كيف يحلل المراقبون طبيعة العلاقات المضطربة بين حكومة الخرطوم وحكومة جوبا وإذا أسلمنا جدلاً بأن ما يربط بين الجانبين هو إدراك كل منهما لخفايا الآخر وبالتالي تأتي كافة الترتيبات التي يتخذانها ضد بعضهما كنتيجة حتمية للمعلومات المتوفرة لكل منها عن نوايا ومخططات الآخر، فإن السؤال الذي يفرض نفسه ويواجه الطرفين هو لماذا يضطر كل من شعبي السودان وجنوب السودان الى تكبد المعاناة ودفع فاتورة سياسة اللاحرب واللاسلم بين الجانبين ؟ لقد رأينا كيف شحذت كل من الخرطوموجوبا السلاح وأدوات الحرب النفسية تمهيداً لاعلان الحرب الشاملة ولكن سرعان ما إنصاع الطرفان لقرارات مجلس السلم الافريقي ومجلس الامن الدولي عبر اعلانهما بواسطة وزراء الخارجية في كلا البلدين إيقاف القتال والاستعداد لجولة اخرى من المفاوضات التي كانت تجري في أديس أبابا بوساطة افريقية . بالنسبة للمراقبين للشأن السوداني ليس من السهل التكهن بمستقبل العلاقة مع دولة الجنوب فحكومة الخرطوم تبدو منقسمة تجاه مستقبل العلاقات مع جوبا ففي الوقت الذي ترحب فيه الخارجية السودانية بالعودة الى طاولة المفاوضات مع جوبا لحسم الملفات العالقة تعلن جهات اخرى في المجلس الوطني رفضها لاي مفاوضات جديدة بل وتعلن رفضها لقرار مجلس الامن الدولي فيما يلقي بعض قادة الدولة اللوم على مجلس السلم الافريقي لتحويله ملف النزاعات بين الخرطوموجوبا الى مجلس الامن متهمين إياه بالتواطؤ لتدويل النزاع القائم أما على صعيد ما يجري في دولة جنوب السودان فيرى بعض المراقبين ان حكومة سلفاكير رغم انها اعلنت انصياعها لقرارات مجلس الامن وايقاف الاعمال العسكرية وسحب قوات الشرطة التابعة لها من منطقة أبيي الا ان مجلس وزراء حكومة الجنوب فاجأ المراقبين باعتماده في جلسته الاخيرة لخريطة حدود دولة الجنوب مع دولة السودان بحيث ضمت الخريطة كلاً من منطقتي أبيي وهجليج الى داخل حدود دولة جنوب السودان وهو الأمر الذي فسرته الخرطوم على لسان وزير الاعلام الجديد بأنه ( بادرة حرب ) باعتبار ان الخطوة تتنافى والمساعي الجارية اقليمياً ودولياً لإجلاس الطرفين الى طاولة التفاوض . إذن كلما هدأت الامور واستقرت الحدود بين الجانبين كلما أشعل المتنفذون من الجانبين أعواد الثقاب في الملفات العالقة بين الطرفين ،ففي الوقت الذي ينادي فيه الجميع بالتهدئة والعودة الى الحوار غير المشروط تتناقض أفعال وأقوال حكومتا البلدين بحيث تكون النتيجة والمحصلة النهائية العودة الى أجواء الحرب مرة اخرى واستنفار واستقطاب الاطراف الاخرى للتدخل السلبي تحت مزاعم الحفاظ على الامن والسلم وحماية المدنيين وفتح الممرات الآمنة لايصال المعونات الانسانية للمتضررين. وبرأي أن الفرصة متاحة الآن امام الجانبين للجلوس العاجل الى طاولة التفاوض واستكمال الحوار والتفاهمات وصولاً الى إرساء اتفاقية تخدم مصالح اصحاب المصلحة الحقيقية والمتضررين الفعليين من استمرار حالة اللاحرب واللاسلم ..وهم شعب السودان وشعب جنوب السودان . ان اشتعال الحدود بين الدولتين بسبب اجواء الحرب تسبب في خلق معاناة كبيرة للسكان في مناطق التماس ففي الوقت الذي يعيش فيه سكان التماس من ابناء دولة جنوب السودان اوضاعاً مأساوية بسبب نقص الغذاء والدواء وتوقف تدفق المواد التموينية التي كانت ترد من الشمال يعيش رصفاؤهم من ابناء المسيرية من عرب الشمال اوضاعاً مشابهة بعد ان فرضت حكومة الجنوب قوانين صارمة تمنعهم من ادخال ابقارهم الي مراعي الجنوب استناداً الي حالة الحرب المعلنة بين الدولتين ،كما فرضت حكومة الخرطوم ايضاً قوانين متشددة تجرم اي شكل من أشكال التعامل مع السكان في المناطق الحدودية .