دبابيس ودالشريف    راشد عبد الرحيم: امريكا والحرب    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    بالفيديو.. شاهد اللحظات الأخيرة من حياة نجم السوشيال ميديا السوداني الراحل جوان الخطيب.. ظهر في "لايف" مع صديقته "أميرة" وكشف لها عن مرضه الذي كان سبباً في وفاته بعد ساعات    عاجل.. وفاة نجم السوشيال ميديا السوداني الشهير جوان الخطيب على نحو مفاجئ    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    ((نعم للدوري الممتاز)    رئيس مجلس السيادة يتلقى اتصالاً هاتفياً من أمير دولة قطر    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    بنك الخرطوم يعدد مزايا التحديث الاخير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    الكشف عن سلامةكافة بيانات ومعلومات صندوق الإسكان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة سودانية تظهر في لقطات رومانسية مع زوجها "الخواجة" وتصف زواجها منه بالصدفة الجميلة: (أجمل صدفة وأروع منها تاني ما أظن القى)    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    مفاوضات الجنرالين كباشي – الحلو!    محمد وداعة يكتب:    عالم «حافة الهاوية»    مستشفي الشرطة بدنقلا تحتفل باليوم العالمي للتمريض ونظافة الأيدي    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    كوكو يوقع رسمياً للمريخ    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    عقار يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    باريس يسقط بثلاثية في ليلة وداع مبابي وحفل التتويج    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقائع ومشاهد يوم 6/6/2011
«الكتمة» (2)

كان لقائى الأول المباشر بالحلو فى واحدة من أعلى قمم الألب فى ضاحية (بيرنقستوك) بسويسرا فى صبيحة يوم 13/1/2002م ،فى فندق فخم يقف منعزلاً عن أى جوار، تحيط به أكوام الجليد من كل النواحى ، هذه الضاحية بجبالها وهضابها ( وجقابها ) تشابه جبال النوبة تماماً وتتمايز بالطبع عنها فى مناخها ، وفى طرق تطويع الإنسان للبيئة لتتناسب مع عيشه وسكنه دون إلحاق أذى بالغ بطبيعتها ( لا أعلم لماذا يصر بعض مهندسينا على ضرورة تسوية وتسطيح الأرض لإقامة المنشآت عليها ) مثل معلمي البيادة فى مقولتهم الشهيرة ( تحضيرات عشان الدرس ) (مطلوبات الدرس ) أرض مستوية صالحة للتدريب ، مشمع فرش ....إلخ.
كان الهدف من ذلك اللقاء هو عقد جولة مباحثات بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان / جبال النوبة، ولهذه التسمية (قصة ) ،فقد أصر المفاوض السودانى وقتها فى المباحثات التمهيدية للتحضير لتلك الجولة من المباحثات على أن تتفاوض الحكومة مع قطاع جبال النوبة ،وأصرت الحركة الشعبية على أنها كيان غير قابل للتجزئة ، وأخيراً تم التوصل إلى صيغة قضت بأن تكون تسمية وفد الحركة على النحو السابق الإشارة إليه ،وأن يرأس وفدها قيادى من الحركة بالجبال وأن يكون وفدها من أبناء الجبال وأن يكون مخولاً بالتوقيع النهائى على مايتم الإتفاق عليه مباشرة ، ولا مانع من وجود مشاركين بصفة مستشارين من الجنوب مع وفد الحركة ، إصرار الحكومة على ذلك المنهج يتسق وخطها الإستراتيجى بضرورة فصل قضية جبال النوبة عن الجنوب لتمايز وفروق جوهرية بينهما، فك إرتباط قضية جبال النوبة عن جنوب السودان واحدة من أهم وأكثر القضايا التى لها انعكاساتها الجوهرية على مسار النزاع الحالى ، بل هو محور الصراع الرئيسى كما سنرى فى ثنايا هذه المقالات .
