سنحت لنا مصادفة الزمان والمكان أن نلتقي بسوداني بهي الطلعة طليق المحيا ، مد لنا يده في خجل وكنا للتو قد وصلنا الي بهو الفندق في لاهي ومعي وفد السودان الذي شارك في ملتقي الإستثمار السوداني الهولندي الذي إنعقد في الفترة بين 21/ مايو ? 23/ مايو . قال لي أريد أن أهدي لك كتاباً عن الحداثة في الشعر الهولندي لأنكم أيُها السودانيون تعرفون فقط الشعراء الإنجليز مثل شكسبير وملتون و ت.س إليوت وأدبائهم مثل دينكز وبرنادشو وتعرفون القليل عن الأدباء الفرنسين مثل باسكال وفولتير وروسو وكامو وبول سارتر ولكنكم لا تعرفون شيئاً عن الشعراء الهولنديين ، قال لي ما إسمك وبدأ يكتب لي إهداء في كتابه الحداثة في الشعر الهولندي المعاصر ، وطففت أنظر إليه وأتأمله ، كان ذا عينين جاحظتين ويتكلم بهدوء قال لي « أنا هنا في هولندا منذ عشرون عاماً وبرعتُ في اللغة الهولندية وأدرسها في إحدي الجامعات بلاهاي وقد كتبتُ النص الأدبي لهذا الكتاب ، مد لي بطاقته للتعارف مكتوب عليها أحمد عكاشة أحمد فضل الله ، أما ترجمة الأشعار في الكتاب فقد ترجمها الشاعر العراقي محسن السراج . تصافحنا وإفترقنا لأنه كان علي عجل ? أحد دبلوماسي السفارة قال لي هذا الرجل ظل لمدة خمسة أعوام عندما يسمع بقدوم وفد زائر من السودان يصافحهم بحفاوه بالغه ويشمهم ويحضنهم و يهدي لكل واحد منهم كتاب الحداثة في الشعر الهولندي المعاصر . قًلتُ في نفسي ما أجمل هذه الإنسان السوداني وعشقه للأدب وللطبيعة والزهر وخرير الجدول . عندما يحل في أي موطن يحدًث فرقاً ويملا المكان طيبة وعزة نفس . أخذت منه الكتاب ولإزدحام برنامج زيارتنا في هولندا إذ نأتي دائماًُ في وقت متأخر ، عزمتُ علي أن أخصص ال6 ساعات في طائرة العودة الي الخرطوم لقراءة هذا الكتاب . يقول أحمد عكاشة قد قصدنا أن نورد التجربة الهولندية بحكم تواصلنا بها ومعرفتنا باللغة الهولندية ومطالعتنا لإدابها ، بهدف معرفة دور الشعر في نهضة الأمة الهولندية ويضيف أحمد عكاشة « نحن لا نريد أن نحكم علي الإبداع الهولندي من حيث التصنيف أو القيمة بل إخترنا من الشعراء من هو أبعد أثراً بمعني أنه عُرف وأسهم في الحراك الفكري والثقافي أو من وجد شعره أصداء خارج هولندا وبلجيكيا ولكن والكلام لأحمد عكاشة ، هنالك منْ هو أقدر منًا علي إصدار هذه الأحكام مثل الناقد الإنجليزي هربرت ريد الذي قال إن في الأدب الهولندي « طابعاً مبهما « بالرغم من أنه أي الأخير غني للطبيعة مثل الشعراء الهولنديين كما نذكر نماذج من أشعارهم لآحقاً ولكنه أي هربت ريد أخفق في أن يعكس لنا ما عكسه الشعراء الهولنديين من أدب شمل الإنسان ، ليس في نظرته الجمالية فحسب ، بل شمل أيضاً نزوعه الإنساني ونضاله ضد الطبيعة ( قام الشعب الهولندي بملامح بطولية رائعه في تفريغ مياه بجر الشمال وسكن إنسانه وأقام حضارته ) وكان للشعر دور رائد في هذه الملاحم . 1. منبت الحداثه الشعرية الهولندية. 1-1 تخطئة الفردانية : وهي مذهب يقول بأن مصالح الفرد هي فوق كل إعتبار ( هذا اول مبدأ للفكر الرأسمالي ). ولع أدباء وشعراء القرن الثامن عشر والتاسع عشر بتمجيد الفردانية وهم رواد الأدب الهولندي الحديث حتي نقدهم الشاعر المحدث الهولندي هيرمان قورتر Herman Gorter في مقاله بعنوان نقد الحركة الأدبية في الثمانينات من القرن التاسع عشر في هولندا ) في هذه المقالة إنتقد قورتير أدباء تلك الحقبة وقد سبق لقورتير أن اضحي مقتنعاً بالفكر الماركسي ، واصبح يعتقد أن الأدب هو نتاج للظروف الإقتصادية ، وتجرأ بالقول أن الوضع الإقتصادي في المجتمع له الأثر البالغ علي الفكر الانساني . بعد ذلك أصدر قورتير مجموعة شعرية جديدة تسمي ( Verzen ) الأشعار عًجت بعبارات مثل ( الإشتراكية لا محالة قادمة ) و( وتحيا الإشتراكية ) ( و نتانة رأس المال ) و (الإخوة بين البشر) . 