(أنت سوداني وسوداني أنا ضمنا الوادي فمن يفصلنا...) من أدبيات الوحدة الوطنية ما قبل الانفصال.. مدخل: (2) (السرديات هي اكثر من كونها مجرد ترفيه، فهي الوسيلة التي تسعى بها الى فهم العالم...) الكاتب: آرثر آسا بيرغر (1) قصة دولة السودان دولتا السودان وجنوب السودان.. هما الاستثناء في كل شيء - في واقع الحياة وخاصة من حيث الوجود، فلا هما نتاج لرابط عقدي فقط.. ولا دعوة لمنظومة فكرية جمعت ما بينهما ولا آيديولوجيا سياسية .. بل وحدة وهوية لشعب واحد .. فحينما رسم المستعمر (البريطاني المصري) الحدود السيادية للدولة السودانية - لتصبح دولة مستقلة تحمل اسم السودان في المستقبل.. كانت حدوده التي اعتمدت في 1/1 1956م ممتدة من نمولي الى حلفا ومن الجنينة الى كسلا.. فهذه الرقعة الجغرافية كل من يضع ما بينهما فاصلاً ... حتى (ولو مداري)..!! فهو لا يدرك ماهية التوزيع الجغرافي للسكان ولا حتى المناخ.. او بالاصح الطقس.. ٭ فالسوداني بملامحه السمراء ، ومواقفه الانسانية النبيلة.. لا يمكن ان تشك ان فيه خصلة تقود الى الانفصال ونزعة لتعدد النسخ دون نسخة الوحدة الجاذبة.. خاصة في السيمة التي يمكن عبرها تشكيل ملامح الشخصية.. ودونكم تقاطيع الوجوه.. وهذا الحديث لا يحتاج الى (غلاط) ، ومن اراد ان يعرفه او يتأكد منه فليبعد من ذهنه ان هناك (معرة) اسمها اللون (حسب تدرج ألوان طيفه السبع)، دونما يفعل اهل (الغرض) من ادعياء العنصرية والنزعات العرقية - بل فلننظر بعين الرضى للانسان السوداني وعبر عين امينة للكاميرا - لنحدد من بعد من هو (السوداني الاصيل) فحتماً سوف نجد ان هناك لوحة مكتملة التشكيل وتامة للرؤية في البنيان، دونما شائبة للعداء المفتعل او التشويه المقصود من البعض.. وبجانب ما يجمع بينهما من ملامح هناك الانسجام الفطري ومستوى من الحركة لا يحتاج الى توصيف طبيعي، وما يؤكد اكثر هذا القول فعلينا بأخذ المقارنة ما بيننا والاخوة اصحاب البشرة السمراء في (الجارة) الشقيقة مصر.. ويدرك ذلك اكثر من توفرت له فرصة الركوب الى قطار الصعيد المصري متوجها من اسوان الى (القاهرة) وخاصة في مناطق (كوممبو والسد العالي..) - فصاحب البصيرة النافذة ليس في حاجة الى الفرز ما بين ما هو (نوبي مصري) و(نوبي سوداني) مهما تطابقت ما بينهما (الصبغة) اللونية او حتى ارتداء (زي الجلابية) - وما قادني الى الحديث عن الملامح هو ما جعل البعض من اللون معرة الى الانتقاص من قدر البعض من حقهم في اكتمال الحق الانساني بحق المواطنة واكتمال الشخصية في حسن التعامل بين الناس.. (2) الصور التاريخية للإنسان السوداني: كل الصور الذهنية التاريخية وحتى الفتوغرافية والتي تعكس الملامح السودانية منذ ان عرف السودان نظام الدولة الحديثة - لا نحتاج الى كثير عناء لنتعرف على ان هذه (الملامح ملامح) سودانية من واقع بوتقة الانصهار والانسجام التام في التكييف مع الواقع، ثم شكل التفرد الذي يقود الى التوحد لا يحتاج ايضا الى (تحرير شهادة ميلاد) - لنؤكد بها الهوية او ما معنى الاصالة السودانية؟!! بل هناك صفات جامعة لا خلاف حولها - تبدأ من الفروسية والثقافة الغذائية والكرم الحاتمي للضيف لتنتهي بمستوى من الثقة في الآخر من النادر جدا توفرها في اي بقعة من بقاع الارض - فكل من عاش في السودان ابان عهد المديريات وفي زمن الاقاليم - وما قبل (تقصير الظل الاداري).. لعلي الحاج محمد يجد ان هناك حيشان مفتوحة وديوان (فاتح على الشارع) لاستقبال الضيوف.. دونا حاجة حتى لسؤال عن هوية الضيف.. (لو عابر طريق او قاصد للمسيد) وهذا الواقع تؤكده مجموعة الإنتلجينسيا والتكنوقراط من المهنيين من اطباء ومهندسين واساتذة من جيل ما بعد (السودنة) وبناء البنيات التحتية لدولة المؤسسات في سودان 1/1/1956م، فمعاهد التربية في (بخت الرضا - الدلنج - شندي ...