ارتفعت اصوات في مناطق متعددة من السودان تطالب باعادة النظر في الحكم الفيدرالي الذي يتخذه السودان نظاما لادارة شؤون البلاد، وطغت دعوات تتبنى اعادة تقسيم الولايات الحالية على نحو جديد بحيث يضمن لبعض القوميات تمثيلا يمنحها الحق في ادارة شؤونها، مما قاد الى طرح العديد من اسئلة حول الاسباب التي جعلت التجربة التي بدأتها حكومة الانقاذ الوطني في بواكير عهدها تتضعضع بهذا الشكل وهل كان تحديد الولايات ال26 عشوائيا أم انه تم بناء على دراسات وافية ولماذا تشهد علاقة المركز والولايات حالات شد وجذب اخذت تتزايد في الآونة الأخيرة، هل يعود الفشل الى النظرية أم الى التطبيق. ويري مختصون وباحثون في نظم الحكم والادارة والدراسات الفدرالية ان نظام الحكم لامركزي الفدرالي الحقيقي الديمقراطي الشوري هوالاصلح والاميز لحكم السودان اذا ما طبق وفق مبادئه العامة المتفق عليها دوليا ، ويقول الدكتور حسن حامد مشيكة الاستاذ المتخصص في قضايا الحكم اللامركزي والفدرالية المقارنة بجامعة الخرطوم ل«الصحافة» ان النظام الفدرالي الحقيقي يقوم في الاساس علي مرتكزات اساسية ينبغي ان تتوفر في اي ولاية تريد الحكومة ان تنشئها هي: حجم السكان ووجود الموارد وتعددها وتنوعها والتنوع الاثني والثقافي وحجم المساحة الجغرافية للارض التي تريد الدولة او يطالب سكانها بانشاء ولاية، واوضح مشيكة ان الحكم اللامركزي الفدرالي هو اكثر النظم الادارية التي حققت نجاحات في العالم الان وازدهرت بلدانها تنمويا واقتصاديا احدثت نقطة فارقة في التطور الطبيعي للانسانية ، ولكن عاد وقال ان النظام اللامركزي الفدرالي الحقيقي يحتاج الي وجود تشريع دستوري جامد يعطي المؤسسات التشريعية والقانونية والبحثية والحكومة حقها الكامل في انشاء الولايات بعد المرور بمراحل ، واشار حسن حامد مشيكة الي انه من دعاة التوسع في الولايات في السودان وتقليص عدد المحليات في السودان من «183 الي اقل من 120» محلية في السودان ، وابان مشيكة في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف امس الى ان كثرة المحليات في كثير من ولايات السودان خلق شيئا من الترهل الاداري والوظيفي السياسي واحدث خللا كبيرا في نظام الحكم اللامركزي الفدرالي واظهره علي نقيض من اهدافه السامية ، مؤكدا ان المبادئ الاساسية التي يرمي اليها الحكم اللامركزي تقصير الظل الاداري للشعب وتحقيق اكبر قدر من التنمية المتوازنة في البلاد وتعزيز المشاركة السياسية في صناعة القرار السياسي في البلاد وتسليمه مقاليد السلطة الي الشعب عبر النظام الديمقراطي الشوري، واضاف مشيكة ان النظام الفدرالي الحقيقي الذي تطورت به الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وكثير من دول اوروبا وشرق اسيا تقوم فلسفته في الاصل علي توزيع الموارد القومية بعدالة وتحويلها الي برامج تنموية حقيقية تصل الي المحليات اوالمحافظات عبر موظفين يتم تعيينهم من الفدرالية المركزية ليراغبوا عملية التنمية ووصول الخدمات الي المواطنين في المحليات ، مشيرا الي ان وجود الموظفين الفدراليين في كل محلية اومحافظة يهدف الي تطبيق المفاهيم الحقيقية للانظمة الفدرالية الحقيقية حتي لاتصرف عليهم المحليات حتي لايزيدوا تكاليف الانفاق والتكاليف علي المحلية المعنية او المحافظة ، واوضح حسن مشيكة ان السودان وطن مترامي الاطراف والنظام الاصلح لحكمه هو النظام الفدرالي، بيد انه عاد وقال انه يجب ان يحكم السودان والاصلح له ان يحكم بنظام فدرالي ديمقراطي شوري حقيقي تنسجم فيه كل المكونات المجتمعية المتنوعة بثقافتها ، مبينا ان السودان الان يحتاج الي زيادة عدد الولايات في كل منها غرب من جنوب كردفان النهود من شمال كردفان ولاية المناقل في الجزيرة وشرق السودان لكن قبلها ينبغي تقليص المحليات وابعاد السياسة عن الادارة والممارسة. الي ذلك قال الاستاذ محمود السر ل«الصحافة» ان السبب الاول والاساسي الذي ادي الي تدهور تجربة الحكم المحلي اللامركزي الفدرالي في البلاد يرجع الي ان وضع الحكم المحلي واللامركزي في السودان تمت ادارته بقواعد جماهيرية سياسية غير مدربة بأسس النظام الفدرالي الحقيقي، واوضح السر ان عدم المعرفة السياسية والممارسة لادارة المواقع القيادية للحكم جعل من التجربة مختلة علي الرغم من ان كل دول العالم التي تعمل بالنظام الفدرالي حققت نجاحات كبيرة ، مبينا ان الزج بعناصر بغرض التوظيف سياسيا جعل التجربة السياسية تفتقر الي ابسط مقومات المعرفة في الولايات والمحليات وجعل التجربة السودانية تنجرف عن الموجهات العامة التي تضبط الحكم المحلي الفدرالي، و اشار السر في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف الى ان الحكم المحلي بسبب الممارسات السياسية هي الصرف البذخي وتكليف حديثي التخرج بتولي المناصب الكبيرة بدون معرفة اوتدريب مما جعل الحكم المحلي ينحرف عن اهدافه ، مشيرا الي ان التجربة السودانية اخطر ما يوجد فيها انها اذكت القبلية بشكل كبير قائلا ان الحكم اللامركزي الفدرالي من اساسياته ان يسعي لتذويب القبلية لان من خلال الحكم المحلي الفدرالي الحقيقي تتم من خلاله الفرصة لادارة العمل بكفاءة واقتدار ولكن لعدم مشاركة العناصر المتدربة والمؤهلة لادارة المؤسسات الان التجربة اصبحت وبالا واصبحت كل قبيلة تطالب لها بولاية وكل جهة لها بحق خاص، واوضح السر ان التجربة السودانية الاولية للحكم المحلي واللامركزية كانت جيدة منذ وصول ثورة الانقاذ للحكم في نهاية عقد الثمانينات من القرن منهية بذلك نظام الحكم الاقليمي الذي كان قائما واستعاضت عنه بنظام الحكم اللامركزي وانشأت مؤسسة اسمتها ديوان الحكم الاتحادي ولكن الان تحتاج الي شئ من التقويم ، ودعا السر الي المحافظة علي تجربة الحكم المحلي واللامركزية باعتبارها واحدة من اميز نظم الادارة والحكم في العالم ، مشددا على انها في السودان تحتاج الي تنظيف من الشوائب التي اعترتها من خلال الممارسة.