عقدت مجموعة من رؤساء التحرير وقيادات صحف سياسية لقاءً أمس للمدارسة حول قرار وزارة العدل الأخير بإنشاء نيابة للصحافة في ولاية الجزيرة،وناقش الاجتماع كذلك بعض القضايا المرتبطة بالمهنة والتحديات التي تواجهها،وأقر المجتمعون بعد تشاور مع زملائهم الذين حالت ظروف عملية دون مشاركتهم تبني خطوات عملية لمناهضة قرار وزارة العدل ستعلن في حينها،والتحرك الجماعي لاصلاح أوضاع تحتاج الى مواقف ايجابية من أجل المصلحة العامة. وكنت قد كتبت سطورا في منتصف فبراير الماضي حول القرار وناقشت بعد ذلك مسؤولين في وزارة العدل لكني لم اقتنع بدوافعهم لاعتقادي أنها لا تنطلق من قاعدة قانونية سليمة ولا يسندها منطق. وبهذه المناسية نعيد ما نشر في 15 فبراير الماضي. تلقيت عشرات المحادثات والرسائل غالبيتها من صحفيين ومهتمين بالمهنة وخبراء وقانونيين حول وضع الحريات الصحفية بعد ما أطلعوا على تعليق دبلوماسيين أجانب،والتقرير الأخير الذي اصدرته جماعة "مراسلون بلاد حدود" الذي حوى رصدا لواقع الصحافة في 177 دولة حول العالم، وجاء السودان في المركز 170. تباينت مواقف من اتصلوا تجاه القضية من زوايا مختلفة لكنهم يتفقون في أن تقييم الحريات لن يكون مكتملا في حال لم يشمل ذلك البيئة السياسية والقانونية المرتبطة بالتشريعات، ثم ممارسة الجهات الرسمية المعنية التي تتعامل مع الصحف، والقيود العملية والخطوط الحمراء التي تحددها السلطات بجانب التأثير المباشر وغير المباشر على الصحف سواء عبر الدعم وأساليب الترغيب والترهيب ضمنا وتصريحا،ويرون أن تلك العناصر محددات للعمل الصحفي. وينبغي أن تكون أكثر الجهات والمؤسسات حساسية تجاه الحريات الصحفية هي الجهات القانونية والعدلية باعتبار أن التقارير الاقليمية والدولية عن حرية النشر تؤثر بصورة مباشرة على صورة البلاد،وأن تلك الجهات مطلوب منها بحكم مسؤوليتها الرد على التقارير السالبة،ولكن يبدو أن وزارة العدل في وادٍ مختلف وتعيش في عالمها الخاص. ما حملني على هذا الاعتقاد هو القرار الذي أصدرته الإدارة القانونية بولاية الجزيرة بتأسيس نيابة جنائية متخصصة للصحافة والمطبوعات بولاية الجزيرة بناءً على أمر التأسيس رقم 2 لسنة 2012م الصادر من وزير العدل، وحدد قرار وزير العدل اختصاصات وكالة نيابة الصحافة والمطبوعات بولاية الجزيرة. ما يلاحظه كل من يعرف مبادىء القانون أن قرار وزير العدل خالف قانون الصحافة الذي حدد انشاء نيابة مختصة للصحافة ومقر عملها واختصاصها،وكذا أمر تأسيس نيابة الصحافة والمطبوعات وكان يمكن للوزير اصدار قراره، بعد الغاء أمر تأسيس النيابة حتى يتيح لكل الولايات أن تحذو حذو ولاية الجزيرة،كما أن هناك سابقة أرساها وزير العدل السابق عبد الباسط سبدرات في العام 2003،والمدعي العام السابق صلاح أبوزيد بتركيز نيابة الصحافة والنشر بالخرطوم باعتبارها مقر المؤسسات الصحفية ودور النشر والمطابع والتوزيع التي يمكن أن يشملها الاتهام حسب قانون الصحافة والقانون الجنائي. هذا في ما يتصل بالقانون ،أما المنطق الذي تدفع به وزارة العدل في أنها تراعى مصلحة الشاكي سواء كان مواطنا أو مؤسسة حكومية أو أية جهة رسمية، والمتهم "الصحف"،هذا حديث حق أريد به باطل،فهل شكا اي مواطن لوزارة العدل من أنه يجد عنتا ومشقة،ومن أين توفر النيابات أموالا لترحيل رؤساء التحرير والصحفيين الى الجنينة أو مدني أو بورتسودان أو غيرها للتحري معهم هناك، وهل للنيابات ميزانيات لتسيير عملها ..؟ لا أشك ولكني متيقن أن النيابات ليس لديها الامكانات التي تمكنها من ذلك، لذا سيتولي المسؤولون المتحمسون للخطوة نفقات "الترحيل الاجباري". والقاعدة القانونية السليمة أن يدون البلاغ في موطن اقامة المدعى عليه،كما أن الأصلح ينبغي أن يكون للمدعى عليه أو المتهم، أي تدوين الاتهام في موقع المتهم (دائرة الاختصاص)،وقدد حدد قانون الصحافة وهو قانون خاص موقع النيابة المختصة وكذلك المحكمة. الحقيقة التي لا تريد وزارة العدل الجهر بها أن هناك من يريد تخويف الصحفيين بالبهدلة والجرجرة وارهابهم واذلالهم باقتيادهم مخفورين الى الولايات ،وقد حاول بعضهم ذلك خلال المرحلة السابقة ولكنهم لم يستطيعوا تطويع القانون لصالحهم ولم توافقهم وزارة العدل في وقت سابق على أهوائهم. نرجو أن تراجع وزارة العدل قرارها،وألا تستجيب لرغبات بعض من يخشون الكلمة الحرة والنقد وكشف سوءاتهم، فيسعون الى تكميم الأفواه،وقمع الصحفيين ولكن بالقانون كما قال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، عندما خرجت تظاهرة ضده فألقى كلمة عبر الاذاعة متوعدا مناهضيه "سنفرمهم .. ولكن بالقانون". أخي الوزير دوسة .. سبدرات وصلاح أبوزيد لم يفت عليهما منطقكم، وكانا يراعيان مصلحة الشاكي والمتهم، ويفهمان القانون روحا ونصا،ولا تعوزهما الخبرة وحسن التقدير.