت من النائب العام في اول اجتماع للقبول والتحقت بالعمل بالمحاماة، ولكن الاخ الصادق وآخرين فضلوا الاستمرار في النائب العام. ولكن الصادق لم يستمر طويلا لأنه كان يريد الالتحاق بالهيئة القضائية وكانت هذه رغبته ورغبة والده كذلك، واذكر ان والده كان يرسل له الخطاب بعنوان (ابني الصادق، القاضي بالنائب العام). التحق الاخ الصادق بالهيئة القضائية في اول فرصة ولقد كان قاضيا مميزا، عمل في الخرطوم واقاليم السودان المختلفة شماله وجنوبه. ولم تنقطع صلتي بالاخ ا لصادق رغم انشغالي بالعمل السياسي فلقد كنت اول امين عام لتنظيم الاشتراكيين العرب عند تكوينه في سنة 1965م، كما دخلت مجلس نقابة المحامين في سنة 1968م، وظللت فيه حتى قيام الانتفاضة في سنة 1985م، وقد سجنت في سجن كوبر بعد انقلاب هاشم العطا لمدة عام كامل ولمرات عديدة اخرى. وكان الاخ الصادق رغم ان العمل القضائي قد ارغمه على الابتعاد عن العمل السياسي المباشر في تلك الفترة ذا صلة مباشرة معي ومع الاخوة من اعضاء تنظيم الاشتراكيين العرب، وعند اعتقالي كان من اوائل من قدم لتفقد احوالي والمتابعة مع اسرتي الصغيرة.. كان الاخ الدكتور/ يوسف ميخائيل بخيت رد الله غربته، اخاً وصديقاً لنا الاثنين ودفعة واحدة قد استمر في العمل في النائب العام وابعث للخارج لنيل الدكتوراة. وعند رجوعه من انجلترا اختاره البروفسير/ زكي مصطفى الذي كان استاذا لنا في الجامعة، ووزير العدل والنائب العام ومستشارا لرئيس الجمهورية (نميري) آنذاك مساعدا قانونيا له في القصر وعندما قرر الاستاذ/ زكي مصطفى، عليه الرحمة، التنحي من الوظيفة والذهاب الى السعودية، استشاره الرئيس نميري في من يخلفه في وزارة العدل فاقترح عليه الدكتور/ زكي الدكتور/ يوسف ميخائيل. ووافق الرئيس نميري على ذلك، ولكن ارجأ اعلان القرار لحين المغادرة النهائية للمرحوم/ زكي مصطفى. كان الدكتور/ يوسف ميخائيل وثيق الصلة بي ولا يزال، واذكر انه قد حضر الى مكتبي كالعادة ووضعني في الصورة وتشاور معي عن فريق العمل من الاخوان والاصدقاء الذين يمكن ان يتعاون معه، ولقد اقتنعنا نحن الاثنين ان خير من يشغل وظيفة المدعي العام هو الاخ/ الصادق، وكان الصادق آنذاك يشغل قاضي جنايات بالخرطوم، وفعلا ذهب الاخ يوسف له وتشاور معه ووافق الاخ/ الصادق على ذلك، ولقد ادت بعض التدخلات السياسية، ان يصبح الاخ/ يوسف وكيلا بناءا على طلبه، وعين الاخ/ الصادق مدعيا عاما.. لقد شاء القدر ان تقع احداث الغزو الذي قادته الجبهة الوطنية بقيادة الشريف حسين والصادق المهدي والاخوان المسلمين في نفس الفترة. وكانت هنالك صدامات واعتقالات، وكان نتيجة لذلك ان كونت لجنة في النائب العام لتقييم البينات بالنسبة للمتهمين آنذاك برئاسة الاخ الصادق بصفته المدعي العام وكالعادة كان الاخ الصادق امينا وصادقا مع نفسه ومع الآخرين ولا يقبل في الحق لومة لائم. فجاء تقرير اللجنة دقيقا وعادلا بالنسبة الى الجميع وصنف المتهمين الى عدة درجات وتحت مواد مختلفة حسب البيانات المتوفرة لديهم وبحكم القانون. وصادق على ذلك الوكيل والوزير، ولكن حدثت بعض التدخلات مطالبة بتغيير التقرير، فاصر الاخ الصادق على قراره وتضامن معه الاخ يوسف وتحمل المسئولية بحكم انه الوكيل، الا ان الاخ الصادق اصر على تحمل المسؤولية معا وتقدم الاثنان باستقالتهما من