انتخبت الجمعية العمومية للاتحاد قيادة جديدة على رأسها القانوني الضليع المستشار المحكم في الهيئات البحثية والادبية والعلمية والمحلية والدولية، فيصل عبد العزيز فرح أميناً عاماً، فكان لا بد من التعرف على شخصيته ونظريته للوضع الثقافي الراهن، وخططه وبرامجه للارتقاء بدور الاتحاد، فكان هذا الحوار الذي اقتطعناه من وقته الثمين: ٭ نعود بكم الى البدايات الاولى لسيرتكم الثقافية حتى نستلهم منها مشروع التغير والتنمية الثقافية، البرنامج الذي قامت عليه الدورة الحالية 2102 3102م التي انتخبت فيها أميناً عاماً. هل لك ان تقدم لنا عرضاً لتجربتكم في الادب والعمل الثقافي وقراءتكم للمشهد الثقافي وامكانية الارتقاء به من خلال رؤيتكم لتفعيل دور الاتحاد العام للادباء والكتاب السودانيين؟ أشكركم لاهتمامكم بالاتحاد العام للادباء والكتاب السودانيين تحديداً أو بالثقافة السودانية عموماً، وبالرجوع الى بداياتي الاولى فإنها لا تختلف عن بدايات كل أدباء وكتاب جيلي في النصف الثاني من القرن العشرين والعقد الاول من الالفية الثالثة، حيث شاركت في الصحافة المدرسية والجامعية، كما أن الصحف اليومية نشرت فيها منذ الثانوي العام في صحيفتي الصحافة والأيام» وفي مرحلة لاحقة قدمت اعمالاً شعرية ونقدية ومقالات في صحف «السياسة والسوداني الدولي، والأسبوع» كما نشرت لي نصوص في العديد من المجلات الادبية والعربية. والحقيقة تركز اهتمامي منذ وقت مبكر على تحليل النصوص الادبية، فكتبت في النقد ونقد النقد، فقد اثارني كثرة الادباء والكتاب وانحصارهم في النطاق المحلي لا يعرفهم قراء العربية، فالامر لا يعود الى النشر والتوزيع كما يشيع البعض. ففي تقديري الشخصي أن هناك كتابات راقية وعميقة لكتاب وأدباء وشعراء وباحثين سودانيين ظلت محلية ووقتية لم تتجاوز حدود الوطن والعام الذي نشرت فيه، وذلك يعود الى عدة عوامل أهمها ركود المشهد الثقافي، غياب النقد العلمي الموضوعي الذي يتناول لغة النصوص وبناءاتها وآفاقها وموضوعاتها، فللأسف الإنتاج الضخم للأدباء والكتاب والشعراء يتحول الى مجرد كم مكرر يطويه النسيان، فالنقد المنهجي هو الذي يقود الانتاج الابداعي من انتاج كمي لانتاج كيفي يؤثر على مستوى المنطقة العربية الاسلامية. وتقديري انه لا ارتقاء ثقافي دون نقد ثقافي يعيد النظر للثقافة السودانية باعتبارها الكون الوجداني لاي مجتمع والطاقة الحيوية لنهضته، والتاريخ شاهد بذلك، ونهضت الأمم من خلال بعث ثقافتها واستلهام ثرواتها وتقوية مراكز عقيدتها. وأرى اننا بوصفنا سودانيين مطالبون الآن اكثر من اي وقت مضى بإعادة تعريف أنفسنا ولن يكون ذلك الا بالانتاج الثقافي الذي يتهذب ويتشذب بالنقد الثقافي وينفتح على تجارب العالم ومعاييره وخبرته المتراكمة. وحول سؤالكم عن سيرتي الثقافية، فقد نلت عام 6791م جائزة السودان للشباب، ولمناهضتي الحكم الاستبدادي رفضت تسلم الجائزة من نميري. ويعكف بعض الاصدقاء على تجميع بعض انتاجي الشعري في ديوان اطلقت عليه «أهازيج المزهر» ونشر لي كتاب بالاشتراك مع عدد من العلماء والباحثين موضوعه «تنمية قدرات منظمات المجتمع المدني»، كما ينشر قريباً بحثي «ملامح الوطن في شخصية الإمام المهدي»، ولي كتابات في طور النشر ضمن إصدارات منتدى «الخصوصية والتواصل الحضاري». وطوال فترة عملي مستشاراً في هيئات أدبية وبحثية دولية ومحلية، شاركت في ثلاثة عشر مؤتمرا دولياً واقليمياً قدمت فيها بحوثاً واوراقاً علمية، وهي قابلة للنشر وبعضها منشور على المواقع الالكترونية المتعددة. ولي اهتمام خاص بالارتقاء بالواقع الثقافي ليواكب وزن الوطن وموقعه، لهذا ابذل جهداً متواضعاً في التاريخ الثقافي السوداني حتى يلهم الحاضر بانجازات الماضي. وجاء انتخابي لمنصب الأمين العام بحكم عضويتي في المكتب التنفيذي السابق، وقد رفعت من قيمة نقد أداء الاتحاد، فتشكل حولي تيار شبابي قوي يقدم نقداً علمياً للتجربة، ويقدم حلولاً عملية، فاقترحت عليهم فكرة «التغير والتنمية الثقافية»، فكان انتصار الرؤية من خلال انتخاب الجمعية العمومية لقائمة التغير والتنمية التي فازت فوزاً كاسحاً. ٭ أستاذ فيصل: أدركنا في الحديث موضوعية «التغير والتنمية الثقافية» ما المقصود بها؟ هل تعني أنها رؤية تنتقد أداء الاتحاد في الدورة السابقة وما علاقتها بقيادة الدورة الحالية؟ تعلم حضرتك أن القيادة الجديدة لم تأتِ نتيجة أهواء ومزاج خاص، بل انبثقت عن قاعدة واسعة تعبر عن الادباء والكتاب، وتوافقت هذه القاعدة على شعار «التغير والتنمية الثقافية»، كما طرحت برنامج عمل يحمل ذات العنوان. وفكر الادباء والكتاب في التغير الثقافي لتراكم التجاوزات ونقاط القصور المخلة بصورة الاتحاد ومكانته في الدورات السابقة منذ ميلاد الاتحاد الثاني، فالذي أثار العضوية ضعف تمثيل القاعدة داخلياً وخارجياً وتجاهل القيادة لمسؤوليتها الثقافية تجاه الوطن أولاً وعجزها عن حماية المبدعين السودانيين في مختلف ضروب وأجناس الأدب والإنتاج الكتابي، وانعكس كل ذلك في هشاشة المؤسسة وحصرها في أفراد تخدم أجندة ذاتية خاصة، مما أوجد الطموحات الخاصة والنزوات الشخصية، ولم ينته الأمر عند هذه الحدود، بل سعت القيادة السابقة إلى تزييف ارادة الكتاب من خلال تجميد الاسهام الادبي الحقيقي للاتحاد، وهذا الوضع ادى في نهاية المطاف لتشويه دور الاتحاد وتهميش اهدافه وقيمه ومبادئه، فالمعروف ان الاتحاد يضم في عضويته اكبر قاعدة عضوية من الكتاب والادباء والمثقفين في القطر، كما انه الممثل الرسمي للوطن في المنظمات الثقافية والادبية على الصعيد الدولي. وهكذا تملك الاتحاد ضعفاً قاتلاً، فقد صار «مبنى بلا معنى» لا عمل له على ارض الواقع. وهذا الظرف الاستثنائي دعانا الى استنهاض الهمم وبعث الاتحاد من جديد، فتحركنا نحو قاعدة الكتاب وفتحت الحوارات، فقررنا إعادة تنظيم العضوية لأداء رسالة الاتحاد الادبية والثقافية تجاه الوطن والامة والتاريخ، فالمجتمع السوداني لا بد أن يسأل يوماً ما عن دور الاتحاد في صياغة مستقبله باعتباره يمثل الثقافة الوطنية. ٭ أستاذ فيصل: انتم قد أحدثتم التغير وانتخبتم الجمعية العمومية، ومضت اشهر منذ تقلدكم المهام التنفيذية، فلم لم تتحول اماني واحلام الشعراء والادباء والكتاب الى اعمال وبرامج وصورة جديدة تشرف الوطن والثقافة السودانية؟ وما الذي يعيقكم في تنفيذ برنامج «التغير والتنمية الثقافية»؟ للأسف الشديد لم نتسلم حتى الآن تقريرا ادارياً مالياً لدورة الاخوة الدكتور عمر قدور والاستاذ الفاتح حمدتو، كما ظلنا في شد وجذب حول تسليم اصول الاتحاد وممتلكاته، فالتقرير الاداري بين اتصالات الاتحاد وانشطته الداخلية والدولية. وبكل صراحة القيادة الجديدة لم تستلم الوثائق، وفي هذه اللحظة لا تملك اية ملفات او تقارير ختامية او غير ختامية تبين عمل الاتحاد اليومي، وهذا الامر متعمد الغرض منه واضح بين هو تعطيل مسيرة التغيير التي بدأت بتغير القاعدة لقمة الهرم الاداري للاتحاد. ٭ ما هي علاقة الاتحاد السوداني بالاتحاد العربي؟ ويشاع أن عضوية الاتحاد السوداني جمدت في الاتحاد العربي.. فما هي الحقائق حول هذا الموضوع بالغ الحساسية؟ حسب علمي فإن هناك استحقاقات مالية لصالح الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب ولسنوات مضت قبل الانتخابات الاخيرة، بمعنى أن هذه الاستحقاقات متراكمة ولكن افترض ان هذه الوقائع رغم أهميتها لا تمس احقية الاتحاد السوداني في عضوية الاتحاد العربي ولا تعطل اسهامات السودان القومية بل تستوجب ان تستمر في تحقيق تمثيل السودان على المستوى العربي، فعضوية السودان في اية منظمة اقليمية ام عالمية تتعلق بوزن السودان الذي يعتبر من ابرز البلاد العربية في حركة الانتاج الثقافي كماً ونوعاً، ومن ثم فهو رقم لا يمكن تجاوزه او التطاول عليه. وقُدر لنا ان نتحمل أخطاء القيادات القديمة، ولكن هذا لا يعفيها من المسؤولية الثقافية في هذا الشأن. ومن هنا أدعو الى اعادة صياغة آلية المسجل الثقافي العام ليتولى بفعالية وفي نطاق التشريعات الثقافية النافذة مسؤولية المساءلة والمحاسبة ضد مثل هذه التجاوزات والآثار المترتبة عليها، خاصة أننا نتحدث عن وزن وموقع وتسويق بلد عظيم كالسودان لا بد من تعزيز سمعته ومكانته من أجل غدٍ مشرق.