٭ للكاتبة الرصينة ذات القلم الندي السيدة ام سلمى الصادق المهدي، اسلوب متميز في عرض الحروف والنظم وفن الصياغة برص الكلم ما يفوق الكثير من بنات جيلها المساهمات بنثر الحروف والنقاط في «عرس الوطن». ٭ لقد قضت مشيئة الخالق في مخلوقاته البشرية ان يميل الذكر بالهوى والافتتان الى امه لا الى ابيه، وذلك بعكس الانثى التي يسوقها هذا الهوى الى «مثالية» ابيها لا الى واقعية أمها. ولذلك يقول لك علم النفس التحليلي ان يباعد ما بين الاطفال وما بين احداق تقع ما بين الزوج وزوجه حتى وان كان حدث حب لا حدث نزاع حول حب كي لا ينحاز الطفل بغريزته الى جانب امه المعتدى عليها من قبل معتدي! وذلك بعكس الطفلة التي يقودها الانحياز الى جانب ابيها رمز المثالية لا الى امها رمز الواقعية، وهذا ما يفسر عقده اوديب. ٭ أقول ذلك بعد الاطلاع على ما سطره يراع كاتبتنا الجليلة السيدة ام سلمى على قرطاس هذه الصحيفة «الصحافة» تحت عنوان «هذا زمانك يا مهازل فامرحي»! بتاريخ 71 مايو سنة 2102م. ٭ فيا سيدتي الفاضلة... بادئ ذي بدء لا نختلف معك اطلاقا في قدرات والدك الخلاقة السيد الصادق المهدي العقلية والفكرية بدليل اختياره ضمن مائة عالم ومفكر مسلم من قبل معهد الدراسات الموضوعية في نيودلهي. وليته اكتفى بتلك الهبة الربانية المتفردة، ولم ينشغل بامر السياسة وساس ويسوس، لكان اليوم في قدر لا يقل عن قدر افلاطون وارسطو وسقراط وما اعظمهم اذ من ضمن مشاكل العالم المتخلف كثيراً ما لا يحسن المرء الركون الى ما هيأ له! لذا فانه ينكب على وجهه بغير هوى، بعكس الامر في العالم المتقدم حتى حين يعجز المرء عن ادراكه لما هو مهيأ له. فانه يلجأ الى مكاتب «التوجيه المهني» ليوجه الى ما هو مهيأ له ليجد سعادة الدارين. ٭ لذا فلا لوم ولا تسريب عليك يا سيدتي في كل ما تكتبينه من مدح في السيد والدك باعتبار كل بنات حواء يسوقهن بالافتتان الهوى، الذي يخل بالموضوعية وان ضل صاحبكم وما غوى. كما لا يمكن ان نطالبك بالموضوعية في النقد التي تنظر بعين واحدة الى السلبيات قبل الايجابيات، وليترك ذلك لغيرك بطبع الهوى، فطبيب النساء البارع لا يستطيع ان يولد زوجته، والقاضي العادل يتنحى جانبا عن نظر القضية ان كان هنالك ثمة ميل بالهوى نحو كامل او عطية. ٭ لذلك فقط من موقع التاريخ الذي لا يضام امامه فرد او نظام، لان قلمه يمد بعمار الحقيقة، لا بزيف الكلمة وبريقها، ولك ان تسمحين لنا بذكر بعض الحقائق من اضابير هذا التاريخ، قالها الصادق المهدي بنفسه او المقربون منه، وما اوردته الصحافة السودانية عبر مسيرته التاريخية. 1- لم يكن الصادق المهدي يختلف كثيرا او قليلا عمن ساهم معهم في كرة الثلج السياسية السودانية المتدحرجة تدحرجا نحو هاوية، فالانسان او نظامه ما هو الا «محصلة» تفرزها توازن ايجابياته مع سلبياته والى ايهما الغلبة في التقدير بالعد والقياس. وعلى سبيل المثال ماذا كان يضير حزب الامة ان انتهج نهج حزب المؤتمر الهندي في التطور؟ علما بان الهندي الذي اشرف على انتخابات شعبنا تمنى ان يرى انتخابات مثلها في بلده الهند. فماذا يضير ان اخذنا المهدي «سيد الاسم» بالمهاتما غاندي، والصادق بجواهر لال نهرو الذي باعد بعد السماء عن الارض ما بين الحزب السياسي وما بين الديانات الهندية وما اكثرها، كما باعد ما بين الحزب والطوائف وما اعقدها. لذا لا خلاف على ما حققه الحزب للهند من تقدم كان لحزب الامة بحكم توزيع الادوار ان يعلي من شأن الاستقلال الوطني كاحدى ايجابياته كما كان بامكان الحزب الوطني الاتحادي ان يعمل وفق شعاره الانتخابي باعلان الوحدة مع مصر بعد الاستقلال مباشرة ولكن الحزب بعد متغيرات في الساحة المصرية اقتنع باعلان الاستقلال من داخل البرلمان. وكان ينبغي لحزب الامة ان يقدر ذلك التنازل بتنازلات متبادلة لصالح الوطن، لكن ظل مستمرئاً في العداء حتى اليوم ووقع اسيرا في تطاحن طاحونة الطائفية برحايتها «الختمية» و«الانصار» واضحى حزب الاغلبية الشعبية الكاسحة التركة المثقلة التي اغتنماها معاً. ان اكبر مشكل اقعد بوادي النيل عن ركب التقدم الحضاري هو «التمركز الذاتي» حول «الأنا» كما تفضلت ام سلمى بالقول في مقالها: «كما انني اعتقد ان السودان بلد رسالي! وقد وجد ليحقق معاني معينة»!؟! فمن ارسله؟ وما هي رسالة المعاني المعينة لتحقق؟ فهل يا ترى تركيا غير ذات رسالة معينة؟ وهل ماليزيا غير ذات رسالة برسول اسمه مهاتير محمد؟ كما نلمس ذلك «التمركز الذاتي» ايضا في شمال الوادي الذي جعل من موقعها ام الدنيا وكأن غير تلك الدنيا هم اللقطاء ابناء الانابيب. لقد آن الاوان ان نقلع عن مرض «جنون العظمة» و«مرض الاضطهاد» الذي يصور لصاحبه اوهام ان الجميع يكرهونه ويستهدفونه بالاصفاد! كما تضيف ام سلمى قائلة: «ما وقر في قلبي من ان حزب الامة حزب مستهدف منذ انشائه»!؟ وهي لا تدرك بالتقدير الصحيح بان حزب الامة شأنه شأن حزب الشعب الديمقراطي قد تأسسا على ارضية طائفية لا قومية بعكس دعوة السيد محمد احمد المهدي التي وحد بها كل ابناء الوطن من شماله الى جنوبه للخلاص من مستعمر بغيض. فهل يا سيدتي بامكان الصادق ان يخرج من جلباب طائفته؟ كما هو الشأن بالنسبة لمحمد عثمان الميرغني، الذي لن يستطيع ان يخرج من جلباب ابو جلابية. وهذا لعمري هي طقوس الطائفية التي لا تتساهل مع من يخرج عن الراتب او الليلية.. ولذلك من المحال باية حال من الاحوال ان يجعل من نفسه حزب ما، حزبا قوميا سداته ولحمته طائفية كما لا يمكن خلط الزيت بالماء. ٭ عزيزتي أم سلمى: بغض النظر عن رأيي الخاص او رأي ابو موسى الاشعري الذي قلب ملفات الساسة والسياسيين وتفضلت بالرد عليه، بل وبعيدا حتى عن رأيك الخاص اسمحي لنا ان نقف على مواقف ووقائع بعيداً عن سنة الاجتهاد، اكتفاءاً باضابير التاريخ في الرصد. كما نوهنا هنا لا يختلف مختلفان في عبقرية الصادق المهدي الفكرية، ولو تفرغ لذلك منذ البدء لكان اليوم شيئاً مذكوراً بافضل مما ذكر. اما السياسة فلم يكن مؤهلا لها ولا هو من اهلها وليته اكتفى بعبرة اول درس تعلمه منها، كما ذكر ذلك بنفسه، يوم اتفق بعد التخرج مباشرة مع السيد حسن الترابي بلندن على توزيع الادوار ما بينهما، ان يتولى الترابي الارشاد الديني الصحيح لطائفة الانصار، وان يتولى هو الشأن السياسي لتمخر المركب بهما اعالي البحار. اتفاق اشبه ما يكون باتفاق «توم» آند «جيري» على قرص الجبن، ولهذا وثق الصادق حبال المصاهرة والنسب ما بين الانصار والترابي، على الرغم من اعتراض بعض العائلة. ويفاجأ الصادق بعد هبة اكتوبر المجيدة بالترابي ضمن وفد جبهة الهيئات مترئساً جبهة الميثاق الاسلامي» السياسية! فمن المخطئ يا ترى في التقدير؟ بعد التخرج وعودته من بريطانيا على عجلة من امره كان بامكانه ان يظل دوره برلمانيا او الى ما بعدها بالتلمذة بجانب رجل الحزب الاول محمد احمد محجوب لاكتساب خبرة والتزود بكل ما هو مطلوب. ولكن العجلة في الامر قضت بازاحة المحجوب من الحزب وقد قال قولته المشهورة «اني والله لاخشى على السودان من هذا الفتى الغرير». عجالة قضت ان يخرجوا نائباً من البرلمان ليحل هو مكانه! كتبنا كثيراً عن الاثبات العملي الذي فاصل به العبقري الاول والاخير من اصطفاه خالق ليختم به جل وعلا رسالاته والتحبير، المصطفى صلى الله عليه وسلم، اذ فاصل ما بين السياسة والدين، فالسياسة متى ما صلحت كانت الاداة الطيعة لخدمة الدين وترسيخه لتمكين، يوم وجد «ص» كل الصحابة رضي الله عنهم بقيادة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وقد شكلوا جبهة الرفض السياسية لاتفاق صلح الحديبية، ولم يجد مناصرا سياسياً بجانبه الا ابو بكر الصديق رضي الله عنه وحين اشتد اوار الازمة السياسية باعتراض عمر ما هذا يا ابو بكر؟ انبيع ديننا بدنيانا؟ السنا على حق وهم على باطل؟ اليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟.. لا يملك ابو بكر رضي الله عنه الا ان يرد قائلاً: اجل يا عمر ولكن رسول الله «واللحظة» الفارقة هنا ما بين ما هو سياسي وما هو ديني لم يلجأ المصطفى ص الا لخير مستشار سياسي حليلته رضي الله عنها السيدة ام سلمى، يا ام سلمى فما بال هؤلاء القوم؟ ويا له من مستشار حين نصحت قائلة: يا رسول الله بهم ما بهم فدعهم حتى الغد، وبالفعل اتى الغد بارخاء كل شد. اقول ذلك بمناسبة مشادة الصادق ومنازعته لعمه الهادي المهدي، والذي كان مهيئاً بطبعه لامامة الانصار، لكن ما العمل مع اطماع الصادق للاستحواذ على كل شؤون الدار، وجمع ما بين الزعامة والامامة! وكان الثمن ان انقسم الحزب على نفسه ودفع الثمن في الثمن ان انقسم الحزب على نفسه ودفع الثمن في اول انتخابات تالية، اذ لم يحصل امة الصادق الا على 54 مقعداً، وامة الامام على 03 مقعداً بينما نال الاتحادي الديمقراطي 101 مقعداً، ولما كان رئيسه الازهري هو ايضاً مولعاً بالرئاسة اكتفى برئاسة «السيادة» وترك رئاسة الوزراء للسيد المحجوب في حكومة ائتلافية، وقبع الصادق في كرسي المعارضة، وظلت المناكفات ما بين الحكومة والسيادة كما حدث في مؤتمر القمة المهم الذي عقد بالخرطوم بعد النكسة. لو كان برأس الصادق المهدي اذناً صاغية لابن عمه وزير الداخلية حين حذره من تآمر ليلي يحاك ضد الديمقراطية، لتغير وجه التاريخ السوداني ولما دخل عتمة ليل لاهية. التاريخ لن يقفز يا سيدتي مهما جامل الصادق فيما كتبه بان الصادق المهدي دشن حملته الانتخابية الاخيرة بشعار «قوانين سبتمبر لا تساوي الحبر الذي كتبت به، ويجب ازالتها فوراً». والشعب الصدوق صدق الصادق واعطاه الاغلبية، التي شكل بها حكومته. وكان بامكانه قبل الجلوس على كرسي مجلس الوزراء ان يأمر بازالة تلك القوانين والرجوع الى ما قبلها من قوانين حتى تتوصل الامة الى دستور مرتضى من الجميع، اما ذريعة ان الشعب لم يعطه الاغلبية المطلقة التي تمكنه من الازالة، فهي ذريعة مرفوضة لان الحزب الآخر كان أشد حرصاً على الازالة بدليل حين اتى ابو هاشم براية سلام جون قرنق من الحبشة بشرط ازالة القوانين سيئة السمعة لم يبارح الصادق محطة المناورة. 6- ومع ذلك يا سيدتي: فإن كرة الثلج الضخمة والتي ما برحت في زيادة حجمها بالتدحرج المتواصل حتى اليوم، لا ينبغي ان نرمي بتبعاتها على الصادق المهدي وحده، فالتدحرج الذي بدأ مع انطلاق عيد الاستقلال ساهم فيه الجميع ولم يستطع احد او نظام حتى من مجرد وقف هذا التدحرج بمنعرج اللوى. دع عنك ان يرجع الكرة لمكانها كما حاول سيزيف من قبل، الى ان صارت الكرة بذلك الحجم الذي يشابه الصقر الكبير الآن.