النائب العام واصرا على ذلك، وقبل الرئيس نميري بعد ذلك. وانني اذكر كنا في نادي الخرطوم وكنا نرتاده جميعا في المساء، ان اعلن خبر قبول الاستقالة، وفي الحال عرضت على الاخ يوسف والصادق القدوم والعمل سويا معي في مكتبي للمحاماة بعمارة اولاد مراد بالخرطوم آنذاك. ولقد قبلا مشكورين ذلك وشاركتهم في جميع ما كان متاحا لي. ولكن وبعد مدة قصيرة قام الرئيس نميري بتعيين الاخ الدكتور/ يوسف ميخائيل في القصر مستشارا قانونيا بدرجة وزير. ولكن الأخ الصادق قد ظل معي نعمل كشركاء واخوة في مكتبي لمدة خمس سنوات متواصلة الى ان استغل بمكتبه الخاص فيما بعد، ولكن رغم ذلك استمرت علاقات الخوة والتعاون والعمل بيننا متواصلة الى حين وفاته المفاجئة. كان مكتبنا آنذاك في عمارة اولاد مراد سابقا محلا للقاء جميع الاصدقاء والاهل والرفاق الحزبيين ، بل كان هو الواجهة للقاء الحزبيين وخاصة العسكريين منهم. وكنت انا مشغولا بالعمل النقابي والسياسي والحزبي الداخلي والخارجي. ولقد عمل الاخ الصادق بعد دخوله المحاماة في مواصلة العمل العام، وكنا نوزع الادوار فيما بيننا . ولقد كانت له مهام بالغة الحساسية والدقة والسرية ليست مجالا للنشر رغم مضي عشرات السنين. وكان مكتبنا في المساء محل تجمعنا وننطلق الى نادي الخرطوم وغيره. كانت ايام جميلة جمعت ا لود والوفاء والشباب. كانت العلاقات حميمة ودافئة وصادقة تجمع بين الجد والمرح، وكانت الايام زاهية والآمال عريضة.. وفي النصف الاخير من السبعينيات اتصل بي الاخ الصادق المرحوم/ بدر الدين مدثر، عضو القيادة القومية لحزب البعث في العراق للحضور للعراق انا وافراد عائلتي الصغيرة. ولقد احيطت الرحلة بسرية كاملة وعوملت معاملة كريمة على مستوى عضو قيادة قومية. وفي العراق تم التشاور معي على ان انضم الى حزب البعث تنظيما ، الذي لم اكن عضوا فيه رغم انني من مؤسسي التيار القومي منذالستينيات واول أمين عام للاشتراكيين العرب، وكان الهدف من ذلك تكوين قيادة استشارية الى فرع الحزب بالسودان تكون مسؤولة عن الاتصال بالاحزاب والنقابات القائمة آنذاك، بحكم صلتي الوثيقة بها تقدم النصح والمشورة لقيادة الحزب بالسودان، اتولى رئاستها واقتراح اعضائها ويتولى امين فرع القيادة بالسودان امانتها ولقد قبلت ذلك بشروط محددة اهمها اصراري على رفض اي استلام للسلطة بغير طريق التداول السلمي للسلطة...!! ولقد وافق الاخوان في القيادة القومية على ذلك وبالتالي وافقت على تولي المسؤولية، ولقد تم تكوين المكتب الاستشاري كما كان يعرف من البعثيين والاشتراكيين العرب الذين لهم صفة وصلة بالعمل العام بالسودان، وكان الاخ الصادق من ابرزهم، وكنا نتولى العمل والاتصال بقادة الاحزاب والنقابات والمعارضة لسنين عدة ، وكان للاخ الصادق دور بارز في ذلك وبالذات الاتصال بالجهات النظامية الحساسة. في بداية الثمانينيات وقبل وفاة المرحوم/ الشريف حسين الهندي، والذي كان يقود المعارضة في الخارج وكان ينسق مع قيادة حزب البعث القومي في بغداد. لقد اتصل بي مسؤول القيادة في السودان حاملا اقتراحا معينا للتحرك بالتاشور معي والاخ الصادق، ولقد رفضت المقترح لتعارضه لما وضعه من اسس للتعاون في بغداد. ولقد ذكر المرحوم الاخ الصادق، ان مسؤول القيادة قد عرض عليه المقترح وسأله الاخ الصادق عن رأيي في الموضوع وعندما