عوداً على بدء فقد كان مشهد اللقاء الأول للوفدين له دلالاته العميقة التى لا يستطيع فهمها والتعاطى معها إلا السودانيون فقط ، فقد خطط منظمو المباحثات على عزل المتفاوضين فى منطقة نائية ، وعملوا على أن لا يلتقى الوفدان رغم نزولهما فى فندق واحد إلا فى صالة التفاوض ، فوضعوا خطة تقضى بوصول الوفدين فى توقيتات مختلفة إلى الفندق ،إلا أن تساقط الجليد بكثافة فى ذلك اليوم أربك حركة الطيران والسير فى الطرق ،فقد وصل الوفدان فى زمن يكاد يكون واحداً إلى الردهة الرئيسية للفندق ، فبينما كان وفد الحركة يكمل إجراءات إقامته وصل وفد الحكومة ، كان الإضطراب واضحاً لدى المنظمين للقاء وعقدت الدهشة ألسنتهم ، وسارع رجال الأمن إلى التحدث فى أجهزتهم بتوتر واضح وآخرون امتدت أيديهم إلى أسلحتهم ، ساد الصمت والوجوم للحظات ، الكل مُسمر فى مكانه ، إلا أن محمد هارون كافى ( عضو وفد الحكومة ) كسر تلك الحالة بعبارة (هجين )من أدبيات الحكومة والحركة ،فكسرت تلك العبارة المفتاحية الحاجز ، فقد صاح فيهم قائلاً (أذيكم ياأخوانا زمان ، كيفكم ياكومورتس(رفاق ) )فأقبل الوفدان على بعضهما بالسلام بشكل سريع ، ومما فاقم التوتر والقلق لدى الأجانب الموجودين من الجهات المنظمة ورجال الأمن ،أن طريقتناالسودانية فى السلام مربكة للأجانب ( السلام بالأحضان وخبط الأيادى والأكتاف بقوة والترحيب بعبارات سريعة ومكررة ) إلا أن الابتسامات المرسومة على الوجوه قدمت تفسيراً لأولئك الأجانب بأن مايشاهدونه هو فصل من مسرح اللا معقول لقضايا دول العالم الثالث وليس عراكاً بين وفدين قدما لبحث أمر وقف إطلاق النار .
إختبارات دانفورث الأربعة :-
مبادرة وقف إطلاق النار التى التأم الوفدان لبحثها فى ذلك اليوم ، هى واحدة من جملة مقترحات دفع بها الوسيط الأمريكى الجديد للسلام فى السودان القس دانفورث بالتنسيق مع الحكومة السويسرية ، فقد تكلست فى ذلك الوقت عملية السلام وفق مبادرة الإيقاد تماماً ، نتيجة مواقف الطرفين المتباعدة بشأن إعلان مبادئ الإيقاد ،كما أن الأوضاع العسكرية على الأرض فى مسرح القتال الرئيسى ( جنوب السودان ) وصل ذات مرحلة الجمود،فلم يكن فى الأفق مايشير إلى أن أياً من الطرفين كان بمقدوره إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر بالضربة القاضية،خاصة بعد قتال شرس امتد لعقد كامل من الزمان ، بدأ ذلك القتال باحتواء القوات المسلحة لما عرف وقتها بحملة النجم الساطع التى قام بها الجيش الشعبى نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضى فحقق بها بعض النجاحات فى شرق الإستوائية وغربها ومنطقة البحيرات وجونقلى ، وردت القوات المسلحة بحملتى صيف العبورالأولى والثانية التى كادت أن تقتلع الجيش الشعبى تماماً من مسرح جنوب السودان ، خاصة وأن الحملة تزامن معها انهيار نظام الرئيس منقستو فى أثيوبيا ( أكبر داعم بل ومؤسس حقيقى للجيش الشعبى ) وما تلى نهاية المرحلة الأولى من حملة صيف العبور من انشقاق رئيسى فى صفوف الحركة الشعبية بقيادة د. رياك مشار ود. لام أكول والعديد من القادة فأصبح الواقع العملى للحركة أنها باتت ذات جناحين ،جناح توريت بقيادة د. جون قرنق ، وجناح الناصر بقيادة د. مشار ، وقد أسفر ذلك الانشقاق عن مواجهات طاحنة بين الجناحين فيما عرف بمنطقة مثلث الموت (واط / أيود / كنقور ) ،وتوالت المواجهات من بعد ذلك فى صيف العبور الثانى ، فلامست جحافل القوات المسلحة نمولى ،وأصبح ظهر الجيش الشعبى متكئاً على العمق اليوغندى فاستعانت الحركة الشعبية بحلف كبير من دول الجوار تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية لإنقاذ الحركة الشعبية من الفناء ، فكانت عمليات النصف الثانى من التسعينيات ليس فقط مواجهة بين القوات المسلحة والجيش الشعبى ،فقد كانت مواجهة مع كل جيوش دول القرن الأفريقى ومنطقة البحيرات ، فانفتحت جبهة حرب واسعة لا شك لدى مطلقاً أنها كانت أكثر اتساعاً من مواجهة الحرب العالمية الثانية فى منطقة النزاع الرئيس فى وسط اوربا، لقد شمل خط المواجهة المنطقة الممتدة من عيتربه وقروره وطوكر فى أقصى الشرق جوار ساحل البحر الأحمر مروراً بكسلا والقضارف (مناطق جزيرة الدود والفشقات )، والنيل الأزرق وأعالى النيل ، إلى منطقة الاستوائية ونهاية ببحر الغزال ،بدعم كامل من قبل الإدارة الأمريكية ممثلة فى مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى وقتها أنطونى ليك منظر استراتيجية تلك الحرب التى سماها بسياسة شد الأطراف ، وبغطاء سياسى مكشوف تبنته مادلين أولبرايت وهى تحلق بطائرتها فى ذلك الوقت مستصحبة معها بعض قيادات المعارضة من القوى السياسية الشمالية فأصبح مألوفاً منظرها وهى تهبط وتقلع بهم من شقدوم إلى كمبالا بل تمادت الإدارة الأمريكية فى حربها ضد السودان بإستخدام سلاح العقوبات الإقتصادية جنباً إلى جنب مع المواجهات المسلحة على الأرض ، وطورت ذلك فدخلت المعركة بصواريخ كروز مستهدفة مصنع الشفاء .
تأسيساً على ماتقدم فقد بات واضحاً أن حسم الحرب والوصول إلى نهايات لها بالآلة العسكرية أصبح أمراً متعذراً تماماً ، على أقل تقدير فى المنظور القريب هذا من ناحية ، من ناحية أخرى فإن إستمرار تلك الحالة سيكون فى المستقبل فى صالح القوات المسلحة التى يمكنها إعادة بناء قدراتها وتعبئتها لأن الهدنة غير الموقعة تلك تتيح لها الفرصة لذلك ، خاصة بعد بشريات إنتاج البترول الأمر الذى ينعش الاقتصاد ويمكن الدولة من مواجهة نفقات الحرب الباهظة ، على الجانب الآخر فإن الهدنة غير الموقعة تلك ستكون خصماً على الجيش الشعبى بفرار منسوبيه عنه ، لأن الوسيلة الوحيدة له لابقائهم فى وحداتهم هى حالة الحرب ، كان ذلك ليس قناعة الطرفين فحسب بل قناعة حتى اللاعب الرئيسى فى ذلك المسرح ( الولايات المتحدة ) .
اختبارات السلام :-
بدأ السيناتور دانفورث مهمته بما أسماها اختبارات قابلية الحالة السودانية للسلام ، وهى اختبارات صممها لدراسة إمكانية تحقيق السلام فى السودان وفق مهمته الجديدة ، وهى تشير من ناحية آخرى إلى أن الولايات المتحدة قد غيرت إستراتيجيتها فى التعامل ،من المواجهة المسلحة مع السودان والتى كانت ترى أنه يشكل خطراً عليها وفق منظورها لما تسميه (أنموذج الإسلام السياسى فى قلب القارة الأفريقية ) فعمدت إلى البحث عن طرق أخرى لمواجهة احتواء ذلك الخطر فألقت بثقلها فى عملية السلام .
تمثلت إختبارات دانفورث لقابلية الوضع فى السودان للسلام فى الآتى :-
1- وقف إطلاق نار مؤقت بجبال النوبة .
2- اتفاق هدنة مبنى على مناطق وممرات وأيام للهدنة بغرض تطعيم الأطفال وتوصيل المساعدات الإنسانية للمتأثرين بجنوب السودان.
3- تقييد القصف الجوى .
4- اتفاق لإنشاء لجنة تقصى حقائق حول الاختطافات وإدعاءات الرق( سيواك )
وعلى الرغم من أن تلك الاختبارات ركزت على الجوانب الإنسانية، ووقف العدائيات المؤقت ، فيما دون مستوى الاتفاق على وقف عدائيات شامل ،ويبدو أن واحدة من مقاصد السيناتور دانفورث كان أيضاً تحييد مجموعات الضغط فى المجتمع الغربى التى كانت تتبضع بالأوضاع الانسانية فى السودان لتجريدها من كروتها حتى يستطيع التعامل بشكل هادئ ومركز مع القضية الماثلة أمامه من الطرفين .