الخ) بجانب سكنات القشلاقات وبيوت السكة حديد وما صاحبها من استراحات وبيوت للموظفين ومراكز صحية للمرضى ومدارس اولية - تعكس لنا مدى الصور الزاهية للحديث عن الشهامة السودانية والقدرة على التعايش في كنف الوحدة الجاذبة.. وفي الدولة وروح المواطنة عبرما شكلته النوادي الثقافية للخريجين ودورها في الاستقلال ومساهمتها في بناء وتشكيل الاصالة غير المكررة بل والمتفردة والتي ما كنا في حاجة الى الحديث عنها لولا ان هناك بعض الناس - لا تحلى لهم الحياة الا بإدعاء التميز ونزعة التحلف بالاستعلاء ولا يطيب لهم (المعشر) الا في (جو) من العكننة التنظيمية وافتعال المعارك دونما معترك - وهؤلاء النشاز من البشر - الشخصية السودانية المفطورة على الوحدة والمعروفة غير معنية بمؤامراتهم العدائية ولا بدعاويهم الانفصالية - بل كل الذي مطلوب - هو العمل على عزلهم وابعاد هدفهم وآرائهم المتطرفة .. ليتأكد مدى ضعف تأثيرهم طالما ان كل الذي يعتمدون عليه في خطابهم هو العمل على دغدغة العواطف واثارة الشجون عبر مشروع التعبئة واشعال نيران الحرب والمتاجرة بدم الشهداء - باظهار الصور المأساوية في الحياة في (ساحات المعارك) وتلك سنة لسنا في مناص من معايشتها طالما ان (طبول الحرب) ما زال هناك من بين الطرفين من مازال يطرق عليها.. او يتاجر بدماء شبابها كوقود للنار وكسلعة للتكسب المادي والمعنوي (منو يا ... ) (الماعندو عزيز فقدوا في الحرب الاهلية)... ؟! .. يبقى اين مقام الشهداء وادعاء الايمان (بالقضية)؟! ام هنا تظهر معادن الايمانيين الحقيقية من الادعياء؟! وذاك مدخل الى (قيمة اليقين) بالرغم من الادعاء الزائف الى الايمان بقضية الدين ودفع ضريبة الوطن.. فاذا ابتعدنا عن مفهوم ( الصبر على المصائب) لدخلنا دونما شك في ما يسمى (بالشرك الخفي) ..! والعياذ بالله- فالانسان مفطور على النسيان لاعادة واصلاح كل تشويش يحدث في المعاملة ما بين ابناء آدم عليه السلام فمنذ حادثة (هابيل وقابيل) وما حدث من قتل (اخ لأخيه) كان لابد من البحث عن طريقة الى اعادة الوضع الى التعايش السلمي والامان - لذا كانت الضرورة في نموذج دفن الغراب لصنوه ليتعلم الانسان او ابن آدم من دروس الطبيعة - كيفية مواراة المرارات حتى الجثامين - لتبدأ من بعد الحياة دورتها من جديد .. فالموت مهما كانت قسوته فهو محطة من محطات النسيان المفطور عليه الانسان - وابن آدم المكرم. ٭ لذا لابد من الانفكاك من عقد (المأساة) التاريخية (لمشروع الانتباهة العدمي) والذي ما انفك يساهم باستمرار في تشويه صورة الشخصية السودانية المفطورة على دافع الوحدة دون دافع الخصام - وعلى الدعوة الى الحياة وعيشها دون الدعوة الى العدم والموت والشروع في حفر القبور من قبل اوان الرحيل الختمي لكل انسان في الوجود. (3) الهوية السودانية والخوارج الجدد: ما قادني الى الكتابة والى هذه السلسلة الطويلة من مقالات الحديث عن الهوية السودانية هو التأكيد على مدى اصالتها والتي لا تحتاج الى (تأصيل) .. ٭ بل هناك اصرار من البعض على ادعاء العنصرية خاصة اهل وكتاب (الصحيفة الغافلة) من الطارقين على (دق الخصومة) العرقي