اخبره برفضي المبدئي للموضوع لم يزد الأخ الصادق ان ذكر له انه مع رأي الاستاذ/ شداد. ورغم ان الامر كله قد الغي بالوفاة المفاجئة للاخ/ المناضل/ الشريف الهندي، الا ان الامر ادى الى توتر بيني وبين قيادة الحزب والى تجميد اللجنة الاستشارية التي كنت اترأسها، وابتعادي تدريجيا عن العمل الحزبي وانعكس ذلك عند قيام الانتفاضة فيما بعد حيث ابتعدت تماما عن الاشتراك في عمل الحزب آنذاك رغم انني كنت من المؤسسين للتيار القومي منذ الستينيات... في سنة 1986م، قررت الجبهة الديمقراطية للمحامين والتي لم تكن راضية عن اداء النقابة في فترة الانتفاضة اعادة تشكيل مكتب النقابة. ولقد كنت احد المسؤولين في مكتب قيادة الجبهة وممثلا للاشتراكيين العرب فيها. ولكن قيادة الحزب آنذاك وللاسباب التي ذكرتها قررت ابعادي والدفع بمحامي آخر. واتصلوا بالاخ الصادق ليحل محلي ولكن الاخ الصادق وكما توقعت، رفض واصر على الرفض، وذكر انه لن يحل في موقع كان يتولاه الاخ اسحق ومهما كانت الاسباب. لقد كان موقفا صادقا ونبيلا، وقد قبل احد الاخوة الآخرين بالتكليف، ولا داعي لذكر الاسماء، ليحل محلي. ولكن قيادة الاشتراكيين العرب من المحامين قد رفضوا ذلك بالاجماع.. ووقف الاخوة في قيادة الديمقراطيين والشيوعيين موقفا مماثلا.. واصر الاخ المرحوم/ عبدالله صالح والذي كان يمثل قيادة المحامين الديمقراطيين والشيوعيين والذي كان صديقا وزميلا لي وللاخ الصادق وزميل كفاح قديم منذ المجلس الاربعيني في الجامعة، وذكر تحديدا (اننا لا نعرف غير الاخ اسحق ولا نقبل غيره). واخيرا حلت الازمة بأن تنازل الاخوة الديمقراطيون عن مقعد ثاني للاشتراكيين العرب على ان اظل في المقعد الاصلي، وتختار قيادة حزب البعث من تشاء في المقعد الثاني ولقد كان ذلك بايعاز من الاخ المرحوم/ عبدالله صالح. وكان قد حلت الازمة وسحب العضو البديل ورفع الحرج عن الاخ الصادق الذي دخل معي مجلس النقابة لأول مرة في سنة 1986م، وتولى الجميع وفي مقدمتهم الاخ عبدالله صالح والاخ سيد عيسى متعه الله بالصحة والعافية دفعني لقيادة النقابة كسكرتير عام لدورتين متتاليتين حتى قام انقلاب الانقاذ.. ورغم ان الامر قد سوى بعد ذلك، وعدلت قيادة الحزب موقفها من تلقاء نفسها فيما بعد واعيد لي موقعي في الحزب كاملا، الا أني ظللت بعيدا عن العمل الحزبي ومهتما بعملي النقابي. كان دور الاخ الصادق في مجلس النقابة مميزا ولم يقتصر جهده على العمل الداخلي، بل تعداه الى العمل الخارجي ليشمل الوطن العربي ومهام ومسؤوليات اتحاد المحامين العرب. وكان قد انتدب الاخ الصادق مع آخرين بطلب من المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب وباختيار من نقابة السودان ليتولى الدفاع عن المتهمين في احداث اليمن الجنوبي وقد ا دى المهمة بالكفاءة والدقة والاقتدار الذي عرف عنه وقدم تقريرا وافيا بذلك. في بداية عهد الانقاذ تم اعتقال االاخ الصادق وجلال السيد وامين مكي وشخصي من مجلس نقابة المحامين وآخرين من المحامين وتم ادخالنا في سجن كوبر مع آخرين، وان هذا هو الاعتقال الثاني للاخ الصادق. ولقد تم ارسال الاخ الصادق وآخرين الى سجن بورتسودان، وظللت انا في سجن كوبر الى ان اطلق سراحي بعد حوالي اربعة اشهر.. الاخ الصادق كالعادة كان قويا ومتماسكا كالطود الاشم. وظللنا بعد اطلاق سراحنا نعمل