لا تزال الحكومة المرتقبة لا تحمل اسما رسميا ماعدا مايطلق عليها من اجتهادات الصحفيين مثل حكومة الطوارئ وحكومة الامر الواقع حيث لم يجتهد الحزب الحاكم فى اطلاق اسم (دلع) على الحكومة المرتقبة خلافا للحكومات السابقة التى كانت تحمل اسماء براقة وفقا لمتطلبات المرحلة، ومعلوم ان حكومة انقلاب 30 يونيو1989 حملت اسم حكومة الانقاذ الوطنى وهو الاسم الاصلى الذى مازال يحتفى به وعقب التوقيع على اتفاقية نيفاشا 2005 كان التحدى الذى يواجه شريكى الاتفاقية المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية هو جعل الوحدة جاذبة لذا تم اطلاق اسم حكومة الوحدة الوطنية على الحكومة التى ضمت الشريكين وبقية القوى السياسية بنسب اقل وكذلك عقب الاعلان الرسمى لانفصال الجنوب فى يوليو 2011 كان التحدى الذى يواجه البلاد تحقيق وفاق وطنى للحفاظ على ماتبقى من السودان فحملت الحكومة التى تم تشكيلها بعد حوار مع احزاب المعارضة امتد لاشهر حكومة القاعدة العريضة. والمفارقة ان حكومة الوحدة الوطنية لم تفضِ الى الوحدة بل انتهى بها المطاف بانفصال الجنوب وكذلك حكومة القاعدة العريضة تضخمت وانتفخت بطنها وجيوبها الخلفية بالصرف الادارى مما تطلب عملية جراحية لاصلاحها وتقليصها و كذلك معلوم كيف انقذت الانقاذ السودان الذى استلمت السلطه فيه عبر انقلاب عسكرى بمساحة مليون ميل مربع. بالعودة الى حكومتنا المرتقبة واقترح تسميتها (الحكومة المقلصة المدمجة المخفضة) نظرا لعمليات التقليص والدمج وتخفيض مخصصات اعضائها وبالمناسبة هذا الاسم لا علاقة له بما عرف بالقوات المشتركة المدمجة التى نص على تشكيلها البروتوكول الامنى باتفاقية نيفاشا من اجل ان تصبح نواة لجيش قومى فى حال افضى الاستفتاء على حق تقرير المصير لوحدة بين الشمال والجنوب ومعلوم للجميع المصير الذى آلت اليه تلك القوات .. ربما يعود عدم احتفاء المؤتمر الوطنى بالحكومة المرتقبة والتبشير بها وتدليعها وتسويقها ربما بسبب ان الاعلان عن هذه الحكومة جاء بشكل عاجل لامتصاص الغضب الجماهيرى المحتمل فى حال رفع الدعم عن المحروقات. و تشير كافة المؤشرات الى ان الحكومة الجديدة المرتقبة لا تجد من يحتفى بها من قبل كافة الاطراف ابتدءا بفريق السلطة (منسوبى الحزب الحاكم والاحزاب المرافقة له ) بسبب التوجس من المجزرة التى ربما تطالهم جراء عمليات التقليص والدمج والتخفيض والرجيم خاصة ان الحزب الحاكم حُمل على اتخاذ هذه الاجراءات بسبب الازمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب فى جنوب كردفان والنيل الازرق وكذلك ايقاف ضخ بترول الجنوب والحرب مع حكومة الجنوب وفقا لبيان وزير المالية امام البرلمان ، وكذلك لن يحتفى بها الشارع الذى يعتقد ان تشكيل هذه الحكومة جاء كعربون لرفع الدعم عن المحروقات ايضا بالطبع لن تحتفى بها المعارضة التى ستسعى الى اسقاطها بكل ما اوتيت من قوة مستثمرة حالة الرفض للسياسات الاقتصادية الجديدة اعتقد ان الشخص الوحيد الذى سيكون سعيداً بقدوم هذه الحكومة هو وزير المالية الذى ناضل وقاتل بشراسة داخل وخارج قبة البرلمان من اجل اقرار السياسات الاقتصادية الجديدة التى تضمنت رفع الدعم عن المحروقات ولم يكن عدم الاحتفاء بالحكومة