2. J.H.Leopold ليبولد شاعر هولندي مخضرم و هو صاحب الشاعرية الفزة والإنسانية المتواضعة كان الشاعر الهولندي ليبولد لا يدخل علي نحو فوري في القصائد ولكنه يشكل الإحساس الطبيعي للإنسان وهو الإحساس الممزوج بالحياة ذاتها . وفي جميع دواوينه الشعريه اللاحقة التي من أهمها (( السر المفضوح )) ? ( طريق الضياء)- و (التبعات الملقاة علي العاتق))- (شخصيات للتابوت الحجري) وقد صدرت هذه المؤلفات خلال الفترة ما بين عام 1915-1930 والتي حاول خلالها التعبير عن ما أسماه بالفكرة . وهي القوة الدافعة للأمام والتي تشكل جوهر الحياة ، ولاتبدو واضحة إلا إذا إتخذت شكلاً معيناً وهذا الشكل هو ما إعتقده ليبولد أنه مرتبط بعناصر وحدة الوجود ، المذهب القائل أن الكون مادي والإنسان ليس إلا مظاهر للذات الإلهية ). الترجمات الشعرية للبيولد: تأثر الشاعر الهولندي ليبولد بشعراء الشرق وعلي رأسهم عمر الخيام . وقد أصدر ليبولد مجموعة شعرية سماها Oostersch )الشرقيات ) كان المنحني الأول بصورة رئيسية علي دقة حجم (ضآلة شأن) الوجود الإنساني. يبقي العالم دائماً وأبداً . في حين لايطول الامد علي أي ذكري لي تنقضي القدرة علي الإدراك . لم يفتقدني أحد قبل أن أجيئ الي هذا الوجود وعلي هذا النحو يمس الأمر بعد رحيلي . .... ولايختلف P.C.Boutens الشاعر الهولندي بوتينس الشاعر الصوفي ، شاعر الإبتهالات الذي قال في إحدي قصائده المسماه الخمر خمر السعادة المعتفه حًفظت في قبو ما هي أمالي وأناشيدي تومض فوق مائدتي نقيه حزنها يشع كالبلور مثل الذهب أصبحت رقيقاً وصعب المراسي لنخبكم احتسيهاً أيام أعياد الشباب الشاعر كارل فان de Woestyne : الشاعر الرمزي والتقليدي معاً ، الإهتمام بالطبيعة الفلسفية للإبداع المادي ، في قصيدته الإنشوده : يدهشني كل شحرور يتمايل علي وقع أغاريده أسرني عملاق الغابة هذا وأحكم وثاقي أقاوم مشاعر الفرح والسرور فبأي شراع امسك وأرافقه في الإبحار أنا خفيف كبذرة رقيق كالريشة أصاحبٌ في الترحال قطرات المطر أعلو فوق البحر أنهمل وأدمدم إتضاعف لثقتي في الحظ أبحر الآن اشابه زهرة التي حان موسم تفتحها أريجها يفوح ويعطر شراعي أنا مثل الأوزة تتشع بسماتي وامضاً كدلالة علي المعجزة الألهية بهذا نصل الي ختام مختارتنا من عباقرة الشعر الهولندي المعاصر وخلاصة الكلام أن للشعر الهولندي أثر كبير وواضح في ترقيه المفاهيم اذ إنتقل من الغناء للطبيعة الي شحذ قيم الانسان ومن جمال الكلمة الي جمال الفكرة ومن تبني الفردانية ( البرجوازيه الصغيرة) الي الاشتراكية. وبعد تطور النظام الإجتماعي الاوربي زاوجوا بين الذاتية للفرد والعمل الجماعي ووجدنا ذلك ماثلاً في النهضة الزراعية الهولندية والتي أساسها الفرد الذي يخدم الجماعة والمجموعة تخدم الفرد ( Co Operatives ) لذلك نشأت أكبر قوة اقتصاديه قد ترجع لهذه المزاوجه. من أمثلة ذلك جمعية الألبان الهولندية الإنتاجية , جمعية قطف الزهور ? وجمعيات انتاجيه أخري كثيرة. ما إن فرغت من قراءة الكتاب حتي سمعنا صوتا دافئا ينبعث من كابينة الطائرة يقول أربطوا الأحزمة استعدادا للهبوط في مطار الخرطوم ، أتربة عالقة درجة حرارة 40 ْ . نظر اليً الصحفي بله عمر وكأنه يقول , عبد الجبار, قال نهضة زراعية سودانية قال . قلت له نعم نهضة سودانية قادمة ولكنها تطول ، هيا يا شعراء بلادي وأدباءهم هيا لا تتقدم أي نهضة إلا بالأدب والشعر والفكره فالحضارة هي وليدة الثقافة .