لا يستطيع المرء أن يجد التوصيف الصحيح لحالنا الاقتصادي اليوم، فلا ادري هل نحن في حالة ركود ام في حالة كساد وما الفرق بينهما، والاقتصاديون لديهم نكتة شهيرة تقول اذا فقد جارك وظيفته فهذا ركود، اما الكساد فهو ان تفقد انت وظيفتك.. على كل فقد بدأت حكومتنا في تطبيق البرنامج الثلاثي الذي يشتمل على جملة اجراءات منها تخفيض الانفاق العام واتباع سياسة تقشفية صارمة للحد من العجز المريع في الميزانية، وهي سياسة متبعة في كثير من الدول ذات الظروف المشابهة، ودولتان مثل اليونان واسبانيا خير مثال مع الفارق، فقد تبنتا سياسة تقشف لا مثيل لها في منطقة اليورو بعد ان فشلت كل محاولات انقاذهما من الانهيار عبر وسائل اخرى كما هو حالنا اليوم، فقد ركبنا الصعب وبقي علينا ان نواجه واقعنا ونعيش التقشف. وتقشف الرجل في اللغة قتر على نفسه واكتفى بما هو ضروري، وانصرف عن الملذات والتنعم في كل شيء، وتقشف القوم ساءت أحوالهم وضاق عيشهم، وهذا ما نخشاه، ولكن الامر ليس جديداً، فالأمم عند تعرضها للمحن عليها أن تكون قدر المسؤولية وتواجه ما ألم بها وفق منهج متفق عليه يؤدي في نهاية المطاف الى الخروج من الضائقة بدلاً من دفن الرؤوس، وبعد أن وقع الفأس على الرأس لا يجدي البحث عن كبش فداء، فليس مهماً اليوم من المسؤول عما حدث، لأن القائمة تطول، والمهم هو حديث الشفافية البين والحديث اللين بعيداً عن التحدي ومغالطة الواقع. والناس عادة ما ينشغلون بسلوك حكوماتهم، وما تتخذه من سياسات لها تأثير على حياتهم اليومية ومستقبلهم، وينصرفون عن سلوكهم تجاه هذه الاجراءات، وقلما تجد من يحدثك عن تفاصيل ميزانية أسرته هذه الايام وخطته لمواجهة ما هو قادم، فقط هو يتحدث عن الحكومة.. والحكومة نفسها كان لزاماً عليها أن تحدث الناس عن كيف يتصرفون في مثل هذه الظروف، وأن تقدم لهم النصائح.. وهناك دول العالم لديها جهات تقدم مثل هذه الدراسات والمقترحات .. ودولة مثل السعودية مع غناها واستقرار اقتصادها لديها اهتمام بهذا الجانب، اما نحن فالاهتمام قليل إن لم يكن منعدماً، فلم اطلع حتى الآن على ميزانية مثالية لأسرة سودانية معدة بطريقة علمية يمكن للأسر الاستعانة بها في مثل هذه الظروف «دليل ميزانية الاسرة»، وقد رأيت أن أقدم بعض النصائح وانا غير مختص بهذا الجانب حتى لا اتهم، والاجدر ان تأتي المبادرة من جهات اخرى ذات صلة مثل وزراء مالية البيوت وهن النساء طبعاً.. وتم دمج المالية إلى الحقيبة الداخلية التي يشغلنها بالاصالة لاسباب تقشفية، المهم هو ان تقدم كل ست بيت مدبرة ميزانية شد الحزام معدلة، وان تستخدم تكتيكاتها لتمريرها عبر البرلمان المصغر وهم اهل البيت، فاذا تمت اجازتها ستكون سياسة واجبة الاتباع. وأنا هنا في غاية الجدية، فقد تعود الناس الا يهتموا بوضع ميزانيات شخصية او اسرية، والحياة فوضى عندهم، ونحن المسلمون نسأل عن اموالنا من اين كسبناها وفي ماذا انفقناها، والأمر أمر دين في المقام الاول وليست ثقافة كما هو في الغرب، فقد تعود الانسان عندهم على وضع ميزانية تشمل حتى مدخرات فترة ما بعد التقاعد، والانسان