*كل مواليد بداية ستينيات القرن الماضى والذين بلغوا سن النضج مع بدايات السبعينيات يتذكرون تلك العبارة التى تخرج بنبرة تجسد القوة والشموخ والثقة وهى التى تقول كلماتها ( أيها المواطنون الثوار الأحرار ) حيث كان وقتها الراحل المقيم المشير جعفر محمد نميرى ( يرحمه الله ويغفر اليه وينزله منزلة الصديقين والشهداء ) رئيسا للجمهورية والقائد العام لقوات الشعب المسلحة ورئيسا لمجلس الوزراء . تتكرر تلك العبارة كل شهر حيث كان هناك مبدأ للرئيس ( إسمه اللقاء الشهرى ) . فقد كانت خطاباته ومخاطبته تأتى حماسية فيها التفاؤل والتحذير والتهديد وفيها الوعود الصادقة البراقة وكانت محل إهتمام كافة أفراد الشعب السودانى *كانت إحتفالات ثورة مايو عيدا قوميا كبيرا ومناسبة ضخمة فقد كان الخامس والعشرون من مايو يوما تاريخيا وغيرعادي . أيام جميلة مضت لن ننسى ذكراها تلك التى كان فيها شباب الثورة هم الطلائع والرواد حيث كانوا يتميزون بأزيائهم الخضراء وإيمانهم التام بمايو وكانت الإذاعة تبث وبإستمرار الأغنيات التى تمجد ثورة مايو وقائدها ( يا مايو حبيب ذى أمى وأبوى ذى أختى وأخوى - فكرك وعيك ياريس - يا حارسنا وفارسنا ياجيشنا ومدارسنا - جبت اللقمة للجيعان والموية للعطشان - نقولها نعم وألف نعم ليك يا القائد الملهم - أبعاج أخوى يا دراج المحن ) *أيام مضيئات ستظل باقية فى ذكرى كل من عاصر تلك الفترة الزاهية فى تاريخ السودان ( أيام الداخليات بالمجان والعلاج بالبلاش وكان جنيهنا أحسن وأعلى من الدولار) كان المشير الراحل نميرى( يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته ) من أبرز وأقوى وأشهرالقادة الأفارقة فقد كانت له هيبة تميزه عن بقية الرؤساء فى تلك الفترة وكان صاحب شخصية قوية ومواقف ثابتة يحفظها له التاريخ كان عملاقا ويروى الرواة عنه حكايات أشبه بالأساطير خاصة فى تعامله مع الوزير عندما يخطئ *كانت رحلات السيد الرئيس للأقاليم وقتها تشكل برنامجا كاملا لأهل الأرياف ونذكر أنه عندما كان يزور ولاية الجزيرة يحرص على الوصول إليها بشارع مدنى وكان يحتاج لأكثر من خمسة عشر ساعة ليصل وذلك لأن كافة القرى والمدن تخرج لإستقباله وتحيته بل ورؤيته وكان ( أبعاج ) يتوقف فى كل قرية ومدينة و يرد على الحشود المستقبلة له عندما يطل برأسه خارج السيارة البوكس ويرفع عصاه ويلوح بها للجموع الهادرة التى تصفق وتهتف له وتكاد تحمل سيارته على أكتافها *يقول عنه المقربون منه أنه كان صاحب قرار ولا يرهن إرادته للسياسيين بمعنى أنه لا يتردد فى إتخاذ أية خطوة ويتعامل من منطلق أنه الأعلى مرتبة بحكم وضعه كرئيس . *يحسب التاريخ للراحل المشير جعفر محمد نميرى ( له الرحمة والمغفرة ) ونشهد له نحن أنه وكل العاملين أنه فجر الثورة الإسلامية وفرض أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ولم يأبه بتهديدات العالم الآخر الذى يحركه اللوبى الكنسى حينما أباد الخمور وأغلق الحانات والبارات وحارب الرزيلة وأنشأ محاكم العدالة الناجزة والتى كانت تجتهد فى حسم القضايا أولا بأول بلا تأجيل أو تعطيل أو ( جرجرة ) وكانوا قضاة تلك المحاكم من عمالقة القانون وقد لمعت أسماؤهم فى الوسط السودانى وأصبحوا نجوما أمثال ( مولانا المكاشفى طه الكباشى - ومولانا أبوقصيصة - مولانا فؤاد الأمين مولانا أحمد محجوب حاج نور - مولانا حافظ الشيخ الزاكى يرحم الله من قضى نحبه منهم ونسأله العافية والصحة للآخرين) *ثورة مايو ستبقى هى الحد الفاصل ومعها بدأت حياة جديدة للسودان والسودانيين وعهد حديث وفى تلك الحقبة بدأ العالم العربى فى النهوض بعد أن كان راكضا وفقيرا . تفجرت ثورة مايو لظروف وأسباب إستثنائية وكان لابد من بديل للوضع الذى سبقها بعد أن كانت الفوضى ( على وشك بل بدأت فى الإنتشار ) بالتالى لم يكن هناك خيار إلا بأن يتصدى العساكر للأمر ويحكموا سيطرتهم على زمام السلطة وهذا ما حدث *فى ذاك الوقت لمعت أسماء قادة مايو لا سيما وأنهم كانوا من أصحاب الشخصيات المتميزة يزينمهم الزى العسكرى حيث ( الكاكى الأصلى وفى الأكتاف الدبابير والشارات الحمراء والأوسمة ) ولم يكن المدنيون أقل شهرة وتألقا من العسكريين . كان وقتها الإسم يكتب كاملا فى إشارة للعزة والمعزة والشموخ ( جعفر محمد نميرى - خالد حسن عباس - زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر - أبوالقاسم محمد إبراهيم مامون عوض ابوزيد ) ولا ننسى المدنيين أمثال محمد الباقر أحمد - عمر الحاج موسى - جعفر محمد على بخيت - بهاء الدين محمد إدريس - عزالدين السيد - على محمد شمو - شريف التهامى - عبدالرحيم محمود - الراحل المهندس بابكر على التوم ) *خمسة وعشرون مايو ثورة خالدة ومجيدة وإسم كبير فى تاريخ السودان وأيا كان رأى البعض فيها إلا أنها حقيقة ثابتة *التهانى للمايويين بحلول عيدهم التاريخى ونقول لهم كل مايو وأنتم طيبون.