أبقت نتائج الانتخابات التشريعية بالجزائر السلطة في ايدي الحزب الحاكم، ان لم تكن عززتها فقد حصل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم على 220 من 462 مقعدا في المجلس الشعبي الوطني. وكان من المتوقع أن تمنح هذه الانتخابات الحصة الأكبر من مقاعد البرلمان لأول مرة في تاريخ البلاد لإسلاميين «معتدلين»، لتلتحق بذلك الجزائر بكل من تونس ومصر والمغرب. لكن لم تتجاوز حصيلة تجمع الاحزاب الاسلامية المشاركة (59) مقعدا، وهو ذات العدد من المقاعد الذي كانت تشغله في الهيئة التشريعية القومية هناك، لتخيب تلك النتيجة من توقعات اكتساح اسلاميي الجزائر اول انتخابات تجرى بعد ثورات الربيع العربي، والتي صعدت بالتيارات الاسلامية الى قمة السلطة في دول المنطقة. ولكن الاشارة يجب ان تذهب الى ان هذه الانتخابات قد شهدت مقاطعة من الحزب الاسلامي الرئيس جبهة الانقاذ المحظورة بقيادة عباس مدني، لان الاخير عدها عملية مطبوخة لترسيخ حكم الرئيس بوتفليقة. فيما رأى اقدم احزاب المعارضة « جبهة القوى الاشتراكية» والذي عاد الى الساحة الانتخابية بعد مقاطعة استمرت عشر سنوات ان «النظام سخر كل عبقريته لتثبيت اقدامه في الحكم» وقال انه «ياخذ علما بالنتائج» التي سيرد عليها «سياسيا». وفاز هذا الحزب ب21 مقعدا ما يمكنه من تشكيل كتلة برلمانية. وهو ما اكد عليه ايضا حزب جبهة «الجزائر الخضراء»، مؤكدا حدوث اخلالات اثناء التصويت وقد اعلن هذا الحزب نيته في التظلم امام المجلس الدستوري. كما احتج حزب العمال اليساري على نتائج الانتخابات التي ادت الى تناقص مقاعده في المجلس التشريعي ستة مقاعد لتصبح 20 مقعدا،وقال المتحدث باسم الحزب جلول جودي في تصريحات للصحافيين عقب اعلان النتيجة «الخميس كان لدينا 11 مقعدا في العاصمة وصباح الجمعة تمت مراجعة النتيجة لنحصل على سبعة مقاعد فقط». واعتبرت جبهة التغيير (اسلاميون) من جهتها ان «السلطة فوتت على الجزائر فرصة لاجراء تغيير سلمي وديموقراطي». غير ان تقييم المراقبين الاجانب (500) بدا ايجابيا، وقال رئيس بعثة مراقبي الاتحاد الاوروبي خوسيه ايناسيو سلافرانكا الخميس ان ظروف الانتخابات «كانت عموما مرضية ما عدا بعض الحوادث المحدودة جدا». ورأى مراقبو الاتحاد الافريقي البالغ عددهم(200) على لسان الرئيس السابق لزيمبابوي جواكيم شيسانو ان التصويت كان «حرا وشفافا وقانونيا ونزيها» كما تحدث رئيس مراقبي الجامعة العربية (132) وجيه حنفي عن اقتراع «حر وشفاف». اما وزير الداخلية الجزائري فقد رأى في الانتخابات «عرسا خارقا للعادة للربيع الديمقراطي الجزائري الاصيل». وقد سجلت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ارتفاعا ملحوظا حيث بلغت 42,36 بالمئة مقابل 37,67 بالمئة في انتخابات 2007. ويبلغ عدد الناخبين المسجلين 21,6 مليون ناخب، غير ان عملية الفرز كشفت عن نسبة عالية من البطاقات البيضاء التي فاق عددها مليون بطاقة. وتميزت الانتخابات الجزائرية بإشراف لجنة انتخابات قضائية مكونة من 316 قاضيا على العملية بكاملها، واعتماد البصمة بدل التوقيع من قبل الناخبين، إضافة إلى استخدام الحبر الفوسفوري لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم أكثر من مرة. وتمت العملية الديمقراطية بحضور أكثر من 500 مراقب دولي، منهم 120 مراقبا من الاتحاد الأوروبي و200 من الاتحاد الأفريقي و132 من جامعة الدول العربية و10 من الأممالمتحدة و20 من منظمة التعاون الإسلامي، فضلا عن ممثلين عن منظمتين أميركيتين غير حكوميتين. لكن ذلك لم يمنع الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة بزعامة عباس مدني من توجيه دعوات لمقاطعة الانتخابات بحجة أنها تضمن بقاء النظام الحاكم وهو الامر الذي اظهر النتائج على ما هي عليه كما يقدر مراقبون. ففور اعلان نتائج الانتخابات وخسارة الاسلاميين اكد بعض المراقبين على أن الإسلاميين قاطعوا الانتخابات ليأسهم من امكانية التغيير في ظل الوضع القائم، وان النتائج المعلنة لا تعبر حقيقة عن خيارات الشعب الجزائري، وان امتناع الشعب عن المشاركة جاء لقناعته بعبثيتها. فيما تذهب اغلب تحليلات المراقبين ان الجزائريين لايزالون مصدومين من احداث العنف التي اندلعت في العام 1991 بعيد الغاء نتائج الانتخابات التي اكتسحتها جبهة الانقاذ. مشيرين الى ان مواقف الاسلاميين السياسية في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا القت بظلالها على الشارع الجزائري فقد شهدت تراجعا خطيرا... فالغنوشي اعتبر في زيارة لامريكا ان القضية الفلسطينية ليست ذات اولوية، في حين أكد السلفيون والاخوان في مصر أنهم لن يلغوا «كامب ديفيد»، والتى طالما وصفوها بانها اتفاقية الذل والعار. ومن ناحية أخرى فان الصراع بين العلمانيين والاسلاميين، في الاقطار التي فازت فيها الاحزاب الاسلامية، ادى الى ارباك التجربة ، وخاصة في ظل الصراع بين جناحي الاخوان والسلفيين، وطرح السلفيون مفاهيم وافكاراً اعتبرها البعض تهدد المجتمع المدني، وتجنح بمصر وتونس الى اقامة الدولة الدينية.