على صفحات "الوفد" ومنذ شهر ونيف أو أقل قليلا دونت شقيقتي الدكتورة إجلال رأفت مقالاً تحت عنوان "حلايب والعلاقات المصرية السودانية" ذيلته بعدم الممانعة في إحالة النزاع في هذه المسألة إلى القضاء الدولي أو بتعبير أدق إلى التحكيم وفي تقديري أن هذا الموضوع قد تمت إثارته في أعقاب الصيحة التي أطلقها مساعد رئيس جمهورية السودان مساعد محمد أحمد رئيس جبهة الشرق لإعلان حلايب دائرة انتخابية باعتبارها أرضا سودانية وسارت اللجنة القومية السودانية للانتخابات في ركابه وأصدرت قرارها بأن تكون حلايب دائرة انتخابية تشريعية ورئاسية. وفي صرخته طالب مساعد محمد أحمد تحويل مسألة حلايب للتحكيم الدولي مثل ما تم في شأن طابا في النزاع المصري الإسرائيلي حولها. وقد تناولت شقيقتنا في مدونتها مسألة العلاقات السودانية مع كل من كينيا وأثيوبيا في مسألتي الحدود، بشأن مثلث الحدود الكينية السودانية والحدود مع أثيوبيا في جمبيلا والفشقة وهي مسائل ثارت في العلاقات بين البلاد الثلاث بعد إعلان استقلال السودان خلال الحرب الأهلية في جنوب السودان بعد ذلك التاريخ وتم الاتفاق على معالجتها وفق معاهدات بين البلاد الثلاث بما كان مؤداه أن تبقى منطقة شمال كينيا جزءاً منها وتنتقل السيادة في كل من جمبيلا والفشقة إلى أثيوبيا وكان التساؤل لماذا لا تحل قضية مثلث حلايب بنفس الأسلوب وتتم عقد معاهدة بين مصر والسودان بذات الصورة في شأن مثلث حلايب بما يوقر العلاقات الجيدة بين البلدين وعدم إثارتها بين حين وآخر مما يثير التوترات عن العلاقات بين البلدين بحسبانها دائماً تتحرك فوق صفيح ساخن في أزمنة مختلفة. وبالرد على هذا التساؤل نرى أن السودان عقد معاهدات مع كينيا وأثيوبيا في أزمنة الاستقلال والحرب الأهلية وكان مضطراً لذلك حتى يتمكن من وضع نهاية لهذه الحرب بأسلوب متابعة وملاحقة قوات الأنيانيا داخل دولتي الجوار وهنا لابد من الإشارة إلى أن ما قامت به السودان هو أمر من أمور السيادة لا تعقيب عليه إذ أنه من المعلوم بالضرورة أن لكل دولة بإرادتها المنفردة أنشاء قواعد قانونية دولية ترتب أثاراً قانونية وأهمها المعاهدات التي تخول للدول الأطراف فيها القيام ببعض الأعمال بالإرادة المنفردة وهذا هو بالضبط ما قام به السودان مع كل من كينيا وأثيوبيا ومن ثم فلا يجوز التعقيب عليه أو إثارة التساؤل حوله طالما أنه من أعمال السيادة الصرفة التي تستوجب وقف نزيف الحرب واستقرار المناطق المشتعلة دون أن يكون لذلك أدنى تأثير على الشخصية القانونية للدولة. وبالعودة إلى مثلث حلايب يجب التصريح المباشر إلى مسألة مهمة تختلف تماماً مع بعض التصريحات الصحفية التي لا سند لها من واقع أو حقيقة. والمدخل هنا أن نظام الحكم في السودان هو نظام جمهوري رئاسي. ومن المعلوم في الدراسات السياسية أن رئيس الدولة في هذا النظام هو قمة السلطة العامة في دولته ومن ثم يتولى التعبير عن إرادة الدولة داخلياً ودوليا يضاف إلى ذلك أنه في الأنظمة الرئاسية فإن رئيس الدولة يعتبر السلطة المختصة بتكوين إرادة الدولة في ميدان العلاقات الدولية والإعلان عنها بنفسه أو من ينوب عنه وبتطبيق هذه المباديء على قضية مثلث حلايب يلاحظ الآتي: الرئيس جعفر نميري وهو رأس الدولة في نظام جمهوري رئاسي في السودان تولي الأمر بنفسه وبعث برسالة مكتوبة للأمين العام للأمم المتحدة أكد فيها بكل الصراحة والوضوح أن مثلث حلايب هو أرض مصرية لا لبس في ذلك ومن ثم طلب إغلاق هذا الملف في مجلس الأمن وإنهاء النزاع تماماً بشأن هذا الموضوع. وخلال ستة عشر عاماً عملت فيها بالمطبخ السياسي للرئيس وفي كل مناسبة تطلع علينا برأسها قضية مثلث حلايب كان نميري يلقى علينا درساً في هذا الشأن ويؤكد لنا مضمون رسالته للأمم العام للأمم المتحدة ويرفض أي محاورات تاريخية أو جغرافية تنحي إلى اعتبار مثلث حلايب أرضا سودانية، وقد تسنى للسفير الراحل أحمد عبدالحليم ومعه شخصي الجلوس للرئيس نميري ونتداول حول مثلث حلايب وعندها فتح الله علينا أن نقترح للرئيس نميري بنقل الرغبة للقيادة السياسية المصرية في إعلان مثلث حلايب منطقة تكاملية بين السودان وهذا ما أقدم عليه بالفعل وتبناه ودفاع عنه حتى بعد نزوله من سدة السلطة والسؤال المطروح بعدما تقدم هل مسألة حلايب تعد من قبيل النزاعات الدولية أو بعبارة أخرى تثير عدم الاتفاق حولها نزاعاً ودوليا يلحق بمسألة من مسائل الواقع والقانون ويتطلب اللجوء إلى القضاء الدولي وفي مقدمته التحكيم؟ في تقديري وبعد تأكيدات الرئيس نميري في رسالته للأمين العام للأمم المتحدة وإغلاق ملف حلايب بناء عليها واعتراف السودان رسميا بموجب تلك التأكيدات بأن حلايب مصرية مائة في المائة ومن ثم فإنها أرض تقع تحت السيادة المصرية فإن الوضع لا يمثل وجود منازعة بين السودان ومصر حول الحدود وليس هناك مقتضى للقول بأن أياً من البلدين قد أخل بالتزام دولي من قبيل نقض المعاهدات وخرق الحياد. ومن هنا يتأكد أن موضوع حلايب لا يجب أن يكون مثاراً للدعوة إلى انتقاله لمعالجات قضائية والمطالبة بتطبيق القانون الدولي عليه بعد أن ثبت كما تقدم سلطة السيادة المصرية عليه المطلقة بإرادة السودان الحرة المربوطة بسيادته على إقليمه وبعد أن تم إغلاق ملف حلايب في الأممالمتحدة نهائيا هذا أمر يختلف تماماً عن جوهر النزاع على طابا فهي أرض مصرية خالصة حاولت إسرائيل أن تتنازع السيادة المصرية عليها وقد ثبت خطل هذه المنازعة بحكم دولي قدمت له السودان كثيراً من الوثائق والأسانيد القانونية. مستشار: محمد عبدالرحمن صالح. eglal [[email protected]]