لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آخر رحلات العاشر من رمضان
صفحة تفاصيل...«160» دقيقة من الحريق والمعاناة «12» ...

لقد رحلوا عن هذه الدنيا لكن كلماتهم مازالت حية في رسائل ودفاتر ويوميات وذكريات الناجين والموتى، وفي الذكرى «29» تركت «الصحافة» منكوبي السودان المنسيون يصفون الحادثة كما عاشوها حتى لحظتهم الأخيرة عبر سرد تاريخي فوري ومؤثر جداً، والآن وبعد مرور «29» عاماً على الحادثة بات باستطاعتنا رسم صورة دقيقة لكارثة العاشر من رمضان المأساوية .. نعم رحلوا عننا ومع ذلك مازالت لديهم قصص يروونها، قصص تستحق أن نسمعها ونتذكرها من خلال اللحظات الأخيرة التي عاشوها أو من خلال كلماتهم الأخيرة التي نطقوا بها، مازالوا بعد موتهم احياءً وكلماتهم الملحة والصادقة والصريحة تشهد لهم .. ماذا قالوا؟، نحاول الإجابة على هذا السؤال، لقد جمعنا كلماتهم وما يرويه عنهم اقرباؤهم واحباؤهم واصدقاؤهم، هي قصص لم تكن لعامة الناس إلا أن أوان نشرها قد حان.
التاريخ على غرار الذاكرة انتقائي، فالمراسلون الصحافيون يراقبون، والمؤرخون يتخيلون، والجنود القدامى ينسجون قصصاً من تجاربهم الخاصة، إلا ان الناجين من الكارثة يعودون الى ديارهم ويتكلمون عما حدث ولا يمكنهم أبداً وصف حقيقة الكارثة، لأن التفاصيل المؤلمة تحذف ويضيع السياق والسرد التاريخي في هذا العدد الذي هو من أفضل الذكريات، لأنه يبتعد عن كونه ذكريات، فإنه أشبه بمجموعة روايات دون فيها الناجون ما حدث لهم لحظة حدوثه، والنتيجة نافذة على كارثة العاشر من رمضان، وما يبرز في هذه الصفحة هو الشعور بأن من ماتوا في العاشر من رمضان هم فعلاً أفضل رجال ونساء السودان.
سيرة رجل شجاع كما ترويها ناجية
حسن مصطفى خالد.. الأبطال يموتون مبكراً
المعلمون طلائع التنوير ودورهم يتعدى وظيفتهم الاساسية من التدريس والتعليم الى تغيير المجتمع المحيط بهم، وياتي مدير مدرسة الخير حاج موسى الثانوية الأستاذ حسن مصطفى خالد في عداد من كانت همته استنارة المجتمع عبر تعليم ابناء منطقته، وقصة حسن مصطفى تكاد تشبه أبطال الإغريق الذين يموتون مبكراً وهم على سلم النجاح، وبوادر نبوغهم تؤكد انهم سيغيرون طريقة حياتنا في مجال عملهم.
لا يوجد افضل من يحكي عن أستاذ حسن مصطفى سوى آمال ياسين حسين الطالبة الناجية من حادثة العاشر من رمضان والاختصاصي الاجتماعي التي فقدت «47» من صويحباتها، تقول آمال انها
مازالت تتذكر تلك الوقائع وكانها تعيشها اليوم، مشيرة الى ان الحادثة مازالت توثر في حياتها الى الآن ، وتوضح آمال انجازات مدير المدرسة حسن مصطفى، وتقول إن التعليم لم يكن متوفراً آنذاك، وقد اتاح الفرص للجميع للتعلم بمدرسته، مؤكدة ان المدرسة كانت تقبل الطالبات من مناطق الحاج يوسف وأم دوم وقرى بحري وود رملي، وكن يدرسن بالمدرسة، وبعضهن تمت استضافتهن بعض الأسر في الجريف، مشيرة الى انه كان عبقرياً ومليئاً بالرغبة في تعليم الجميع، وبذل جهوداً جبارة في سبيل تعليم بنات الجريف شرق.
وابانت آمال أن أستاذ مصطفى كان مهتماً بإعطاء الدروس الإضافية لطلاب وطالبات الجريف دون قبول أي أجر، واكدت أنه يعطي دروسا لتلاميذ المنطقة في مرحلة الاساس والمتوسطة والثانوي.