الناشطون الغربيون الآخرون فى عملية السلام المعروفون بإسم أصدقاء الايقاد ،و لاحقاً شركاء الايقاد ( بريطانيا /هولندا/ النرويج / إيطاليا ) ، لم يكونوا متحمسين لاختبارات الإدارة الأمريكية الجديدة ، لذا لجأ دانفورث للسويسريين لإنجاز الاختبار الأول فأختارت الحكومة السويسرية السفير جوزيف بوخر للمهمة مدعوماً بعدد من المستشارين العسكريين الأمريكيين للمهمة .
الأوضاع العسكرية على الأرض فى جبال النوبة ، ولماذا جبال النوبة ؟
فى جبال النوبة فى ذلك الوقت حققت القوات المسلحة تقدماً مضطرداً ، فمنذ عمليات شتاء عام 1993م بمنطقة الريف الجنوبى للولاية ( ريفى البرام ) وسيطرة القوات المسلحة على مناطق طروجى / البرام / التيس / الريكة ، التى ترتب عليها قطع خطوط الإمداد البرية للجيش الشعبى بجنوب كردفان مع جنوب السودان ، خاصة بعد السيطرة على منطقة فاريانق نتيجة عملية سلام من الداخل تمت مع قادة الجيش الشعبى المحليين هنالك ، وتوالت العمليات العسكرية الناجحة للقوات المسلحة عاماً بعد آخر حتى انحصر التمرد فى منطقتى كاودا ، وجبال لمن وأشرون ،وحتى هذه فقد أحاطت بها القوات المسلحة إحاطة السوار بالمعصم ،بالعديد من المحطات العسكرية حولها وفى كل الإتجاهات ، كاودا نفسها لم تكن بمنأى عن عمليات القوات المسلحة ففى آخر عملية عسكرية تمكنت القوات المسلحة من الإحاطة بها ودخولها تماماً ونجا الحلو من قبضتها بأعجوبة خاصةً بعد أن إنهارت دفاعات المنطقة تماماً تحت ضربات القوات المسلحة.
فى الجبال الغربية كان للحركة وجود آخر وأيضاً يعانى الحصار فى منطقتى جلد وتيما .
وفى ظل إستراتيجية الحكومة وقتها لفصل المواطنين عن الحركة الشعبية بإنشاء مراكز جذب لاستقطاب المواطنين المحتجزين بواسطة الجيش الشعبى مصحوبة بحملة توعية إعلامية لعبت فيها الإدارة الأهلية فيما عرف بالنفير الشعبى للسلام الدور الحيوى ،إضافة للإذاعة المحلية بكادوقلى ، بدأ المواطنون فى هجرة مناطق سيطرة الحركة إلى مناطق الحكومة ، فانهارت تماماً القاعدة التى يستند عليها التمرد وفقاً للقاعدة الذهبية عن جدلية العلاقة بين رجل العصابات والمواطن المعروفة بعلاقة ( السمك والماء) السمك إشارة لرجل العصابات والماء للمواطنين ، وفى ظل عدم تمتع الجش الشعبى بإمداد منتظم من رئاستهم بسبب قطع خطوط الإمداد وعدم إمتدادعملية شريان الحياة لجنوب كردفان( سلاح الإمداد الرئيسى للمتمردين ) كاد التمرد بجنوب كردفان أن يتلاشى ......
بصرف النظر من أى دوافع أخرى لمبادرة السيناتور دانفورث فإن عمليته المسماة باختبارات عملية السلام هدفت فى واحد من مقاصدها لإنقاذ الحركة الشعبية بجنوب كردفان من الإنهيار والتلاشى .
