لم لا يرتقي مسؤولو الحكومة والمفوضية الى درجة المسؤولية الاخلاقية فيسموا الاشياء بأسمائها ؟ لماذا يتم إطلاق صفة الخطأ الإداري والفني على تصرفات جلية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها تزوير مع سبق الإصرار والترصد ؟ هل يمكن ان نسمي خلط رموز المرشحين بطريقة ( الحابل بالنابل ) خطأ فنياً إذا كانت نتيجة هذا الخلط ذهاب أصوات الناخبين البسطاء والأميين الذين لا يستطيعون( فك الخط ) الى وجهة مغايرة ؟ هل يمكن ان نعتبر اختفاء رموز كافة المرشحين في ولاية كسلا من على ورقة الإقتراع وظهور رمز الشجرة فقط خطأً فنياً وإدارياً ؟ وهل يمكن اعتبار التصويت بدون اوراق ثبوتية في دوائر مثل كسلا ومناطق الرشايدة جائزاً فيما يحرم في دوائر اخرى على الناخبين التصويت ما لم يبرزوا الاوراق الثبوتية ..هل مثل هذا التصرف المنكر يعتبر خطأً فنياً وإدارياً ؟ إن جميع الأخطاء التي إعترفت بها المفوضية القومية للإنتخابات وسمتها بالأخطاء الفنية والإدارية إنما هي تزوير وغش وتدليس بصورة مقرفة وغير محترمة ومن واجب المفوضية الإعتراف بأنها سقطت ضحية للتزوير المتعمد وغير المتعمد وتلغي الإنتخابات الجارية حالياً الى حين توفر الأجواء الحرة النزيهة والى حين التخلص مما تسميه اخطاء فنية وإدارية . هذه هي الحقيقة الواضحة وقد تعودنا إيرادها وعدم ( دسدستها ) على الإطلاق ، ومن المهم ان تعلم الحكومة والمفوضية أن الشعب السوداني يتمتع بحاسة إدراك الحقائق رغم الأمية المتفشية وسطه ، وأنه لن يمنح هذه الإنتخابات شهادة الصدقية مهما حاول ( الدجالون ) إضفاء صفة النجاح عليها والزعم بأنها جاءت مبرأة من كل عيب ونحن نعلم أن البعض أصبح لا يستحي أن يقول للعالم أن الشمس تطلع من المغرب وليس من المشرق ويقسم بالله انه من الصادقين ولكن العزاء يبقى في ان الأقلام تكتب والحق يبين والديان لا يموت ومن قال للسلطان أنت سيد العادلين وهو يعلم انه ظالم فقد وجبت له نار جهنم وعليه فليس من العدل القول إن الانتخابات الجارية حالياً في السودان تجري وفق معايير الشفافية والوضوح والحرية والنزاهة ومن قال عكس ذلك فاعلموا انه محض إختلاق . أعجبني حديث مراسل قناة الجزيرة في دارفور وهو يصف الانتخابات التي تجري هناك بأنه اصبح على قناعة تامة خلال الأيام القليلة التي تابع فيها العملية ان قيام انتخابات حرة ونزيهة في اي بلد افريقي هو ضرب من الخيال ، فالامية الطاغية والجهل من قبل الناخبين والمرشحين والجهات الراعية للإنتخابات تطغى على كل شئ وتفسد ثمرة النتيجة ..وحكى عن قيام احد الناخبين بتوجيه سؤال الى موظف المفوضية عن المرشح الذي يتعين عليه التصويت له!!! كما حكى عن الموظفة التي وزعت على الناخبين اوراق تصويت غير ذات صلة بالمركز المعني وقيامهم بالتصويت الكامل ثم إضطرار المسؤولين بعد ذلك الى حرق الأوراق ، ومجمل النصيحة التي أهداها ذلك المراسل الصدوق هي ضرورة تعميم التوعية والعلم بماهية الانتخابات وما تحققه من منافع للشعوب وضرورة الاعداد والتدريب للقائمين على أمر هذه الإنتخابات في المقام الأول قبل ان يختلط الحابل بالنابل ويحدث الهرج والمرج. لقد حان الوقت للمفوضية القومية للإنتخابات أن تواصل الإعترافات بتسجيل إعتراف جوهري عن عدم قيامها بما يتوجب عليها لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة بصورة تطبق فيها المعايير الدولية ، وفشلها في حماية هذه الإنتخابات من الطعن في جوهرها ومجمل مجرياتها ، إن الإعتراف بالذنب فضيلة ودعونا بعد ذلك نهتم بما يتوجب على الأمة السودانية فعله بعدم السماح بتكرار هذه المهزلة والعمل على ان تتم مستقبلاً في إطار حكومة قومية إنتقالية وبمعايير دولية صارمة وقضاء حر وفعال وقادر على البت في كافة الإشكاليات فلا يفرض البعض سياسة الأمر الواقع .