ترى هل كان استاذ مصطفى عظيماً لتلك الدرجة التي تؤهله لوضع بصمته الخاصة في قضايا التعليم؟ تجيب آمال بالقول إنه وهب حياته للتعليم، ولولا وفاته لتغيرت خريطة التعليم بالبلاد، فقد كان من المنتظر أن يكون له شأن في التعليم.
وتتذكر آمال أن أستاذ حسن حدثهم عن القبة السماوية بالقاهرة، ورأوها عند زيارة القاهرة، مضيفة: امكننا رؤية المواسم الاربعة وتعاقب الليل والنهار، وذهب بنا الى القناطر الخيرية والاسكندرية وحي المعادي، حيث المكان الذي تدور فيه احداث المغامرون الخمسة الذين منهم تختخ ونوسة ولوزة،
اعطيتها نسخة من اسماء تلميذات الجريف اللائي توفين في الباخرة .. نظرت الى القائمة وصمتت لدقيقة وانهمرت دموع غزيرة من عينيها التي لم تر رفيقاتها للأبد، وقالت: مازالت صورة صديقاتي سناء من بحري وكلتوم واسمهان جبريل من الجريف غرب، وهالة طه من كوبر، وأشارت الى اسم سهير عثمان ومنى عثمان وقالت انهما من العيلفون وبالرغم من تشابه اسماء أبويهما الا إنهما غير شقيقتين.
ويبدو انني فتحت نافذة في ذاكرتها كانت مغلقة لزمن طويل، وبدون أن أسال اضافت أن الاحساس بالموت قبيل «24» ساعة من الحادثة كان يملأ صدورنا، وتتذكر لحظات عودتهن من القاهرة الى أسوان بالقطار، مشيرة الى انهن بعد ونسة عن ذكريات الرحلة ورد حديث عن الجنة، هنا تحدث استاذ حسن وبدأ يصنف من تكون في الجنة، وبدأت كل طالبة تسأله عن مكانها في الجنة، وعندما سألته عن مصيري قال لي بالجحيم، وكل من قال انها في الجنة توفيت في الحادثة، وكل من قال عنها إنها في الجحيم نجت من الموت، وبصوت متهدج تضيف: آخر من سألت كانت ندى عبد الله أحمد من الحاج يوسف، وقال لها المدير إنها في الجنة، وعندها قالت لي ندى أحس بقرب رحيلنا، وأوصتني أن أخبر والدتها بأن تدعو لها عند كل صلاة أن يرحمها الله.
وأبانت أن أستاذ حسن ظل طيلة فترة الرحلة في القاهرة يطلب منهن الحرص على ارتداء الثوب لانه يميزهن ويسترهن، مشيرة الى انهن كن يضعن ملايات لتكون ساترا اضافيا بينهن وباقي ركاب السفينة
وعن لحظة حدوث الكارثة تقول آمال إنها استيقظت والنيران محيطة بها، وهى في حالة من عدم ادراك ما الذي يحدث، وبينما هى في حالة ذهول دفع بها شخص الى الماء لا تعرف حتى الآن من هو، وداخل الماء احست انها تسير فوق اجساد الناس من شدة الازدحام، وبعد لحظات وجدت امامها امرأة تلبس فستاناً احمر وهى تدفع اربعة من اطفالها امامها وتحيط بهم بيديها واوضاع الاطفال مقلوبة على الظهر، طلبت منها المرأة أن تمسك بثوبها من الخلف مضيفة انها من انقذتها من الموت
وتسرد آمال بقية القصة وتقول: عندما وصلت الى البر القيت نظرة على الباخرة وكانت تشتعل بكاملها، وعندها رأيت استاذ حسن وهو يمسك بالشنطة الدبلوماسية، وكان مكتوبا عليها بقلم الشيني الرحلة، والتي تحوي امانات الطالبات، وكان سباحا ماهرا وعاش قرب النيل.. الم يكن بامكانه النجاة بنفسه لكنه آثر انقاذ طالباته او الموت معهن، وكان يؤمن بأن تؤدى الامانات الى اهلها وهؤلاء الطالبات كن اماناته، فظل وفيا لهن حتى لحظات الموت الاخيرة.. وتصفه بأنه كان رجلاً عظيماً، مشيرة الى انها لمدة ثلاث سنوات بعد الحادثة كانت تعتقد انه نجا، لأنه كان حريصاً وأميناً عليناً وعلمنا الكثير.
