تتداخل عناوين النفط والحرب والعقوبات في الأحاديث الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدة والصين وتبرز فيها إيران والسودان واحتمالات المقايضة في التفاهم عليهما. السودان ملف أسهل على رغم تعقيداته المتعددة وقد يكون مكاناً آخر للتعاون الأميركي - الصيني في أعقاب التعاون العملي العسكري والسياسي والاستراتيجي القائم بينهما في مواجهة القرصنة التي صدّرها ويصدرها الصومال. إيران أصعب بسبب التقاطع بين طموحات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق ولبنان وفلسطين من جهة، ولأن إسرائيل لاعب يمسك أوراق المفاجأة - أو سيناريو الرعب - ويراقب عن كثب مسيرة الحديث الدولي مع إيران وأصدقائها و »كواكبها«. مواقع الدول الخليجية، في أحاديث التعويض عن النفط للصين في حال فرض إجراءات عقوبات قاسية تستفز إيران، مواقع مهمة بالتأكيد إنما الأنظار »الإستراتيجية« منصّبة على العراق لأنه كنز احتياط نفطي وهو ما زال قابلاً »للاقتسام«. ضمن أهم ما حدث في »قمة الأمن النووي« التي عُقدت هذا الأسبوع في واشنطن هو تركيزها على أولوية مكافحة »الإرهاب النووي« وإبراز المخاوف من وصوله الى أيدي الجماعات الإرهابية في العالم، وفي طليعتها المجموعات الإرهابية الإسلامية على نسق »القاعدة«. صحيح أن رسائل ضمنية عدة خلال القمة وعلى هامشها أثارت المخاوف من إيران وكوريا الشمالية وضرورة عزلهما ومنعهما من تطوير الأسلحة النووية. إنما الرسالة الأقوى والأوضح أتت في تحويل الأنظار عن امتلاك الدول للقدرات النووية وبين وقوع هذه القدرات بين أيدي الجماعات الإرهابية، وكأحد عوارض إعادة خلط أوراق التركيز، حدث شبه إعفاء للدول التي تملك السلاح النووي وترفض الانتماء الى »معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية« من التدقيق والمحاسبة. وهذا بدوره سينعكس في مؤتمر مراجعة المعاهدة في نيويورك وسيتداخل مع المفاوضات الجارية على مشروع قرار تعزيز العقوبات على إيران بسبب الشكوك في برامجها النووية. هذه المفاوضات دخلت عتبة جديدة في أعقاب اللقاء المهم بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الصيني هو جينتاو لأن الرئيسين تحدثا معاً اللغة الاستراتيجية وفي مقدمها الناحية النفطية. فواشنطن تتفهم احتياجات بكين في قطاع النفط وترى أن هناك حاجة لطمأنة الصين وتوفير البديل النفطي عما توفره لها إيران إذا اقتضت الحاجة، ولذلك تتوجه الإدارة الأميركية الى الدول العربية النفطية لتوفير البدائل الجاهزة فيما تتحدث بلغة المصالح المتبادلة مع الصين في مكانين آخرين مهمين نفطياً هما السودان والعراق. الصين مهتمة فائق الاهتمام بالسودان لأسباب نفطية أولاً وكانت دوماً في صدارة معارضة معاقبة النظام في الخرطوم عبر إجراءات دولية مهما حدث في دارفور أو في الجنوب. هذه الأيام، تجد الإدارة الأميركية نفسها أكثر اهتماماً بتطور العلاقة بين الجنوب والشمال في السودان مما هي بالتطورات في دارفور، وتجد نفسها أقرب الى مواقف الصين القلقة من إفرازات وعواقب احتمال انفصال الجنوب عن السودان والذي جاء نتيجة اتفاقية رعتها الإدارة السابقة. وعليه، هناك أفكار تدور في فلك المطلعين على هذا الملف تصب في خانة التشجيع على حديث أميركي - صيني يقايض التساهل الأميركي في موضوع السودان وعدم الإصرار على مسيرة الانفصال مقابل التشدد الصيني مع إيران لإبلاغ الملالي أن الخيارات المتاحة أمامهم هي: إما الموافقة على المفاوضات التي تعرضها الدول الخمس زائد ألمانيا وتنطوي كأمر واقع على تلبية أولوية للإيرانيين هي الاعتراف بنظام الحكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بازدراء للمعارضة وقطع الطريق عليها عملياً. أو مواجهة العقوبات الجدية المؤذية لنظام »الحرس الثوري« والتي تهدف الى تقويض السعي وراء امتلاكه السلاح النووي. أو إعادة التفكير مجدداً في الحسابات التي استنتجت أن الولاياتالمتحدة غير قادرة وغير مستعدة لاستخدام الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، لأن تلك الحسابات خاطئة، لا سيما إذا أُخِذَت في إطار التحديات السياسية المحلية والانتخابية للحزب الديموقراطي وللرئيس باراك أوباما. والذين يتحدثون بهذه اللغة يتهكمون على الداعين الى القبول بإيران نووية والخضوع لأمر واقع يفرضها كدولة نووية، وفي رأيهم أن ذلك قطعاً غير وارد وأن كل ما يحتاجه الرأي العام الأميركي ليبدل معارضته لعملية عسكرية أميركية على إيران هو إبراز أخطار امتلاك ملالي طهران قنابل نووية قابلة للتصدير الى جماعات إسلامية متطرفة وإرهابية. وبحسب مصادر مطلعة فقد ابلغت الولاياتالمتحدة الصين أن استخدام الخيار العسكري قد يكون حتمياً ولا مفر منه إذا استمر التعنت الإيراني في رفض »جزرة« المفاوضات والاعتراف والتأهيل والعودة عن أنماط العزل والعداء للإدارة الأميركية السابقة. وعليه، تشجع واشنطن الديبلوماسية الصينية على القبول بعقوبات جدية وصارمة وذات أنياب على إيران لأن العقوبات تؤخر - إن لم تعطل مرحلياً - اللجوء الى خيار استخدام القوة العسكرية. ولأن هذه المعادلة غير كافية بمفردها في اللغة الإستراتيجية، فالحديث حول العراق هو أحد أعمق الأحاديث غموضاً وسرية. بل ليس واضحاً بعد أن كانت عناوين ذلك الحديث قد خرجت عن حفنة من صناع القرار. نقلاً عن «الحياة» اللندنية