٭ في الصين القديمة سأل الامير «لنج» الفيلسوف كونفشيوس عن وصفة ليقيم بها السلم ويعيد بها صياغة الناس بأخلاق عالية وهمم متوثبة فكتب اليه كونفشيوس الوصفة التالية: ٭ ضع الالفاظ موضعها فحين لا توضع الالفاظ موضعها تضطرب الاذهان وحين تضطرب الاذهان تفسد المعاملات.. وحين تفسد المعاملات لا تدرس الموسيقى ولا تؤدى الشعائر الدينية.. وحين لا تدرس الموسيقى ولا تؤدى الشعائر الدينية تفسد النسبة بين العقوبة والاثم وحين تفسد النسبة بين العقوبة والاثم لا يدري الشعب على اي قدميه يرقص ولا ماذا يعمل بأصابعه العشرة. ٭ هذه التذكرة التي قدمها الفيلسوف الحكيم للامير «لنج» استحضرتها وانا اطالع كتاب صلاح عبد الصبور «حياتي في الشعر» وهو يتحدث عن عذاب شهوة اصلاح العالم. يقول ان شهوة اصلاح العالم هي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر لان كل منهم يرى النقص ولا يهرب منه او يتجاهله او يتجاوزه بل يعمل كل ما في وسعه من اجل ان يجد وسيلة لاصلاحه، وقد يحمل الفلاسفة رؤية مرئية للكون وقد يضعون منهجاً مرئياً للوصول لغايتهم المبتغاة ويبشرون بنظريات مرئية في تجاوز هذه النقائص. ً٭ ولكن الشعراء يعرفون ان وسائلهم تأتي عن طريق الانفعال والاتقاد الوجداني وان كلامهم يتجه الى القلوب وقد يكون اثرهم اكثر عمقاً اذ ان التعليم والنصح المجرد يغيضان للنفس كما ان التعبير بالصورة اعمق اثراً من التعبير باللغة المجردة. ٭ ومن هنا قال صلاح.. انا لست شاعراً حزيناً ولكني شاعر متألم وذلك لان الكون لا يعجبني ولاني احمل بين جوانحي كما قال «شللي» شهوة لاصلاح العالم وقد اعترف لنا «شللي» انه قد استقى هذا التعبير النبيل الجميل من احد الفلاسفة الاسكتلنديين ولعل في ذلك اشارة الى المعنى الذي سبق ان المحت اليه عن الصلة بين الدين والشعر والفلسفة. ً٭ والفلاسفة والانبياء والشعراء ينظرون الى الحياة في وجهها لا في قفاها وينظرون اليها ككل لا كشذرات متفرقة في ايام وساعات ومن هنا فان همومهم تختلط فيها الميتافيزيقيا والواقع والموت والحياة والفكر والحلم، وكثيرا ما تنقل وطأة هذه النظرة الكاشفة الثاقبة على نفوسهم وينتابهم الشك في امكان الاصلاح ولذلك فان في حياة كل شاعر او نبي او فيلسوف لحظات من اليأس المرير والاستبشاع للواقع والطبيعة. ٭ هذه الرؤى القاسية ليست دليلاً على التشاؤم السلبي المغلق ولكنها دليل على الشوق المجاوز المنفتح الى اصلاح العالم فرد الشر وتجسيمه لا يعنيان اننا نتهاون معه بل نواجهه. ٭ واما انصار التفاؤل المهين الساذج وفلاسفته ليس في الامكان ابدع مما كان ومبررو الخطايا والجرائم اولئك الذين يدعوننا الى الابتسام الابله والرؤية القاصرة والنظرة من قفا الحياة فقد اختلفت بيننا وبينهم السبل الى غير رجعة. هذا مع تحياتي وشكري