في زيارة تحمل ثلاثة اجندة حط رحل امين عام الجامعة العربية في الخرطوم أمس، فمن ناحية يرغب نبيل العربي في الاقتراب من قضايا السودان المتفجرة على اكثر من صعيد خصوصا مع دولة الجنوب ليدلي بدلو العرب الذي طالما شكا السودان من تأخر رد فعلهم تجاه ما يحدث في السودان، ومن ناحية أخرى قريبة من الأولى ليؤكد مواقفه الداعمة للسودان التي طالما اعلن عنها في السابق في شكل انتقادات للنظام المصري السابق في مواقفه من الخرطوم ، ومن ناحية ثالثة يحمل نبيل العربي في اول زيارة للبلاد بعد جلوسه على المقعد العربي الارفع ، همومه المتعلقة بإعادة ترتيب البيت العربي ممثلا في جامعته التي يرجو لها فعالية واسهاما اكبر في حل قضايا البلدان العربية، ويطمع في حشد دعم الدول الاعضاء لمبادرته الرامية الى اقرار اصلاحات تجعل من الجامعة العربية صاحبة اليد الطولى في ما يحدث في المنطقة، ولن يتأتي ذلك الا بحشد الدعم لمشروعه في تعديل ميثاق الجامعة الذي يجعلها منتدى تفاكريا لاغير، في زمن تتحكم فيه التكتلات وتفرض رؤاها. وقد اجرى الامين العام للجامعة العربية يوم امس مباحثات غاية في الاهمية مع المسؤولين بالبلاد، والتقي نبيل العربي كلا من الرئيس عمر البشير ووزير الخارجية ورئيس السلطة الانتقالية لدارفور ووفد التفاوض مع دولة الجنوب، وذلك لمناقشات موضوعات متعددة منها إنفاذ قرار المجلس الوزاري للجامعة الخاص بالدعوة لتشكيل لجنة تقصي الحقائق بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي بشأن خسائر هجليج، وكل تلك الاجندة الحافلة سبق الاعلان عنها قدوم الرجل، لكن ما دار في حقيقة الامر قد لايخرج من الغرف المغلقة، ومع ذلك فقد حصلت (الصحافة) على بعض مخرجات الزيارة التي كشفت عن اجندة أخرى غير التي تنتظرها وسائل الاعلام مثل الملفين السوري والفلسطيني، وذلك لاعتبارات مختلفة. فقد اتت زيارة العربي الى الخرطوم بعد يومين فقط من زيارة اخرى لوزير الخارجية ، علي أحمد كرتي، إلى القاهرة استغرقت هي بدورها يوماً واحداً التقي خلالها عدداً من المسؤولين المصريين والعرب، وركزت على وضع القاهرة في صورة التطورات بالسودان، وبحث بالضرورة قضية الساعة وهي العلاقات بين السودان و دولة جنوب السودان، خاصة بعد الأزمة الأخيرة التي حدثت في اعقاب اجتياح الجنوب لمنطقة هجليج، كما تتزامن زيارة نبيل العربي الى السودان مع وجود لجنة الوساطة الافريقية الدولية رفيعة المستوى في الخرطوم، حيث اجرى بالامس ثامبو امبيكي مباحثات مع الرئيس البشير حول المفاوضات المرتقبة مع الجنوب. وتكشف زيارة الامين العام للجامعة العربية للخرطوم الان عن مدى ايلائها الازمة بين دولتي الشمال والجنوب الاهمية، فالجامعة العربية تعمل الان، بحسب ما دار خلال هذه الزيارة، على حشد الدعم العربي للسودان في مواجهة كل ما يقلقه، فقد كشف وزير الخارجية على كرتي ل»الصحافة» امس بعد ختام جولة من المباحثات مع نبيل العربي، ان زيارة الرجل تمت بناءً على اتفاق مسبق بأن تكون فاتحة لزيارات مختلفة من عدد من وزراء الخارجية العرب يبحث خلالها ما الذي يطلبه السودان من اشقائه من اجل دعم قراره وموقفه فيما تلى هجليج، مذكرا في هذا الاطار بموقف الجامعة العربية الذي عده الاقوى خلال تلك الازمة، مشددا على انه مكرس بأكمله لدعم السودان في مواجهة ذلك الامر. وقال كرتي ان الحكومة تداولت مع الامين العام للجامعة العربية ووفده حول كيفية دعم السودان من قبل الجامعة وذلك على مستوى عالٍ تمثل في رئيس الجمهورية، موضحا ان المباحثات بين الطرفين شملت ثلاثة موضوعات رئيسة اولها كيفية دعم السودان وانه قد تم الاتفاق على تفصيلات كثيرة بهذا الصدد سيضطلع بها