لديه اكثر من حساب في البنك، وكل حساب لغرض محدد مثل حساب التقاعد ايداع فقط لا يتم السحب منه، وميزانيات ليوم جنازاتهم، فلماذا لا نغير سلوكنا.. يجب فتح أكثر من حساب لكل اسرة، حسابات حتى للأطفال ليتدربوا، وعلى البنوك الا تضع شروطاً صعبة لفتح الحسابات حتى يتعود الناس على الادخار. ورب ضارة نافعة، فإن تبني كل أسرة إعداد ميزانية مصغرة خاصة بها يعتبر نوعاً من ادارة موارد الأسرة، فاذا فشلت الحكومة في ادارة الموارد بصورة جيدة فعلى الأسر أن تدرب نفسها على ادارة مواردها وتقدم ميزانيتها على أساس الدخل السنوي مقسمة على «12» شهراً، تشمل المصروفات الشهرية الثابتة المتمثلة في الايجار، الاقساط، الغاز، الكهرباء، الماء، التلفون، مصروفات المدارس ومصروفات متغيرة مثل المأكل، الملبس، المصروفات الشخصية، مصروفات تشغيل المنزل، الأدوية والطبيب. وطبعاً لا توجد قاعدة عامة، ولكن الأمور تخضع للظروف، والمهم المرونة، وخطورة المسألة تأتي في حالة الدخل غير الثابت، خاصة اذا كان هو حال غالب الشعب، مما يعني وجود عجز كبير في ميزانية الأسرة. والنظريات والقوانين القديمة كانت تقول إن 40% من الدخل يصرف على الطعام واليوم 80%. وتقول النظرية كلما انخفض دخل الاسرة زادت نسبة المنفق على الطعام. وتتولى الأم القيادة في مثل هذه الحالات، فعليها أن تحاول تقديم بدائل بشكل جميل، مثلا تقليل كمية اللحوم باللجوء الى السمك، ولا ادري اليوم هل السمك يطاق، كما يمكن تقسيم الدجاجة الى «6» أجزاء بدلاً من «4»، والتوفير في بند الملابس والكهرباء والماء والغاز لما لها من نصيب كبير في الميزانية حيث يصرف الناس بشكل مبالغ فيه، فلا بد من تغيير عاداتنا اليومية السيئة والتركيز على ترشيد الاستهلاك، والهاتف المحمول يبتلع جزءاً كبيراً من الميزانية من شحن ورنات وكول تون وألعاب وغيرها، بالاضافة إلى امتلاك أكثر من جهاز، ويمكن الاقتصار فقط على الهدف الرئيسي وهو اجراء المكالمات الضرورية فقط والتركيز على الرسائل. وحتى نهاية هذا العام لا بد من تقديم ميزانية أسرية محددة جداً وخالية من اية بنود غير ضرورية، ولا مجال لشراء أدوات التجميل لأنها من الكماليات، وكن جميلا ترى الوجود جميلاً، اما الزواج وميزانيات الشيلة، فإما التأجيل أو تخفيض جهاز العروس الى الثلث، والثلث خير لأن الزواج من أسباب زيادة الرزق، ولدواعي التخفيض الذي شمل كل شيء حتى هذا المقال ننصح بتخفيض كل البنود بنسبة الثلث مع التركيز على بندي الأكل والمدارس. ولا شك أن هناك عجزاً كبيراً يواجه ميزانيات الأسر والأفراد، مما يتطلب وجود جهات كثيرة غير حكومية داعمة، خاصة أن ميزانيات الطوارئ الأسرية قد نفدت، لذا فلا بد لمنظمات المجتمع المدني والخيرين من التدخل للمساهمة في تقليل فجوة هذا العجز. وأخيراً علينا ألا ننسى المداومة على قواعد زيادة الرزق من تقوى الله وحسن التوكل والاستغفار والبر وصلة الرحم وإقامة الصلاة والتبكير في العمل، والحمد والشكر وكثرة الصدقة وطلب العلم. «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون» صدق الله العظيم.