في السكرتارية القانوية للتجمع النقابي بالداخل وعلى صلة بتجمع الخارج وذلك لحين توقيع اتفاقية نيفاشا مؤخرا.. لقد كان الاخ الصادق وثيق الصلة باسرتي الصغيرة وكان يشارك معي في كل ما يخصها ، وكان ذا تقدير خاص لزوجتي الاستاذة/ سعاد الطاهر، والتي كاد ان يغمى عليها عندما اخبرتها بوفاته المفاجئة. كان بيتنا بيته ، وبيته بيتنا، وكان يشارك معي في كل كبيرة وصغيرة تخص اسرتي، وله في ذلك طرائف عدة.. والحقيقة عشنا كأسرة واحدة، وكان ابني الوحيد (الشيخ) كابنه يهتم بأمره، وابنه الوحيد (خالد) هو ابني الذي يقف معنا دائما.. وانني لأذكر قبل عدة سنوات انني اصبت بوعكة مفاجئة نتيجة لخطأ طبي الزمتني الفراش شهورا عدة وكان الاخ الصادق كالعادة يتفقدني ويتابع موضع علاجي وكان يصر ان اذهب للعلاج بالخارج وفي الحال في لندن. وابدى استعداده بشهامته المعروفة للمساهمة في ذلك، بل اتصل بجهات عدة للمساهمة في ذلك، ولكن رفضت كل ذلك وذكرت انني سوف اذهب الى العلاج بالخارج في الوقت الذي احدده وعلى نفقتي الخاصة..! في هذه الاثناء كان في السودان الاخ/ الصديق البروفسير/ الشيخ محجوب جعفر الذي هو صهر الاخ الصادق وفي نفس الوقت تربطني به علاقة خاصة لعلاقته بالمرحومة/ شقيقتي البروفسيرة/ فاطمة.. وقام الاخ الصادق بابلاغه بامر مرضي، واهتم الاخ البروفسير الشيخ محجوب بذلك كثيرا وطلب مني ان احضر له جميع التقارير الطبية للاطباء المعالجين في السودان لشهور عديدة وحملها الى الاردن الذي كان يعمل في جامعته آنذاك لمناقشتها هناك.. واتصل بي الاخ البروفسير محجوب عدة مرات من الاردن مستفسرا.. وكان قد عرض التقارير على مجموعة من الاطباء هنالك واخيرا اخطرني ان الامر غير خطير، ولكن على ان احضر الى الاردن في بداية الصيف للفحص والاطمئنان. اتصل الاخ الصادق بابنه خالد الذي كان يدرس بالاردن آنذاك واخطره بالامر. وكان الابن خالد في استقبالنا بالمطار انا وزوجتي هو ومجموعة من اصدقائه، وكان قد حجز لي سكناً مريحاً واكمل مع خاله البروفسير/الشيخ محجوب جعفر جميع الاستعدادات وتحديد المقابلات مع الاطباء المعالجين.. ولقد ظللنا في الاردن قرابة الشهر وكان الابن خالد واصدقاؤه الملازمين لنا ليل نهار وباشراف مباشر من الدكتور/ الشيخ وباتصال مباشر مع والده، مررنا على الدكاترة والفحص والمستشفيات المختلفة ولم يفارقنا الابن خالد ومن معه الا في المطار عند العودة بعد اكتمال الكشف والفحوصات والعودة بالسلامة بحمد الله لقد كان خير معين لنا ، جزاه الله عنا خير الجزاء.. عند اكمال الابن خالد دراسته للقانون في الاردن فيما بعد اتصل بي والده والذي كان حريصا على ان يتدرب ابنه في مكتب محام آخر رغم ان مكتبه من المكاتب الكبيرة على نطاق السودان..! وكان قد اتصل بي وذكر لي انه رشح للابن خالد عدة مكاتب من الاصدقاء للتدريب وفي مقدمتها مكتبي، ولكن الاخ خالد ذكر له انه لا يريد التدريب الا في مكتبي.. وبالطبع فقد رحبت بابني خالد واكمل تدريبه معي وبعد ذلك ذهب ليساعد والده في مكتبه العامر ويواصل دراساته العليا. ارجو من الله له التوفيق والسداد وحمل المسؤولية الكبيرة بعد وفاة والده، اعانه الله.. كان الاخ الصادق حريصا ان يكون في المقدمة في جميع المناسبات التي تخصني. واذكر عند زواج ابنتي الكبرى (سحر) قبل عدة سنوات انه جلس معي