رغم هذا الموقف الميدانى الممتاز لقواتنا على الأرض فقد كان إنحياز القيادة السياسية بالبلاد لخيار السلام بالموافقة على الإنخراط فى عملية الاختبارات تلك واضحاً ، ومرد ذلك لتغليبها لرؤيتها الإستراتيجية ( وقف الحرب وتحقيق السلام ) أكثر من إنحيازها للمكاسب الآنية والتكتيكية على الأرض ...ببساطة لأن ذلك يتسق مع رؤية الحكومة المبدئية فى تحقيق السلام ، ولسبب آخر هو مسئوليتها الأكبر عن المواطنين ، فالحكومة ،أى حكومة مسئولة عن أمن الوطن والمواطن ، وعلى العكس فإن أى حركة تمرد تحمل السلاح ومهما ادعت من مشروعية لأفعالها فإن مجرد استخدامها للوسائل العسكرية يتضمن وبالضرورة قدراً عالياً من المجاذفة بأرواح المواطنين الذين تدعى أنها حملت السلاح من أجلهم ،هنا يبدو وجه المفارقة واضحاً ، المؤسف أن الغرب يعى هذه المسألة تماماً لذلك سعى لدمغ أي من يستخدم القوة لتحقيق مطالب مهما كانت مشروعيتها بوصفه إرهابياً فى حين يطلق عليهم فى دول العالم الثالث الثوار .
أما وقف إطلاق النار فقد ظلت الحكومة مؤمنة به تماماً ،فسارعت إلى إعلانه مرات ومرات من طرف واحد، وكان دوماً مطروحاً على أعلى سقف أجندة وفودها التفاوضية فى كل الحوارات مع الحركة الشعبية ، بالمقابل فإن الحركة الشعبية ظلت تمانع تماماً فى ذلك، وظل وقف إطلاق النار يمثل لها الخط الأحمر فى أى موقف تفاوضى ، كان ذلك موقفها منذ الفترة الانتقالية ومروراً بحكومات الصادق المهدى وإلى حين قيام ثورة الإنقاذ ، لقد كانت رؤيتها مبنية على موقف انتهازى بحت ، فوقف إطلاق النار يعنى لها ببساطة تشتت قوتها العسكرية ، ففى ظل غياب أى نظام متماسك لوحداتها العسكرية،وإرتباط الأفراد بوحداتهم، علاوة على غياب عوامل إدارية ومالية تربط الفرد بوحدته ، فإن السبيل الوحيد للحفاظ على جيشها هو جعله فى حالة حرب مستمرة (KEEP THEM ENGAGE ALL WAYS) لذا طورت الحركة الشعبية مبدأ ( قاتل وفاوض (FIGHT AND TALK) للوقوف على المزيد من التفاصيل المتعلقة بموقف الحركة الشعبية من وقف إطلاق النار راجع علاوة على مخرجات جولات التفاوض المختلفة ، كتاب هيلدا جونسون (اندلاع السلام فى السودان ).
كل تلك المواقف شكلت المشهد الذى جرت على خلفيته وقائع محادثات الحكومة مع الحركة الشعبية جبال النوبة فى بيرنقستوك فى الفترة من 13-19 يناير 2002م ، لقد كان وفد الحركة الشعبية جبال النوبة بقيادة عبدالعزيز آدم الحلو وضم إلى جانبه من قيادات المنطقة بالحركة الشعبية دانيال كودى ،نيرون فيلب علاوة على د. جاستين ياك والبروفسور جورج بورينق ( شغل وزارات الإستثمار /التجارة / التعليم العالى فى حكومة الوحدة الوطنية التى تشكلت عقب إتفاقية السلام الشامل ) وياسر عرمان ود. شيرنقو ، فيما ضم الوفد الحكومى د. مطرف صديق رئيساً للوفد ، يحى حسين ، د. عبدالرحمن إبراهيم الخليفة ، صلاح عبدالله (قوش ) ، اللواء محمد الحسن الفاضل ،اللواء الركن محمد توم زين العابدين قائد الفرقة الخامسة جنوب كردفان ، اللواء محمد مركزو كوكو ، د. عيسى أبكر ، محمد هارون كافى / السفير محمد عبدالله إدريس إضافة إلى شخصى .
الوساطة الأمريكية السويسرية قاد فريقها السفير جوزيف بوخر يساعده الكلونيل سيس دنيس جيرينز وعدد آخر من الضباط فى وزارة الدفاع الأمريكية .
كيف سارت المفاوضات ؟ وإلى ماذا انتهت ؟ وكيف حدث الاختراق الكبير والمفاجئ بالتوقيع على إتفاقية وقف إطلاق النار ؟ وما هى أهم مشتملاته ؟ وكيف جرى تطبيقه على الأرض ؟ كيف كان أداء الحلو فى التفاوض ؟ ما هو تأثير د. جاستين ياك وبروفسور جورج بورينق وياسر عرمان على المفاوضات هذا هو موضوع حلقتنا القادمة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.