تحولت الندوة التي نظمتها رابطة الكتاب السودانيين الأحد الماضي الى مناقشة لقضايا التشكيل في السودان ، وأصبحت الندوة التي قدم الورقة الرئيسية فيها الفنان التشكيلي بابكر محمد أحمد كنديو وأدارها الناقد مجذوب عيدروس، ندوة مفتوحة حول قضايا الفن التشكيلي في السودان . قدم مجذوب عيدروس الفنان التشكيلي بابكر كنديو ، بأنه من أبناء شرق السودان ، وتخرج من كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بالخرطوم ، وعمل معلماً في المدارس الثانوية بودمدني ، بورتسودان وكسلا ، وكان عضواً في جماعة ابادماك بالخرطوم ، ثم في المكتب التنفيذي لرابطة الجزيرة للآداب والفنون ، وظل فاعلاً في الشرق ، كما تحدث مجذوب عن مساهمة بابكر كنديو في حركة المسرح والتشكيل في الجزيرة وقد أخرج عدة مسرحيات سواء في المسرح المدرسي أو مسرح الجزيرة ، وكانت من العلامات المهمة التي خرجت عن السائد آنذاك ، وضرب مثلاً بمسرحية اللغز ( كوميديا أوديب ? انت اللي قتلت الوحش ) لعلي سالم واعداد وسودنة محمد محي الدين ، حيث تميزت الرؤيا الاخراجية لكنديو بالقدرة على الحفاظ على جماليات العرض المسرحي ، استخدام المجموعات المتحركة ، والمؤثرات الصوتية والضوئية ، وتقنيات خلقت قدراً كبيراً من الابهار والامتاع للمشاهد . وبدأ كنديو بالقول أن الحياة كلها تشكيل ، وهذا التشكيل تتولد عنه الحركة التي يكمن فيها الايقاع . وأن الفن قد لازم الانسان منذ فجر الحياة . وقال أن الرسم واللوحة والتلوين هي عناصر للفن مثلها مثل الشعر والمسرح ? وفي شأن التلقي للفنون أكد أن المطلوب هو الاحساس بالعمل الفني ، وأنه يعجب لأولئك الذين يتساءلون في المعارض عن معنى هذه اللوحة أو تلك . وقال أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الاحساس والوعي . والمطلوب هو الوعي بالعمل الفني من حيث المتعة ، وليست اللوحة مطالبة بأن تقدم تفسيراً واحداً أو فهماً واحداً ، فكل انسان بخبراته الجمالية ، وقدرته على التذوق ، يستطيع أن يقرأ اللوحة قراءة مختلفة عن الآخرين ، والفن التشكيلي هو صياغة للمرئيات عبر اللون ، وهو بالضرورة يخلق ايقاعاً لونياً . وعلاقة الحب هي التي تربط بين الانسان والعمل الفني . والفنان هو الذي يمتع نفسه أولاً وهو ينتج أعماله الفنية ، ومن ثم يجئ امتاع الآخر ، ويجعل هذا الآخر شديد الاقبال على الحياة بكل مسراتها ومباهجها . وتطرق الى عمل الفنانين الشعبيين ، وأن في أعمالهم في المصنوعات الشعبية رؤى جمالية تكرست عبر مئات السنين ، وأن في ذلك متعة بصرية لاحدود لها . وتطرق الى الحوارات التي دارت بين التشكيليين في السبعينيات حول أعمال مدرسة الخرطوم ، وأشار الى كتابات حسن موسى وعبدالله بولا والراحل أحمد الطيب زين العابدين ، وانتقد كنديو اتجاه مدرسة الخرطوم ، وقال أنه لا يؤمن بوجود مدارس فنية ، وأن المتلقي يهمه قراءة اللوحة بطريقته الخاصة ، وفال أن طموح الفنان لا تحده حدود ، وأنه لا يوجد سقف ، وأن هذه الأسماء الكبيرة في مجال الفن أمثال مايكل انجلو وبابلوبيكاسو على سبيل المثال ، ينبغي ألا تكون