يبدو الجميع متشائمين بشأن خارطة الاتحاد الافريقي لنزع فتيل الأزمة بين الخرطوموجوبا، وظهرت علي السطح حالة انقسام واضحة تجاه الخارطة الافريقية التي اعتمدها مجلس الامن الدولي نهاية الاسبوع تحت القرار 2046، لكن الخرطوم وعلي لسان وزير خارجيتها علي كرتي اعلنت انها لن تتوجه الى طاولة التفاوض حال عدم تصدر اجندتها حل المسائل الامنية العالقة مع جنوب السودان، قبل ان تطالب رافضي خارطة الطريق في الداخل بالتريث والنظر الى ايجابياتها وعدم التسرع ورفضها دون اتاحة الفرصة لآليات اتخاذ القرار في الحكومة. اذن هناك من يدفعون تجاه الرفض الكامل للخارطة ويطالبون علنا بعدم التعامل معها، فالقيادي بالحزب الحاكم ورئيس كتلته البرلمانية غازي صلاح الدين نشر ببعض الصحف الاسبوع الماضي مقالة مطولة تحذر من التعامل مع خارطة طريق الاتحاد الافريقي، واعتبر القرار مليئا بالعيوب الشنيعة والانحياز الصريح للحركة وان تدثر ذلك الانحياز خلف لغة قانونية قال انها حمّالة أوجه وباستطاعة أي ممارس حصيف للسياسة أن يكتب أطروحة مطولة عن عيوب القرار، لكن الرجل اكتفي باربع نقاط لابراز العيوب تلك العيوب ولخصها في النقاط التالية ،النقطة الأولى حسب غازي فان القرار مليء بالاحالات الى مجلس الأمن،والنقطة الثانية منه تحوي اشارة تقنينية قوية للعمل المسلح ضد الحكومة في الشمال في المادة «16» من القرار، وهي المادة التي تدعو الحكومة السودانية والحركة الشعبية/ قطاع الشمال للجلوس والتفاوض لتحديد مستقبل الشمال، وفيما يخص النقطة الثالثة قال انها مرتبطة بالمادة «13» من القرار وهي التي تدعو الطرفين «السودان وجنوب السودان» للجلوس فوراً للتفاوض تحت رعاية الفريق عالي المستوى وبدعم من رئيس الايقاد. أما النقطة الرابعة والتي وصفها صلاح الدين بانها الاخطر وهي التي تلخصها المادة في «14» من القرار وتطالب هذه المادة الطرفين بالوصول الى اتفاق حول كل القضايا المعلقة في خلال ثلاثة أشهر، بيد ان وزير الخارجية علي كرتي اعتبر ان رافضي الخارطة لا ينظرون الي ايجابياتها التي قال انها تتمثل في انتزاع قرار لتكوين لجنة تقصي حقائق اممية لحصر خسائر منشآت هجليج النفطية، واعطاء الاولوية للمسائل الامنية في التفاوض، وهي المطالب التي حرصت الخرطوم الاشارة اليها باستمرار، واضاف ان اصدقاء السودان في مجلس الامن نصحوا الخرطوم بعدم التسرع في مطالبة تكوين لجنة تقصي الحقائق الدولية، وزاد «تلقينا ضمانات قوية رغم انف اميركا وصويحباتها بتكوين فريق أممي محايد لحصر الخسائر» بجانب انتزاع الخرطوم لادانة قوية من مجلس الامن ضد جوبا لاحتلالها منطقة هجليج. وليس ببعيد عما كتبه غازي صلاح الدين وهو احد كبار مفاوضي الحكومة في بدايات جولات السلام التي انتهت بنيفاشا، علت اصوات اخري عبرت عنها عدد من المؤسسات والاتحادات وسارعت لرفض القرار لكن هاهي الدبلوماسية السودانية تعلن امس في تنويرها لبعض الصحفيين ان الطريق الان للتفاوض وان كان مشروطا بالملفات الامنية، وهو ما دعمه المحلل السياسي دكتور صديق تاور وقال ل»الصحافة» مهما كانت الاسباب لايوجد خيار امام الحكومة الا التفاوض، معتبرا ان النزاع القائم بين الدولتين هو صراع حول المصالح الاقتصادية والدور الاقليمي، لافتا الي ان تلك الملفات لا يمكن الوصول الي حلول فيها عن طريق العنف، واشار تاور عبر الهاتف الي ان التعنت في تطبيق خارطة الطريق وتعدد مراكز القرار داخل الحكومة وتداخلها مابين الحزب والدولة عاد علي البلاد بشكل عام في صورة حالة من الارباك وهو حسب رأيه ينعكس علي الجميع ويعبر عن فوضي وعدم احترام للمؤسسات، لافتا الي ان الامر له انعكاسات خطيرة ايضا علي العلاقات الدولية ويعد احد اسباب عزلة الخرطوم وصورتها المشوهة بالخارج. ويركز الدكتور صلاح الدومة استاذ العلوم السياسية بالجامعات من جانبه علي ان تعدد المواقف الحكومية من القضايا المطروحة داخليا وخارجيا يعتبر أس الأزمة التي تعايشها البلاد حاليا ، وتابع فما وقع اتفاق بين الحكومة واي طرف اخر كانت نهايته النقض بسبب تعدد الاراء ومراكزها داخل جسم الحكومة، وفيما يخص القرارات الدولية يزيد الدومة ان الحكومة عادة ترفض في بادئ الامر لتعود مرة ثانية وتوافق علي قرارات تعد اسوأ من سابقتها، واضاف علي ضوء ذلك اتوقع ان ترفع الدبلوماسية الجنوبية من سقف مطالبها مما سيدفع الحكومة لرفض الامر وهو ما سيقود الي العقوبات بسبب صورتها امام الاخرين والنية المبيتة لاستهداف الخرطوم من قبل المجتمع الدولي. والشاهد ان الخرطوم حتى الان تشدد رغم موافقتها على التفاوض على ان تكون اوليات العملية السلمية ملف الترتيبات الامنية ، وهذا يبدو واضحا في تأكيد نائب الرئيس الحاج آدم يوسف على عدم دخول الحكومة في أي تفاوض مع حكومة جنوب السودان ما لم يحسم الملف الأمني، واكد الرجل الثالث في القصر بأن قرار الحكومة هو « أن اخر بند للتفاوض هو بند البترول» ، وقال نائب الرئيس «لن نتفاوض مع الجنوب حتى يوقف دعمه للحركات المسلحة المتمردة». فيما تبدو الصورة منعكسة خارجيا فالولايات المتحدةالامريكية تظهر تشددا واضحا من جانبها تجاه السودان ، فقد طالبت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون امس السودان بوقف غاراته الجوية على الجنوب، وقالت كلينتون في بكين لمضيفيها الصينيين، كما تفيد ملاحظات خطية «يجب ان نستمر معا في توجيه رسالة قوية الى الحكومة السودانية التي يتعين عليها بموجبها ان توقف فورا ومن دون شروط كل الهجمات خارج حدودها وخصوصا غاراتها الجوية الاستفزازية». وتشدد امريكا تجاه السودان ليس بالامر المدهش ، كما يشير الدكتور الدومة، فوزيرة الخارجية الامريكية رعت اتفاق اديس الاطاري المنهار بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، وهي تعلم ان الخرطوم الان لا تستند في رهنها بدء التفاوض بملفات بعينها مثل الترتيبات الامنية على اى اوراق ضغط، وهي لذلك لن تتنازل ، والحديث عن واشنطون، عن جلوس الخرطوم وجميع الاطراف للحوار دون شروط.