٭ عدت إلى أهلي بعد غيبة ليست بالطويلة، كنت خلالها أمارس عملي في الخرطوم.. ومن خلال وجودي بالعاصمة تعلمت الكثير وغاب عني الكثير.. ولكن تلك قصة أخرى سأعود إليها لاحقاً.. المهم انني عدت إلى أهلي في تلك القرية الواقعة في القسم الأول من مشروع الرهد الزراعي محلية الفاو وهي القرية (4). ٭ عدت إليهم وأنا أحن إليهم وأحلم بهم.. ولكنني تفاجأت بأن أمطاراً وأعاصير قد ضربتهم فدمرت كل خدماتهم وأحدثت أضراراً كبيرة وسط المواطنين. ٭ المدارس هوت سقوفها وميز المعلمين ومنزل الطبيب وأن كثيراً من المواطنين فقدوا منازلهم وأسوارهم وبقالاتهم.. ٭ صحيح انني أكتب عن آلام الوطن وجراحاته ومأساته ولكن عندما أكتب عن مأساة القرية (4) فإن الكتابة هنا تستمد قوتها من الحب والحنين المتجذر في النفس لترابها لمزارعها الخضراء.. للطفولة.. لصوت والدي الذي تعلمت منه رباطة الجأش والتحمل والاعتماد على الذات.. ٭ نعم عندما أكتب عن مأساة القرية (4) أكتب بمداد من دموع الصادقين وهي دموع عصية ولكنها إذا أنهمرت تكون أصدق في زمن صعب تمرغ في الكذب كذب التقارير الحكومية التي كثيراً ما تتوشح ثوباً أغبشَ ضبابياً بعيد كل البعد عن الشفافية.. ٭ كم كنت أتمنى أن يحضر السيد معتمد محلية الفاو بنفسه وليقف على حجم الأضرار ويتفقد رعاياه ولكنه غاب لأسباب غير معروفة لدينا حتى الآن.. ٭ ان مسؤولاً لا يتفقد رعاياه في مثل هذه الظروف لا أعتقد بأن يكون له مستقبلاً زاهراً ومشرفاً.. ٭ عزيزي معتمد محلية الفاو للأمانة والتاريخ ما سمعته من المواطنين عنك في الفترة الماضية مشرف جداً ولكن لماذا غبت عن تفقد مأساة أهلك في القرية (4). ٭ لابد أن نعكس مأساة هذه القرية على المستوى الولائي والمركزي لأنها قرية في بيئة ريفية غنية بعناصر العصامية ومنها عرفنا معنى الكفاح والصمود أمام الإحن والمحن ومنازلة صراعات الزمن.. ٭ إن أهلي هناك يؤمنون بأن الحياة كقطرات الماء تجف ولا تستحق أن تخسر فيها أحداً وهذه القناعة جعلت كل حقوقهم مهضومة ولا يناهضون هذا الظلم حتى بالوسائل السلمية، ثمانية عشر عاماً يستقطعون من أرباحهم من الأقطان استقطعوا منهم المليارات ولم تصلهم الكهرباء حتى الآن في الوقت الذي نجد فيه قرى في القضارف وغيرها من الولايات لم تدفع شيئاً وأخرى تدفع الفتات وتنعم بالكهرباء لسنوات خلت فأي ظلم أكبر هذا.. ٭ ان أمثال هؤلاء يدافع عنهم الله تعالى ويحاسب عن ظلمهم ولذلك لابد أن تعين الحكومة والياً أو معتمداً عليهم من يجمع في شخصيته بين الاخلاص والهمة والوطنية ولم تحجب عنه هموم رعاياه لأنه لا يكتفي بتقارير الموظفين ولا يغريه مكتبه البارد فينسى ما يعيش فيه رعاياه من فقر وتخلف وآلام ومأساة كالتي حدثت لأهلي بالقرية (4).. ٭ إن ما حدث في القرية (4) يحتاج لقلم بارع ليقوم بتصوير لبشاعة وجه المأساة وهي مأساة للأسف غابت عنها أرق المشاعر النبيلة والوفاء اللهم إلا من بعض المعلمين على مستوى المحلية أو على مستوى النقابة الفرعية من الذين هرعوا على جناح السرعة لتفقد زملائهم المعلمين فلهم شكر جزيل على هذه المشاعر النبيلة. ٭ إن غياب الوالي والمعتمد عن هذه المأساة ولد لدى المواطنين الضيق ونفاد الصبر والضجر وعندما غاب الدعم العاجل ظهر الحزن الذي يوفره الظلم.. وكل هذا أثار نوعاً من الأسى والمرارة في نفوس المواطنين الذين حبسوا وكبسوا وخنقوا.. وفي هذا الجو المشحون بالحزن وجدت أحد أعمامنا يمزج هذا العبوس الغاضب بنكات سياسية فكأنه يخزي نفسية المواطنين السيئة برؤوس الإبر.. ٭ ان واجب الحكومة الوقوف مع رعاياها في مثل هذه الحالات فنأمل المعالجة العاجلة والسريعة لأن الوضع لا يحتمل التأخير.. اللهم إني قد بلغت فأشهد.