وعن اهمال المسؤولين تقول: لم يهتم بنا احد منهم ولم تسأل عنا وزارة التربية والتعليم، وحدهم المصريون اهتموا بنا وحضرت الينا وزيرة التأمينات الاجتماعية المصرية آمال عثمان، ومنحتنا نقودا وملابس، ولم يشرف أي من مسؤولي التربية تأبين شهيدات المدرسة.
وتمنت آمال تضمين حادثة العاشر من رمضان في المنهج الدراسي، والنظر إلى استاذ حسن مصطفى أحد ابطال التعليم والبلاد، وقالت إن نصيبها من التعويضات سيذهب لبناء فصل يحمل اسم الاستاذ حسن مصطفى.
قصص الغرق بكلمات الموتى الأحياء
ناجٍ: من رحلوا ماتوا مرة واحدة.. بينما نحن نموت في اليوم الواحد عشرات المرات
بعد استماعي الى عدة ناجين عن كيفية حدوث الحريق والغرق والطريقة التي فلت فيها زمام الباخرة وجعلها تلوذ بعيدا في البحر، لازمني سؤال محير ما الذي حدث للركاب عند لحظات الحريق والغرق؟ وكيف عايشوا اللحظات الاخيرة في حياتهم، ترى ما الاصوات التي سمعوها وماذا كان احساسهم عندها، ولعلني ادرك ان مجرد التفكير في الظروف التي قضى بها هؤلاء نحبهم حتى بعد مضي ثلاثين عاماً يوقع في النفس شعورا بالرهبة، ولم يكن هناك بد من المضي في الطريق ومقابلة اهم ناج من الحادثة، لجهة انه ساهم في انقاذ البعض وشارك في دفن الموتى، انه الضابط المتقاعد وعامل البناء في الوقت نفسه عمر كمال الدين الطيب، الذي قال: إننا تحركنا عصر يوم الثالت والعشرين من مايو، ومن المتوقع وصولنا وادي حلفا يوم الخميس، حيث ينتظرنا قطار ليقلنا الى الخرطوم، وعندما تبقت لنا اربع ساعات للوصول، وكان ذلك في الفترة ما بين المغرب والعشاء، رست الباخرة عند جبل، وعند الساعة الواحدة صباحا سمعنا صرخات، وفي البدء ظننت انها صرخات تحذير من اللصوص، إلا اننا تأكدنا انها صيحات تحذير من الحريق. وكشف عمر كمال الدين ان العاشر من رمضان كانت عبارة عن الباخرة الأم وصندلين بالجانبين، وفي الوسط مخزن صغير، والباخرة مكونة من طابقين، وقد رست على بعد 10 امتار من جانب الجبل. والحريق كان بسبب أنابيب الغاز والبترول في مخزن السفينة.
وكشف عمر أنه رأى البعض يقفز إلى البر دون أن تبلل ملابسه، وان اغلب الناس سقطوا في الماء خشية الحريق. واكد ان الكارثة تفاقمت عندما انقطع الحبل الذي يربط السفينة بالجبل بعد وصول نيران الحريق اليه، عندها شاهد عمر الباخرة تمضي وهى مشتعلة في عكس اتجاه مجري النيل وعلى متنها اشخاص، وأكد أن طاقم الباخرة استغلوا قارب النجاة الوحيد حيث ركب فيه الطاقم وولوا هاربين، ولم تكن هناك عوامات.
وأوضح عمر كمال الدين انه بعيد صلاة الصبح وصلت الضفادع البشرية المصرية، وبدأت في استخراج الجثث. واشاد بمواطني ابو سمبل الذين قاموا بمواساة الناجين ولبسوا الأسود حدادا، مضيفا: لقد فتحوا لنا مدارسهم وبيوتهم.
وكشف عمر انه طيلة فترة الرحلة كانت طالبات مدرسة الجريف يضرب بهن المثل في الانضباط. وأبان أن حسن مصطفى خالد مدير المدرسة كان حريصاً على الطالبات، وفي احدى المرات اخبره عن ضرورة توصيل الطالبات لاهلهن سالمات، وأوضح ان الطالبة آمال ياسين اصرت على ضرورة احضار حسن مصطفى فقد كانت تعتقد انه حي.
