في 24 مايو الماضي خصصت هذه الزاوية لانطلاق المرحلة الأولى من اقتراع المصريين لانتخاب أول رئيس بعد ثورة 25 يناير التي صعد منها كل من الدكتور محمد مرسي ورئيس الوزراء السابق الفريق أحمد شفيق الى جولة الاعادة التي بدأت أمس،بعد خطوات دراماتيكية انتهت بحل مجلس الشعب في قضية دستورية كان يمكن أن تستمر عشر سنوات على الأقل لكن حسمت بعد أسبوعين مما اعتبر انقلابا ناعما يقف وراءه المجلس العسكري الممسك بخيوط اللعبة. ومن أخطر ما يواجهه المرشح الفائز بزعامة أم الدنيا ،محدودية صلاحيات الرئيس المنتخب، وغموض طبيعة النظام السياسي: هل هو برلماني أم رئاسي. فقد أدى الصراع السياسي إلى عدم كتابة الدستور، وبالتالي فإن الرئيس الجديد سيمارس صلاحياته بناء على ما ورد في مادة من الإعلان الدستوري، ويدور نقاش سياسي ودستوري حول أحقية المجلس العسكري في إصدار إعلان دستوري مكمل يحدد صلاحيات الرئيس. ومن ضمن ما ذكرته حينذاك أن انتخاب رئيس جديد لن يحل مشاكل "أم الدنيا" أو يضع نهاية لعثرات المرحلة الانتقالية بل قد يسارع بتفجير حقل ألغام من المشكلات والأزمات المؤجلة، ما يفتح المجال إما لفوضى أو موجة ثورية جديدة، وكلا الأمرين يدفع باتجاه عودة الجنرالات. ويعزز الغموض في مستقبل مصر في ظل التعقيدات العسكرية - الاقتصادية والسياسية الممتدة عميقاً في مصر منذ انقلاب الضباط الأحرار قبل ستة عقود أن النفوذ العسكري يملك قوة حقيقية وموقعاً فاعلاً ومصالح كبيرة، ولن يتردد الجنرالات، على رغم إعلانهم المتكرر عن تسليم السلطة إلى المدنيين، في المواجهة من أجل الحفاظ على مصادر قوتهم، بما يضع مشروعهم أمام تحدي المشروع الإسلامي الذي بات يسانده من يرفضون عودة نظام حسني مبارك في ثوب جديد. نخب مصر ومثقفوها يرون أن بلادهم أمام تحد وبين خياري استمرار الثورة أو تقدم الثورة المضادة، ويعتقد الكاتب فهمي هويدي أن هناك ثلاثة سيناريوهات يستدعيها المشهد السياسي في القاهرة، أبرزها السيناريو الجزائري في آخر عام 1991 حين طبق نظام التعددية الحزبية في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، وخاضت جبهة الإنقاذ الإسلامية الانتخابات التشريعية منافسا لحزب جبهة التحرير المحتكر للسلطة، وبعد ما تبين أن جبهة الإنقاذ اكتسحت الدور الأول من الانتخابات وجد قادة الجيش المهيمن على البلد فرصة لإجهاض التجربة وإفساد العرس، وهو ما أدخل البلد في حرب شبه أهلية يسمونها هناك "العشرية السوداء"، التي استمر فيها القتال طول عشر سنوات، في صفحة دامية لم تطو إلا في سنة 2000، بعد تولى الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة السلطة، وأطلق ما سمي بميثاق السلم والمصالحة، الذي في ظله ألقت الجبهة الإسلامية سلاحها بالكامل وأطلق سراح قادتها. ما جرى بصدور قرار المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب واسراع رئيس المجلس العسكري المشير طنطاوي بتنفيذ الخطوة،لا يمكن عزله عن الحملة الاعلامية ضد الاسلاميين خلال الأيام الماضية والاشارات المتكررة في وسائل الاعلام وبعض الصحف عن سيناريو"حادثة المنشية" وهي حادثة إطلاق النار على الرئيس جمال عبد الناصر، في أكتوبر 1954 أثناء إلقاء خطاب في ميدان المنشية بالإسكندرية بمصر. وقد تم اتهام الإخوان المسلمين حينها بارتكاب هذه الحادثة ومحاولة قلب نظام الحكم، وتمت محاكمة وإعدام عدد منهم غير أن الجماعة نفت في شدة أية صلة لها بالحادث واتهمت نظام عبد الناصر بتدبيرها لضربهم والتخلص من اللواء محمد نجيب واظهار عبد الناصر كبطل قومي. مصر في مفترق طرق بين الثورة والثورة المضادة وشبح انقلاب كامل بعدما نفذ المجلس العسكري من وراء ستار انقلابا ناعما «نصف انقلاب»،ويبدو أنها لن تستقر قريبا،فلو فاز شفيق فان الاسلاميين تعهدوا بثورة جديدة للحفاظ على مكتسبات ثورة يناير،وفي حال فوز مرسي فانه سيدخل في مواجهة مع المجلس العسكري والمجتمع الدولي وخصوصا الدول الغربية التي لن تفرط في مصر قلب الشرق الأوسط النابض، وفي كلا الحالتين فان دورة اللا استقرار هي عنوان المشهد المصري الى حين.