هل صحيح ان خطوة إغلاق حكومة دولة جنوب السودان لآبار النفط شكل مفاجأة للخرطوم ،الامر الذي تسبب في إحداث فجوة كبيرة في إقتصاد وميزانية السودان وأفرز الازمة الحالية ؟ للإجابة على هذا السؤال تحتاج الحكومة الى اكبر قدر من الشفافية وعليها ان تستعين بصديق من خلال الاجابة على سؤال ثاني ذي صلة ..هل كانت الخرطوم تتوقع ان تختار الحركة الشعبية وقياداتها خيار الوحدة الجاذبة بديلاً من الإنفصال والاستقلال بثروات جنوب السودان ؟ ان اكبر خطأ ارتكبته الخرطوم هو دعمها اللامحدود للبرامج الانفصالية في مقابل عدم رعايتها لكل ما من شأنه تحقيق الوحدة الجاذبة بين جميع ابناء الاقاليم المتأزمة عوضاً عن حماية العلاقة بين الشمال والجنوب..لقد كان إنفصال الجنوب خطأ قاتلاً ولم يكن منهجاً من الحركة الاسلامية ولو انه كان منهجاً معترفاً به لما استثمرت الانقاذ منذ بداياتها في عمليات البحث واكتشاف واستخراج النفط من اراضي الجنوب وهي تعلم انه الى زوال . اذن هنالك برامج دخيلة وفدت الى جسم الانقاذ كما يفد السم الزعاف الى شرايين الدم ليقتل خلايا الحياة ..ليس برامج الانفصال ودعاواه وحدها وانما يلحظ المدقق في مسيرة الحكم اجتياح العديد من الآراء الغريبة والمشروعات العبثية والافكار الهدامة وقد نشطت هذه البرامج ووجدت الدعم حتى تمكنت من مفاصل السلطة واصبحت تقود دفة الامور فتهدم السياسات الايجابية وتنمي السياسات العرجاء حتى اوصلت الامور الى الوضع الراهن ، ولذلك يسهل اطلاق الكلام على عواهنه في مثل هذه اللحظات حتى يقول قائل لم تكن نتوقع ان يغلق سلفاكير آبار النفط وتفقد الخزينة في الشمال جراء ذلك ملايين الدولارات..أين ذهبت المستشاريات وأين كانت تغط في نوم عميق ادارات التخطيط الاستراتيجي وكيف قنع القطاع الاقتصادي بالاعتماد على موارد متحركة مثل رمال الصحراء وكيف جاز دعم برامج الانفصال ثم انتظار ضرع بقرة الجنوب الحلوب ؟. عشرون عاماً مضت والحكومة تعتمد على انسياب المال السهل في خزائنها دون ان تنمي الزراعة والصناعة والتجارة والعلوم المختلفة واسباب الكسب السياحي والتعديني وغيره واليوم تبرز المفاجأة الكبرى. ان سوداننا الحبيب بلد المليون ميل مربع وسلة غذاء العالم لم يعد كذلك لا في المساحة الجغرافية ولا في المساحات الخضراء المستصلحة بأيدي الزراع ، لقد ضاع كل شئ واصبح الغلاء هو سيد الموقف. ان اعلان تشكيلة وزارية جديدة مختصرة بعد تشليع اكبر عدد من الدستوريين لن يحل المشكلة اذا كانت السياسات هي ذات السياسات والبرامج والمشروعات والقوانين العقيمة ماتزال سارية ، فالبلاد تحتاج الى مؤتمر قومي جامع . ان عزم الراشدين من اهل الحكم على تقليص الدستوريين يحمل بين طياته عزيمة ورغبة في التغيير فليكن التغيير شاملاً يشمل الخطط والبرامج والسياسات وليس جزئياً يرمي بالدستوريين من دواوين الحكومة الى دهاليز دور الحزب لتستمر المسألة دونما تغيير.