ويؤكد عمر أنهم حرصوا على دفن الجثث كل اربعة اشخاص دفناهم مع بعض، وكتبنا على كل جثة اسم صاحبها، ومن دفناهم اخبرنا اهليهم بوقائع الدفن، ومعظم الاسر كنت اعرفها لذلك زرتهم، وطمأنت الجميع في حلة كوكو والعيلون والحاج يوسف والجريف إلى أننا سترنا موتاهم.
وعن ذكرياته عن الحادثة يقول عمر: كانت كانها رحلة فراق، والذين رحلوا ماتوا مرة واحدة بينما نحن الناجين نموت في اليوم الواحد عشرات المرات.. ومازلت استذكرهم واحفظ كلماتهم، ومازلت أذكر المرحوم التيجاني عثمان حيث اننا متزوجان من توأم، والتيجاني تركت ابنته رحاب في عهدة زوجتي وكان عمرها عاماً وعشرة اشهر، والآن اكملت الجامعة وتزوجت وانجبت بنتا وولداً وكنا انا وعثمان مشهورين ببناء بيوت الناس في أوقات فراغنا.. معظم بيوت الجريف شرق بنيناها انا والمرحوم.
ويكشف عمر انه كان ينتسب لجامعة القاهرة فرع الخرطوم، إلا انه بعد الحادثة لم يستطع المواصلة، مضيفاً أن ارواح من فقدتهم في الكارثة مازالت تلازمني طويلاً، مشيراً إلى أن الطالب عيدروس ومحمد نور الجليل قبيل نصف ساعة من الحادثة حضرا الى وطلبا مني بنادول للزميل عيدروس المريض، واخبراه انهما اضطرا لربطه على السرير خشية وقوعه في البحر، وعند حدوث الحريق ساعداه على النزول من الباخرة الى المياه، إلا ان المريض نجا بينما مات الاثنان.
ويسرد عمر تفاصيل عن محمد نور الجليل الذي كان سائقا لبص طالبات المدرسة، ويكشف انه: «لم يسافر معنا بيد اننا صادفناه في القاهرة ورجع معنا بعد ان كان في مهمة شراء اسبيرات لبص المدرسة».
آسيا الامين من ام ضواً بان نجت من الحريق والغرق، وتوفى زوجها الاستاذ حامد خالد، إلا انها توفيت بعد عشرين عاما في نفس توقيت الحادثة في 2003م. وزوجها حامد هو من وضع حنة زواجي.
الطالبة مها حامد عندما استخرجنا جثتها كانت ممسكة بكلتا يديها بنسخة من المصحف الشريف، بينما ابتسام وسهير فرج الله توفين بعد وقت قصير من خروجهما من الماء.
قبيل الحادثة بساعات كانت حالة من الحزن اطبقت على الطالبات، وكل واحدة بدأت باستذكار الايام الماضية، والاستاذة راشدة التوم كانت محتارة في باقي النقود المصرية التي تبقت لها، وفجأة صاحت «خربانة ام بناية قش»، وتساءلت: مالكم واجمون، صاح الجميع محتارين كيف نودع بعض، قلت لهم انتو ماشين الآخرة ولا شنو؟
ومازلت الى اليوم اعتقد ان البحر احترق.. اول مرة ارى بحرا يحترق بكل معنى الكلمة .. كنت اعتقد ان المياه تطفئ النار إلا انه في تلك الليلة جرت النار في المياه ... الباخرة بعد الحريق كانت تحمل عظمة الناس وتمضي عكس اتجاه النيل، وكأنها في رحلة العودة الى السودان.