للتخطيط قبل مدة وقد اشرف على كشف المدعوين وتولى بنفسه شخصيا تسليم الدعوة لكبار رجال القضاء والقانون. وكل ترتيبات المناسبة والمساهمة فيها هو وزوجته الفضلى، وكل قبيلة آل شامي وآل مالك وآل محجوب جعفر واصدقائنا المحامين والقانونيين، ولقد كان هذا الزواج هو بمثابة زواج ابنته. وانني اذكر الاخ عثمان الطيب/ ادام الله عليه بالصحة والعافية، قريب الاخ الصادق وصديقي وهو يقود للمنزل سبعة من الخراف السمن مساهمة منا لصادق وزملائه، حفظها الاخ عثمان في مزرعته لحين المناسبة، والاخ/ البروفسير/ الشيخ محجوب جعفر في مقدمة المرحبين بالضيوف. كان الاخ الصادق كريما ومنزله مفتوحاً للاصدقاء والاقرباء والزملاء. وكان يتصل بي حينا بعد حين ليذكر لي ان صديقا وزميلا من اصدقائنا القدامى قد حضر من الخارج وانه سوف يقيم دعوة على شرفه ويدعوني للحضور. وكانت دعوة الفطور دائمة في منزله في نهار الجمعة ويحرص على ان يحضرها عدد من اصدقائه المقربين، ولقد كان كثيرا ما يدعوني اليها. وكان له مناسبات ثابتة وبالتحديد في يوم 17 رمضان، ذكرى غزوة بدر الكبرى والتي يصر على دعوة جميع الاهل والاصدقاء في منزله وكنت دائما من اوائل المدعوين، ولقد كان يصر بصفة خاصة على حضوري. ويخطرني للتذكير عند بداية رمضان. وانني اذكر انه في احد ا لمرات وكان ابن عم عزيز على يقيم دعوة في داره لجميع الاسرة والاصدقاء في نفس الوقت، وكان لابد من ان احضرها، وذكرت للاخ الصادق انني سوف احضر له بعد انتهاء الافطار، ولكنه اصر ان احضر له اولا وبدأ يلاحقني بالتلفونات حتى حضرت له في الاول وبعد ذلك ذهبت للافطار الآخر.. كان الاخ/ الصادق حريصا على صلة اهله الاقربين، وانني لاذكر وفي المرض الاخير لابن عمه الاخ/ احمد شامي الزعيم والمناضل المعروف، انه على امتداد لشهور عدة يذهب كل جمعة لزيارته في منزله بالدروشاب وتناول الغداء مع اسرته الصغيرة، ويظل معه في المنزل حتى المساء، وكنت كثيرا ما اذهب معه ومع الآخرين. لعل القارئ الكريم قد لاحظ انني لا اكتب رثاءا بالطريقة المعروفة، وانما اذكر وقائع وذكريات تتقاطع فيها حياتنا نحن الاثنين مما يضطرني لذكر بعض الوقائع الخاصة بي لاكمال الصورة. لقد ذكرت بالتحديد بعض الوقائع والذكريات التي عشناها مع بعض، وتركت للآخرين من الاصدقاء كتابة وقائع وذكريات اخرى في حياة الاخ/ الصادق لم اكن مشاركا مباشرا فيها، وارجو ان يفعلوا حتى تكتمل سيرة هذا الرجل العظيم، ويكون ذلك مادة لكتاب نخرجه في ذاكرة.. لقد شاء قدري ان اكتب عن ثلاثة من اعز الناس الذين فقدتهم بالتوالي، وهم المرحومة، شقيقتي الصغرى البروفسير/ فاطمة القاسم شداد، واستاذي الراحل الاستاذ/ محمد يوسف محمد، ثم اخي وزميلي الصادق شامي. ولقد قال شاعر النيل حافظ ابراهيم ، في رثاء امير الشعراء احمد شوقي:- (لقد كنت أوثر ان تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء) لقد كنت بحق اتمنى ان يكتب عني احدهم، ولكن القدر ارغمني على الكتابة عنهم واحدا تلو الآخر. ولكن تلك مشيئة الله، ولا راد لمشيئته ، والاعمار بيد الله. رحم الله ابا خالد، فلقد كان رجلا من خيرة الرجال ، ولقد كان اخا وزميلا وصديقا عرفته على امتداد ستين عاما من الزمان. وجعل الله البركة في ابنه وبناته وزوجته واخوانه واصدقائه الكثر.. «إنا لله وإنا إليه راجعون»..