أثيرت خلال الأيام الماضية قضية النزاع الحدودي بين السودان ومصر حول منطقة حلايب وقارن البعض بينها وبين ما حدث في هجليج بين السودان ودولة جنوب السودان، وكأنهم يدعون إلى أن تتحرك القوات المسلحة السودانية لتحرير منطقة حلايب كما حررت هجليج. في تقديري أن هذا الطرح يعكس خللاً في فهم مسألة الحدود والنزاعات التي تدور حولها بين الدول... وألخص ما أود أن أقوله في النقاط التالية:- أولاً: إن مسألة الحدود في هذا العصر الذي تغير فيه مفهوم السيادة الوطنية لم تعدْ مسألة قانونية مجردة وإنما هي مسألة سياسية ذات أبعاد قانونية وأمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية. ثانياً: إذا كانت العلاقات السياسية بين دولتين مجاورتين تتسم بالود والوئام والانسجام والتبادل العادل بين المصالح فيمكن معالجة نزاعات الحدود بينهما بأساليب سلمية ودية عديدة لا حصر لها... فإذا أخذنا أسلوب «تجميد» مسألة حلايب الذي طرحه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بعد التوتر الذي حدث في عام 1958م بين مصر والسودان وما زال قائماً حتى الآن فسنجد أنه يعتبر أحد أساليب المعالجة السلمية. ثالثاً: إن الهدف الرئيسي لمعالجة أي نزاع حدودي يجب أن يكون تحقيق مصالح الإنسان المقيم في المنطقة الحدودية بغض النظر عن جنسيته... فكمثال عندما نتحدث عن منطقة أبيي يصبح الهدف ليس هو تبعية المنطقة للسودان أو لجنوب السودان وإنما الهدف هو ضمان ممارسة المواطنين من الدولتين لنشاطهم الاقتصادي والاجتماعي اليومي في أمن وسلام ثم بعد ذلك التفكير في إبداع أساليب المعالجة كأن تكون منطقة محايدة أو منطقة تكامل أو منطقة حدود مرنة أو غير ذلك... وحتى إذا كانت هناك ثروات بالمنطقة فيمكن أيضاً استغلالها والاستفادة منها بالتعاون بين الدولتين كما يحدث الآن في منطقة الخفجي وهي المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت والتي يستغل فيها البترول مناصفة بين الدولتين. رابعاً: إن حدود أية دولة لا يتم حمايتها بالتعبئة وتجييش المجتمع وإنما بالعلاقات السياسية الطيبة مع الدول المجاورة بل ومع جميع دول العالم بمعرفة نقاط الالتقاء المصلحي للاقتراب منها ونقاط التناقض المصلحي للابتعاد عنها. خلاصة ما أود أن أقوله هي أن مسألة النزاعات الحدودية لا تحل بالعنتريات والحماقات السياسية والمعتقدات الوهمية الهلامية كالعزة والكرامة الوطنية ولا بالحجج والبراهين القانونية المجردة وإنما بالعقلانية والمرونة السياسية التي تدرك أصول ومفاتيح لعبة المصالح التي أصبحت تحكم العلاقات الدولية في هذا العصر... فهل يعقل أن تدمر دولة ما مصالح عظيمة من أجل نزاع حدودي محدود على منطقة محدودة؟ إذا وضعنا كل ما ذكرته فيما سبق في اعتبارنا وسعينا بجميع الأساليب والطرق لتحسين علاقاتنا مع دولة جنوب السودان فسنتمكن من معالجة جميع المسائل الحدودية بيننا سلمياً وودياً لمصلحة الشعوب في الدولتين وبعيداً عن السلاح.