المدمجة و تسميتها الامر الوحيد الذى اثار فضولى ايضا كذلك مازلت اتساءل حول المعايير التى اعتمد عليها الحزب الحاكم فى تحديد نسبة تقليص عدد الدستوريين فى المركز والولايات من اجل تقليل الانفاق الحكومى ضمن برنامج الاصلاح الاقتصادى هل خضعت نسبة التقليص المعلنة بنسبة 60% الى دراسة خلصت الى ان نسبة ال 40% المتبقية من اعضاء الحكومة المرتقبة بالفعل يمثل الحد الادنى الذى بامكانه تحريك دولاب العمل بالدولة ؟ ام ان الامر تم (بالكوار) وبطريقة( يفتح الله يستر الله وباركوها ياجماعة قرض على كده عشان ناس فلان ما يطلعوا برة التشكيلة ؟) وهل توجد امكانية لتقليصها الى نسبة اقل ؟ وهل بامكان حكومة مقلصة الى اقل حد تضم رئيس الجمهورية ووكلاء الوزارات بامكانها ادارة شؤون البلاد ؟ اذا كان بالفعل عدد الدستوريين اعضاء الحكومة المدمجة بامكانهم تصريف دولاب الدولة بكفاءة عالية تمكنهم الخروج من الازمة السياسية والاقتصادية والامنية غير المسبوقة التى تواجها البلاد هذه الايام لماذا فى الاساس تم تشكيل حكومة عريضة زائدة عن حاجة البلاد ، ولماذا تراجع الحزب الحاكم عن وعده عقب انفصال الجنوب بتشكيل حكومة رشيقة تحمل ذات مواصفات الحكومة المرتقبة ( المقلصة المدمجة) لو تم ذلك حينها لما احتاج المؤتمر الوطنى الى رفع الدعم عن المحروقات وارهق نفسه فى عمليات دمج وتقليص خاصة ان خروج بترول الجنوب كان امرا معلوما كذلك الحرب فى جنوب كردفان والنيل الازرق اندلعت قبل الاعلان عن تشكيل الحكومة ذات القاعدة العريضة. عموما الموقف من الحكومة المقبلة انها لن تجد سنداً جماهيرياً لان الجماهير تعلم بان قدومها يعنى تنفيذ قرار رفع الدعم عن المحروقات كما ينتظر قدومها بتوجس منسوبو الحزب الحاكم والاحزاب المرافقة له خوفا من ان تطالهم مقصلة التقليص وكذلك موقف المعارضة يذكرنا بواقعة طريفة حدثت باحدى محليات كسلا وموقف المواطنين والتجار والاعيان وموظفى المحلية من زيارة درج والى الولاية القيام بها الى المحلية. قبل عدة سنوات ابتدع احد المعتمدين باحدى محليات ولاية كسلا اقامة وليمة فطور على شرف زيارة روتينية درج والى الولاية القيام بها للطواف على محليات الولاية المختلفة للوقوف على الاوضاع ميدانيا، وعندما كانت موارد المحلية الشحيحة لا تتحمل ميزانية فطور الوالى اصدر المعتمد قرارا باستقطاع مبلغ مالى بسيط من رواتب العاملين بالمحلية واستنفر تجار وعمد واعيان المنطقة للمساهمة تحت بند فطور الوالى ولزوم الترتيبات اللازمة للزياره منها طلاء مبانى المحلية بالجير الابيض الذى كان يتسخ فى كل مره بعد انتهاء زيارة الوالى بفعل الاتربة والكتاحة التى اشتهرت بها تلك المنطقة. وكذلك جلب تناكر مياه من خارج المنطقة التى مازالت تعانى من شح فى مياه الشرب لرش الطريق الذى سيسلكه الوالى وتوفير وقود اضافى للمولد الكهربائى الوحيد بحاضرة المحلية لتشغيله فى ساعات النهار خلافا للايام العادية التى كان فيها امداد التيار الكهربائى يعمل لمدة ثلاث ساعات فى الفترة المسائية ، عندما توالت زيارات الوالى الى المحلية لافتتاح مشاريع تنموية من شاكلة تسوير زريبة المواشى وطلاء مبنى المحلية تزايدت مخاوف العمدة جيلانى احد اعيان المنطقة