الامين العام نبيل العربي، اما الموضوع الثاني كان الملف السوري وقد اخذ جانبا كبيرا من المباحثات وتمت مناقشة تطورات الاوضاع وكيفية الوصول الى توافق بين الاطراف المختلفة هناك، وتقليل حدة التوتر وايقاف القتل، كما تم تناول القضية الفلسطينية والصعوبات التي تواجهها الحكومة الفلسطينية والرئيس ابومازن، وكان التداول بحق جيدا وساهم في القرار العربي في كل تلك الموضوعات. وكشف وزير الخارجية عن التزامات قدمها الرئيس البشير بالتعاون مع الجامعة العربية في الموضوع السوري اذا رأت هي ان تستفيد من علاقات الرئيس البشير، واشار في هذا الصدد الى انه قد اتفق على ان يكون هنالك تواصل بين الرئيس والامين العام في هذه الموضوعات. وحول لقاء الوفد العربي برئيس السلطة الاقليمية لدارفور فقد اشار كرتي الى انه كان مهما جدا للوفد الزائر نظرا الى دور الجامعة وابتدارها المباحثات التي اثمرت لاحقا عن توقيع اتفاق الدوحة، مشيرا الى ان الجامعة لديها مشروعات في الاقليم في الجانب الانساني والصحة والتعليم والمياه، وقال ان هنالك تشاورا قد تم حول كيفية مواصلة جهد الجامعة في دعم هذه المشروعات. واكد وزير الخارجية ان دور الجامعة في اقليم دارفور يظل مطلوبا لان هنالك مجموعات مسلحة من دارفور تقوم بإيوائها حكومة الجنوب، املا ان تستمر المبادرة والاتصال حتى يمكن ازالة هذا الملف الامني بخاصة موضوع الحركات الرافضة لاتفاق الدوحة ، وما يلي ذلك من دعم السلام والاوضاع الانسانية، فضلا عن كل ما يساعد في تيسير الحياة للمواطنين وفتح الابواب للحركات للعودة مرة اخرى الى السلام. وحول ما تم في لقاءات امبيكي بالمسؤولين في الخرطوم، اشار وزير الخارجية الى انها دارت حول كيفية فتح الابواب من اجل المباحثات حول قضايا الامن، مشيرا الى ان هذا يمضي مع ما اصر عليه السودان، وهو ما توافق عليه ايضا المجتمع الاقليمي والدولي لان القضايا الامنية هي ذات الاولوية القصوى، مشددا على ان السودان لن يتفاوض في أية موضوعات اخرى الا الجوانب الامنية، مبررا ذلك بأن الجانب الامني مهم ويؤثر على علاقات السودان بجنوب السودان، ويضعف ثقة السودان في الجنوب، مشيرا الى ان هنالك الكثير من الشواهد التي تدلل على ان ادارة الجنوب للعلاقة مع السودان يحكمها توجه امني سالب، مثل استضافته لمجموعات دارفور المسلحة ودعمه لمهاجمة الحدود السودانية مرة بعد الاخرى، فضلا عن دعمه لمجموعات جنوب كردفان والنيل الازرق، معتبرا ان هذا مظهر من مظاهر تخلف جنوب السودان عن تنفيذ الترتيبات الامنية في اتفاق السلام الشامل. واكد كرتي ان دعم الجنوب لكل هؤلاء وتقديم المعينات القتالية لهم كان من المسائل ذات الاولوية القصوى في حديث امبيكي بالخرطوم، وان حولها وحول كيفية ادارة هذا الملف ورؤية السودان في كيفية ادارته، انحصرت المشاورات . واشار كرتي الى ان السودان طرف ومن المفترض ان تتاح لامبيكي فرصة للقاء الطرف الاخر، الا انه اعرب عن اعتقاده بأن مس هذه الموضوعات بهذه الاولوية القصوى سيكون له الاثر الكبير في حل بقية القضايا، وقال وزير الخارجية انه لايمكن التنبؤ بأي موعد لانطلاق المفاوضات بين الخرطوم وجوبا، معتبرا ان هنالك ضرورة للحركة بين الطرفين ثم الاتفاق بعد ذلك على موعد، نافيا من جهة اخرى تطرق مباحثات الوفد العربي مع اي من المسؤولين السودانيين لموضوع المبادرة الثلاثية التي اقترحتها الجامعة العربية لايصال مساعدات انسانية للمتضررين من الحرب في جنوب كردفان. ورغم مواقف الامين العام للجامعة العربية الداعمة للخرطوم بوضوح، فإن تفاعل الجامعة العربية مع السودان في هذه المرحلة الانتقالية للنظام الرسمي العربي يظل موضع شكوك كثيرين.