أعلن الإخوان المسلمون في مصر فوز مرشحهم الدكتور محمد مرسي في السباق نحو القصر الجمهوري، وسط منافسة كبيرة مع أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك،في تطور يعني نظريا انهاء "جمهورية العسكر" التي رسم طريقها جمال عبد الناصر والضباط الأحرار يوم انقلبوا على الملكية عام 1952 ، وظلوا يحكمون "أم الدنيا" مباشرة أو من وراء ستار منذ نحو 60 عاما. ومن ضمن الأسباب التي ساعدت في فوز مرسي ، وعي المصريين بأن شفيق ليس في صالح الثورة، بعد ما استخدم اللغة نفسها التي استخدمها نظام مبارك قبل سقوطه، فشفيق تحدث عن أنه يمثل الإستقرار ومرسي يمثل مكتب الإرشاد وأنه سوف تكون هناك فوضى عارمة في حال فاز مرسي. كما أن الضربات الاستباقية التي وجهها المجلس العسكري للإخوان المسلمين قبل الإنتخابات بأيام ، مثل حل البرلمان والجمعية التأسيسية ومنح الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات الحربية، كان لها رد فعل عكسي لدى المصريين الذين شعروا أن المجلس العسكري يدبر لتزوير الانتخابات لصالح شفيق، وإعادة إنتاج نظام مبارك، فخرجوا من أجل إحباط المخطط وصوتوا انتقامياً لمرسي. وأسقط حل البرلمان عن الإخوان الإتهامات بالسعي للسيطرة على الحياة السياسية والتكويش على السلطات جميعها في مصر، التشريعية والحكومية والرئاسية والجمعية التأسيسية. وتعكس النتائج الأولية أن غالبية المصريين مع الثورة، وليسوا ضدها، وأنهم ينشدون التغيير، لا إعادة إنتاج النظام السابق مرة أخرى، لكن تقارب الأصوات التي حصدها مرسي وشفيق يكرس انقسام المجتمع المصري بين قوى ليبرالية وعلمانية وأخرى اسلامية. وتبدو المرحلة المقبلة في مصر أكثر ضبابية، خاصة بعد أن أصدر المجلس العسكري إعلانا دستوريا مكملا بعد ساعات من اغلاق صناديق الانتخابات الرئاسية منح نفسه بموجبه مزيدا من الصلاحيات، الأمر الذي ربما يمهد لحالة من عدم التوافق بين رئيس مصر الجديد والمجلس العسكري، ووفقا لتحليل خبراء الدستور والقانون للإعلان الدستوري المكمل فإن الرئيس سيكون ضيف شرف في القصر الجمهوري لحين كتابة الدستور الجديد. فالرئيس الجديد سوف تكون له صلاحية محدودة في تشكيل الحكومة ومتابعة أعمالها فقط، ولن يكون للرئيس حق اختيار منصب وزير الدفاع، كما لا يجوز للرئيس إصدار القوانين أو التشريعات التي ستكون في يد المجلس العسكري، الذي وعد بتسليم السلطة بنهاية الشهر الجاري غير أنها عمليا ستظل في يده ولن يسلمها بشكل كامل إلا بعد كتابة الدستور الجديد . لكن خبث العسكر معروف،فغير محدد موعد الإنتهاء من الدستور الجديد نظرا للجدل المتوقع حوله، وبالتالي فالرئيس الجديد ربما يكون بلا صلاحيات لأكثر من نصف مدته المقررة بأربع سنوات، وهو ما قد يرفضه مرسي ، وأيّ اعتراض منه يعتبر خروجا عن الشرعية الدستورية وعندئذ من حق المجلس العسكري الإنقلاب على الرئيس بحجة حماية الشرعية وعودة البلاد إلى نقطة الصفر واعادة انتخابات رئاسية جديدة. هذا الوضع سيدخل مصر في صراع ارادة بين السلطات فمن غير المعقول اعتبار المؤسسة العسكرية دولة داخل دولة، وما يعزز المخاوف أن تاريخ الجيش المصري وجماعة الإخوان المسلمين في العقود الستة الماضية تاريخُ مواجهات وصراعات، وإن حكم مصر لا يحتملهما معا، فقد ظلا القوتين الرئيسيتين في مصر منذ ثورة يوليو 1952، واتسمت العلاقة بينهما على الدوام بالتوترات والمواجهات. مرسي سيجد نفسه في وضع لا يحسد عليه ،فشعبه الذي وصل مرحلة سيئة خلال العقود الأخيرة سيكون متعجلا لتغيير أوضاعه المعيشية والاقتصادية في ظل ظروف غير مواتية محليا ودوليا، فمحليا مطلوب منه استقطاب موارد ضخمة وادارة جيدة ونظيفة،واقناع الرأي العام بالخروج من جلباب المرشد العام للاخوان المسلمين،حتى يكون رئيسا لكل المصريين،ودوليا التعامل ببراغماتية لتجنب مواجهة مع المجتمع الدولي الذي ينظر اليه بارتياب،ولن يسمح بانتقال القاهرة الى محور جديد يهدد مصالحها،ولن يتهاون في خنقه وحصاره سياسيا واقتصاديا. المعركة لا تزال طويلة والفترة المقبلة في الثورة المصرية أكثر صعوبة و ضراوة من مرحلة إسقاط مبارك، والنظام القديم والدولة العسكرية لا تزال تحكم مصر، رغم ذلك فأنا متفائل ولكني لم أجد أدق تعبير من المتشائمين ازاء مستقبل بلادهم من الدكتور حسن نافعة في أنه "أيًا كان الأمر وبغض النظر عن الفائز، فإن طائرة مصر المقلعة بعد الثورة قد بدأت تتجه نحو منطقة المجهول بعيدًا عن شبكات الرصد".