سدنة الصراع الديني من اصحاب التاريخ الاسود بالعمل على زرع الفتنة بين شعب السودان الواحد دون التفصيل لمشروع الدعوة الانسانية الجامعة الى تحقيق السلام والوحدة .. ٭ بل التذكير مرارا وتكرارا بكل ما هو محرك وناكيء للجروح ومشعل لنار الكراهية والعداء - ما بين دولتي السودان وجنوب السودان علما بأن ما حدث في نيفاشا في 2005م، من اتفاقية كانت كفيلة بجعل السودان اليوم الجنة الموعودة من جنان الارض في افريقيا والوطن العربي... لولا الذين عنيناهم وهم ما زالوا والى اليوم يتحدثون بلغة (الفصل التعسفي) والادعاءات الزائفة لمحاسن تقسيم السودان وفصل الجنوب عنه ومشروع حديثهم عن العروبة والاسلام في السودان حتى بالنسبة لهم (وبالمحك العملي) لا يعني شيئا اكثر من كونه عبارة عن ثقافة سادت بفعل الدعوة الى اقصاء الآخر والعمل على احتكار (السلطة والثروة) تارة باسم الجهوية واخيرا باسم القبلية..! وكل ذلك يتم تحت مظلة (وسياسة فرق تسد) .. وقد صدق هذه الاكذوبة العنصرية المتكرسة ظلما العديد من ضعاف النفوس من (الموهومين) بإدعاء العروبة كإثن والاسلام كدين - ليتم السيادة على شعوب القارة الافريقية.. وبالتحديد دولة السودان - علما ان (العروبة) كلسان وليس كإثن او عرق كانت وما زالت مقيدة بشرط التعليم، واكذا الاسلام كدين ومنهج جامع يفترض في من يؤمن به كمنهج توفر عنصر (الحرية) (لست عليهم بمسيطر) و(الدين المعاملة)!! وهكذا يتم الدحض لإدعاء شفونية المستعربة في ارض السودان الافريقية ذات المواقع الجغرافية السكانية.. لنؤكد بذلك (ان العروبة لسان - والاسلام دين كوني جامع لكل شعوب الارض).. وهذا ما نفى عنهما نزعة العنصرية المتمسكين بها (خوارج القرن الحادي والعشرين كتاب الجريدة إياها...) (4) أديس أبابا ورواية طائر السعد: رواية طائر السعد هي التوأم السيامي لرواية طائر الشؤم - وهي رواية لم تكتب بعد لتحكي عن (الهوية السودانية) للشعب السوداني بعيدا عن شياطين العنصرية لنسرد عبرها التاريخ البطولي (للشعب البطل وليس الشعب الفضل).. كما جرى على لسان البعض من اجل السخرية والتحكم من خطاب الانقاذ ورائدها ... والذي ظل يلقننا قسرا (جملا) لاذعة وجارحة لم نسمع عنها لا في شعر الهجاء عند الحطيئة ولا حتى في وصف بشار بن برد (لمتحرك الجيش) - فحقا من اين اتى هذا الرائد..؟! بل اقصد (هؤلاء) ؟! (تخيلوا لو ظل ذاك الخطاب هو المسموع الى اليوم - فهل ستبقى هناك دولة للسودان؟! ٭ لذا لابد من العمل بكل الجد لمسح تلكم الصور الشائهة والمشوهة لكل ما هو جميل في تاريخ السودان وبشكل العلاقة ما بين شعوبه المتعددة والمنصهرة في هوية شعب واحد هو (الشعب السوداني) - ويستطيع من (تاني) (فتح ملف) الوحدة الجاذبة والحديث عن سودان جديد بلا دعوة عنصرية بل كيان واحد ووطن واحد يسع الجميع (ما لو نأمل ذلك)؟!! وهي بالضرورة مقدور عليها.. فقط اذا ما نجح الطرفان (ادريس وباقان) في قفل ملفات الترتيبات الامنية (المتهجلجة) بالجازوالناس..!! دونما استصحاب لكل ما كان داعما للمرارات او مشجعا لاسماع صوت الدوشكات، او مذكرا بالاجترار للاحزان، ونحن اذا صدقت نوايانا تجاه بعضنا البعض - دونما تدخل لوسيط (اجنبي) (افريقي او امبريالي) فنحن الاقدر على الكتابة (لرواية طائر السعد) (الافتراضية) - اذا اعتبرناها النسخة المنقحة والدراسة الحديثة والنقدية الجديدة لطائر الشؤم - للشخصية السودانية العالمية الدكتور فرانسيس دينق مجوك حفيد السلطان (كوال الروب) (ساكن