من ان تصبح الزيارة عبئا على المواطن وخشي من تضاعف فواتير الشطة والدكوة والبلح مع وتيرة ارتفاع الاسعار حينها قرر العمدة جيلانى التحدث مباشرة مع والى الولاية فقال العمدة مخاطبا الوالى ( والله ياسعادتك انحنا مبسوطين من زيارتك المتكررة والوفد الكبير المرافق لكم الى محليتنا وهذا يعكس اهتمام سيادتكم بهذه المنطقة ولكن فى المرة الجاية ياريت لو جيتنا براك وكمان فاطر) العمدة جيلانى شخصية معروفة اشتهر بالنكتة والطرفة وداره عامرة بالضيوف وعرف عنه الكرم ودعوته للوالى بأن يأتى فاطرا لا تنم عن بخل ولكنه اراد ان لا تتحول وليمة عادية الى مناسبة عامة تبتلع الموارد الشحيحة وتستهلك الجهد الرسمى وتصبح مدخلاً لتجاوزات ادارية ومالية وكذلك اراد ان يقول لوالى كسلا بان التكلفة التشغيلية لزيارته والوفد المرافق له عالية. الرسالة التى اراد ايصالها العمدة جيلانى الى والى ولاية كسلا تصلح هذه الايام كرسالة الى الحزب الحاكم لتقييم مشاركة احزاب التوالى فى الحكومة العريضة التى ربما لم تختلف عن (زيارة الوالى والوفد المرافق له) والتى تبدو كأنها وليمة كبيرة للاحزاب المشاركة او المرافقة للمؤتمر الوطنى والتى وضح ان التكلفة التشغيلية لمشاركتها فى السلطة اكبر من العائد السياسى والاقتصادى ،حيث لم تمنع الحكومة العريضة التى تضم 14 حزبا من تدهور الوضع الاقتصادى ولم تتمكن من ايقاف الحرب فى جنوب كردفان والنيل الازرق ولم تحقق الوفاق الوطنى المنشود وذلك ربما لان مشاركة الاحزاب المرافقة او ما يعرف باحزاب الوحدة الوطنية فى السلطة لم تتم وفق فعالية حزبية واوزان سياسية تمتلك قواعد جماهيرية بل املتها رغبة المؤتمر الوطنى فى البحث عن وفاق وطنى بعد رفض احزاب المعارضة المشاركة فى الحكومة العريضة كما صادفت مشاركة تلك الاحزاب فى السلطة حاجة الحزب الحاكم لوجود واجهات سياسية يتم استخدامها فى الازمات وتحميلها رسائل سياسية الى جهات داخلية وخارجية و تتبنى مواقف نيابة عنه. بعد ان اعلن رئيس الجمهورية امام البرلمان القرارات الجديدة بشأن تقليص الجهاز التنفيذى بالدولة على المستويين المركزى والولائى وخفض مخصصات الدستوريين نخشى ان تتسلل الترضيات والموازنات الجهوية والقبلية الى جسد الحكومة المرتقبة ،كما نخشى ان تدفع رغبة المؤتمر الوطنى فى اضعاف احزاب المعارضة فى ضخ ممثلى الاحزاب المنشقة فى هيكل الحكومة المقلصة الامر الذى سيعيدنا الى مربع الحكومة العريضة. لذلك اعتقد ان الحزب الحاكم يجب ان يضع امامه ثلاثة خيارات لتشكيل حكومة تقلل من الانفاق الحكومى وتحقق اكبر قدر من التوافق السياسى الحقيقى الخيار الاول تشكيل حكومة واقعية ووفقا للنسب التى حددها قرار رئيس الجمهورية تضم بجانب الحزب الحاكم الحزب الاتحادى الديمقراطى والحركات الموقعة على اتفاقيات السلام الخيار الثانى تكوين حكومة ازمة التى طالبت بها احزاب المعارضة بمشاركة الاحزاب الرئيسية مثل حزب الامة القومى والشيوعى والشعبى وتكوين مثل هذه الحكومة من شأنها ازالة الاحتقان السياسى وتخفيف الضغوط الخارجية على السودان ، والخيار الثالث هو الخيار الذى طرحه العمدة جيلانى لوالى كسلا (تعال لينا براك) حكومة خفيفة تضم رئيس الجمهورية ووكلاء الوزارات.