عائقاً أمام محاولات التجريب ، وأن كل يضع نفسه أمام تحد بأن يتجاوز هذه الأسماء الكبيرة والتي وجدت هذا الحيز الاعلامي والاعلاني بسبب تضافر آليات السوق الأمر الذي حول الفن الى سلع تباع وتشترى . وتحدث في الندوة المفتوحة عدد من الفنانين التشكيليين مهم عبده عثمان ، الفنانة نائلة الطيب ، الفنان سيف الدين اللعوتة والفنان التشيكلي محمود عمر الذي تحدث عن تجربة كنديو وتميزه وجديته وعدد من الأدباء والنقاد ، منهم الشاعر عبدالله شابو ، الأستاذة عائشة موسى السعيد ، ود. أحمد صادق أحمد ، أ . راشد بكراوي ، أ ، عبدالله الشيخ وأ . أحمد عوض وغيرهم ... تحدث د. عبده عثمان النحات والتشكيلي والأستاذ الجامعي حول القضايا التي أشار اليها كنديو ، ومنها قضية المنهج الذي يدرس ، وأكد على أن الدكتور محي الدين صابر هو الذي ألغى وباصرار مادة الفن التشكيلي من المنهج المدرسي بعد توليه وزارة التربية والتعليم بعد انقلاب 25 مايو 1969م ، وأنهم قد قابلوا الوزير الذي أصر على موقفه ، مما شكل ضربة لمسار تدريس الفنون .. وقال أن مسألة الحرية الآن الى حد كبير متاحة لابداء الآراء وتعدد الرؤى . وأشار د. احمد صادق الى أن هناك من خلال المعارض ازدهاراً وتقدماً في مجال الفن التشكيلي ، وأن الساحة الآن زاخرة بالأعمال الجيّدة . وقدم الفنان التشكيلي سيف اللعوتة رؤى مستمدة من خبرته وتعامله مع التجربة اليابانية في مجال الفن التشكيلي ورسوم الأطفال . كما أكدت الفنانة التشكيلية نائلة الطيب على أن الازدهار الذي يتراءى للبعض هو ازدهار زائف ، ومن يتمعن في الأعمال المقدمة في المعارض يجد فيها ضعفاً بائناً في التلوين ، وتفتغر الى الخبرة والجهد ، وأنها صدمت وهي ترى معارض الخريجين ، وهي تشبه معارض الهواة مقارنة بالماضي فهي تشبه أعمال طلاب الثانويات آنذاك . وتطرق الشاعر شابو الى علاقة الفنان التشكيلي بايقاع الحياة ، وأن كل الفنون تلتقى عند البحث عن الجمال بمفهومه الكبير ، كما قالت الأستاذة عائشة موسى أن قضايا التشكيل غير معزولة عن ايقاع الحياة السودانية المتغير ، والذي يشهد تحولات عميقة في العقود الأخيرة ، وأكدت على أهمية النقاش في مثل هذه القضايا ، وأن هذه الندوة قد أعادت أجواء الحوارات في الستينات والسبعينات . .. وعقب مجذوب عيدروس على أن هناك بعض القيود في موضوع الحرية ، وأن المناهج قد أقصت روح الابتكار والخيال بابعاد القصة والفنون من المدارس ، وسيادة منهج التلقين . وعقب الأستاذ بابكر كنديو على التعليقات مؤمناً على القول بأن الاحساس والوعي متلازمان في التعامل والتلقي لانتاج الفنانين ، وأن الانسان السوداني في كل مكان يستطيع أن أتيحت له الامكانيات ، والمناهج التعليمية الملائمة ، والرعاية أن يقدم الكثير ، وأن تكون له ذائقته الجمالية ، وضرب مثلاً أن الذهنية السودانية تركز على المعنى في الغناء ، وأن ذات الانسان يطرب للموسيقا الأثيوبية والأريترية حتى لو لم يتفهم كلمات هذه الأغنيات . وكانت رابطة الكتاب السودانيين قد أعلنت عن استمرار ندوتها لمناقشة قضايا التشكيل والموسيقا والمسرح .