كردفان منذ العام1905م) - ودينق مجوك هو سلطان النقوك - النقوك هم العموديات السبع لسكان ابيي من الدينكا - عاشوا وتصاهروا بالدم والحلف مع اهلهم من (سكان ابيي المسيرية) - فأبيي كانت ومازالت وسوف تظل هي الارض (السودانية) المنصهرة بالوحدة الجاذبة والمعنية تماما بمشروع التكامل والتعايش الانساني ما بين شعوب السودان، والتي اذا ما نظرنا الى امرها بعيدا عن (ذاتية) الصراع ما بين (طلاب السلطة والثروة) من الطرفين وبعيدا عن تطلعاتهم العدائية والمبيتة لانكشف لنا مدى الضرورة والحتمية التاريخية التي تلزمنا الى جعل هذه الرقعة الجغرافية من ارض السودان الكبير - ارض الى السلام الدائم بحق الجيرة التاريخية وتبادل المنافع في الموارد وان تلك الارض ينبغي ان تسع الجميع دونما ادعاء زائف لامتلاك لحق الارض.. وكأن هناك احداً قد اتى(حاملا لأرض ابيي بساطا على رأسه) كبساط الريح وألقى به في فضاء تلكم الارض ثم نادى من بعد وادعى ان هذه (الارض لي وحدي)..! ونسي ان الارض لله وما الناس الا مستخلفين فيها من اجل الفلاح!! ليعيشوا جميعا دونما تعويل على صفات مادية لسلع نافذة بالتقادم والصرف وفاقدة للقيمة المادية طال الزمن ام قصر طالما ان هناك العديد من البدائل في موارد الطاقة (المائية والحرارية) - فعليه لابد من النظر الى الانسان من حيث ما هو انسان - دونما النظر اليه كمورد مادي يتم الاستثمار فيه والاتجار - في اشعال نيران الحرب واخيه .. ٭ وخلافة الانسان المكرم كإبن آدم - اقيم من كل حقول البترول المتصارع عليها اليوم - ووجود الانسان بشحمه ولحمه في الطبيعة - افضل من كل قطعان بحيوانات من الماشية والابقار في المسارات المتعددة في زمن النشوق والرحلة السنوية المعتادة الى الجنوب الحبيب - يبقى التداخل ما بين قبائل القطاع الرعوي سواء من كانوا في الشمال او الجنوب السوداني - هو حتمية تاريخية لا مناص من حدوثها (شاء من شاء او ابى من ابى)... ٭ لذا لابد من الالتفات الى امن المواطن - والعمل على توفير سبل الاستقرار له ولثروته (البترولية) والحيوانية (اولا)!! بقيام البنيات التحتية ومعينات الحياة.. ٭ السؤال لماذا يتم الاحتفال بتحرير هجليج واصلاح آبارها التي احرقت وننسى(انسان هجليج) (حامي العرين)؟!! والذي ما انفك يدفع بضريبة الغناء بالموت من (الطرفين) - بفقدان الابن او العائل للاسرة (شهريا) يأخذ الموت المجاني ضحيته - هذا اذا لم يكن يوميا!! فمأساة السودان تتمثل في حدوث الموت اليومي وسط تلك القبائل في قطاع السودان الغربي الرعوي - لغرب كردفان (الولاية السليبة) بل (هي التوأم لفلسطين بل هي (فلسطين افريقيا) - فسكانها قد نسوا ان هناك شيئا اسمه (الفراش على الميت) - لماذا؟! لأن الموت قد صار بينهم هو الخبر اليومي الذي اعتادوا على سماعه - فاذا فقدوا العم فقد فقدوا من قبله الوالد - واذا بكى على الابن اليوم فقد سبقه الى الموت الخال - هذا اذا تجاوزنا ما يحدث من انتهاك لحقوق الجندر من فقدان الى الروح او الطفل او العائل...الخ.. هامش:- عرفنا الآن لماذا السودان في حاجة الى الوحدة الجاذبة...؟! وما الانفصال الا عرض لمرض - ظل متكرسا على طول الحدود التي تحدث عنها الحكام في (المركز) عن اقامة (حالة الطواريء) فيها بعبارة قاسية وعدائية.. مضمونها يقول :(اضرب لتقتل)اذا صحت الترجمة (shoot to kill).. ٭ أليس السكان من الطرفين هم من ابناء آدم عليه السلام كالبقية...؟! (استغفر الله العلي العظيم من كل ذنب عظيم)...