الصور التذكارية ومستندات المسافرين تطفو على سطح الماء وهناك صورة امرأة .. ولولا لطف الله لجننت لحظتها.. عندما تقف وحيداً في البر وتفارق الأشخاص الذين كانوا برفقتك قبيل ثوانٍ يكون الأمر صعباً للغاية
ما لا نعرفه عن أيقونة النيل
في الساعة الواحدة والنصف من صبيحة يوم 25 مايو 1983م احترقت الباخرة واختفت آخذة معها أرواح أكثر من «320» شخصاً، وتركت ما ينيف على «325» من الناجين على حافة تجرع الكارثة مع كل لحظة يعيشونها في حياتهم .. قربت اليهم وذوي الضحايا معنى الحرمان وافتقاد الأب والابن والزوجة والصديق والجار، ومازالت قصة أكبر كارثة باخرة في تاريخ السودان تمخر عباب النيل تستأثر باهتمامي وتلهب خيالي، ولدى اعتقاد ان المآل الذي آلت اليه السفينة وحالة النكران والنسيان هو ما جعلها محط اهتمامي، وللبعض وأنا منهم ان ما يهمهم من العاشر من رمضان هو القصص المتعلقة بالركاب الذين كانوا على متنها.
استغرق الأمر ساعتين ونصف الساعة، وهو وقت كافٍ لينسج كل من الركاب قصته الملحمية ويجسدها بنفسه تحت اضواء حريق الباخرة التي ظلت مشتعلة في عتمة ليل بحيرة ناصر، ومعظم الركاب تحلوا بالمروءة، وتحول العديد منهم الى ابطال.. ولقد ارتبط اسم اكبر باخرة تغرق في تاريخ السودان بمعانٍ ودلالات وأمور كثيرة، حيث لا يعرف حتى الآن أين يوجد حطامها، وتارة أخرى موضع جدل قانوني داخل قاعات المحاكم عن تعويض تأخر أكثر من «29» عاماً.
ردود الأفعال في أعقاب الكارثة
نكبت الباخرة العاشر من رمضان واحترق وغرق اكثر من نصف ركابها، إلا ان ردة الفعل كانت مختلفة من القائمين على امر السفينة ومن متخذي القرار في البلدين.
فقد لاذ طاقم الباخرة بالفرار بقارب النجاة الوحيد عند بدء نشوب الحريق، ولم يحاولوا اطفاءه، بينما لبس سكان مدينة ابو سمبل الاسود حدادا على الموتى، وفتحت ابواب المدارس والمنازل لاستضافة الناجين إلى حين ترحيلهم، ووصلت الى ابو سمبل وزيرة التأمينات الاجتماعية المصرية آمال عثمان، وزارت الناجين ومعها وزير الداخلية حسن ابو باشا، ووزير الحكم المحلي المصري سعد مأمون، ويذهب أحمد شيخ إدريس وزير الدولة للشؤون الادارية في ذات الاتجاه ويقدم واجب العزاء للاسر المنكوبة في كل من حلة كوكو والجريف شرق وأم دوم والقوز في يوم 28 مايو، وأرسل الملك حسين والرئيس النيجيري حسين كونش تعازيهم الى السودان، بينما استمر الرئيسان المصري حسن مبارك وجعفر النميري في مواصلة اجتماعهما، وخاطبا برلمان وادي النيل في يوم 26 مايو، وابلغا بالحادثة بعد مرور اكثر من «24» ساعة بعد وقوعها، ولم يقم الرئيس نميري بقطع المباحثات او الذهاب الى ابو سمبل لمتابعة احوال الناجين او الضحايا.
اللحظات الأخيرة
باخرة من طابقين وصندلين على كل جانب خالية من أية قوارب نجاة أو سترات حريق وبدون أية معدات إطفاء أو سلامة، وتفتقر إلى أجهزة اتصال لاسلكي .. في الحقيقة كانت الباخرة تخلو من كل شيء الا من اسمها.. «الصحافة» تسرد اللحظات الأخيرة للباخرة.
23 مايو 1983م الساعة 4:00 عصراً تغادر الباخرة مدينة أسوان.
24 مايو الساعة الخامسة عصراً تصل الى أبو سمبل.
الساعة السابعة مساءً ترسو الباخرة على أحد الجبال.
25 مايو الساعة 1:20 صباحاً شب حريق في مخزن في الطابق السفلي للباخرة.
الساعة 15: 2 صباحاً وصول أول قارب إنقاذ من شرطة أبو سمبل.
الساعة العاشرة صباحاً بدء دفن ضحايا الحادثة بمقبرة خاصة سميت مقبرة الشهداء بأبو سمبل.
26 مايو بدء وصول بعض الناجين عبر الطيران الحربي المصري إلى الخرطوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.