أوردت بعض الصحف السودانية الصادرة بالخرطوم خلال الأسبوع الأول من يونيو الجاري، أن السلطة الاقليمية لدارفور بصدد عقد مؤتمر جامع لأهل دارفور بمدينة الفاشر أواخر هذا الشهر للتداول والتفاكر حول القضايا التي تهم أهل دارفور، بل تهم أهل السودان عامة، إذ أن دارفور هي جزء عزيز من هذا السودان. ولا شك أن التفكير في قيام أو انعقاد مثل هذه المؤتمرات تأتي انفاذاً وتتويجاً لوثيقة سلام الدوحة التي نصت صراحة على اقامة مثل هذه المؤتمرات (المادة 76 من الفصل السابع من وثيقة الدوحة الموقعة بين حكومة جمهورية السودان وحركة التحرير والعدالة) باعتبار أن مثل هذه المؤتمرات وغيرها من اللقاءات والمؤتمرات السابقة التي عقدت في هذا الشأن داخل دارفور وخارج دارفور تُعد هي واحدة من الآليات والوسائل التي تبحث عبرها السلطة الاقليمية لدارفور أو الحكومة الاتحادية أو حكومات الولايات عن الطرق المثلى لجمع أهل دارفور على كلمة سواء من أجل المشاركة في ايجاد الحلول المناسبة لقضيتهم، بل قضية أهل السودان جميعاً، والتي استمرت لأكثر من ثمانية سنوات منذ اندلاعها في العام 2002م. فقد انعقدت العديد من المؤتمرات منذ أن بدأت هذه الأزمة بدءاً بأبشي التشادية 2003م، وأديس أبابا الأولى والثانية 2004م، وأبوجا الأولى والثانية والأخيرة 2006، مؤتمر ليبيا وغير ذلك وعلى المستوى الداخلي مؤتمر الفاشر عند بدايات الأزمة 2002م، ومؤتمر أهل السودان بكنانة ...الخ، من المؤتمرات التي خصصت من أجل البحث عن سلام مستدام لاقليم دارفور إلى أن جاءت اتفاقية سلام الدوحة التي نأمل أن تكون البلسم الشافي لأمراض هذا الاقليم. ونحسب أن هذه المؤتمرات الكثيرة جاءت نتيجة لايمان القائمين بالأمر من الموقعين على هذه الاتفاقيات والراعين لها والمشرفين عليها لايمانهم التام ان كانوا صادقين في ذلك، بأن التشاور والتفاوض هي الوسيلة المناسبة لتحقيق الغايات النبيلة لأي أمة من الأمم وليس السلاح أو الخصام أو المشاكسات ...الخ، ولأن ديننا الحنيف يدعوننا إلى ذلك، إلى التشاور واصلاح ذات البين بين أبناء الأمة الاسلامية مصدوقاً لقوله تعالى: (والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون). الآية 38 من سورة الشورى. أما في بنود الاتفاقيات فقد ورد في البندين 471 و473 من المادة 76 من اتفاقية سلام الدوحة ما يلي: (تشدد الأطراف على ضرورة مواصلة الحوار والتشاور داخل دارفور بغية تعزيز السلم والتشجيع على المصالح والتئام الجراح). (يسعى الحوار بشكل أساسي إلى ترسيخ السلم في دارفور وتعزيز بناء الثقة والتشجيع على تحقيق المصالحة والوحدة بين أهل دارفور والسودان بشكل عام عن طريق المشاورات الشعبية والحوار). إذاً المؤتمرات واللقاءات لابد منها ولكنها ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة كما قلنا من قبل لبلوغ الغايات وتحقيق الأهداف. ولذلك تُعد هذه المؤتمرات ويشارك فيها نفر كريم من أهل الشأن والاختصاص وأصحاب المصلحة، وترصد النتائج والتوصيات ولكن ثم ماذا بعد؟؟ الشيء الملاحظ ان الغالبية العظمى من التوصيات والنتائج والقرارات التي تصدر في مثل هذه المؤتمرات لم تجد المتابعة والرعاية والاهتمام المطلوب من الجهات التي شاركت في اخراج تلك التوصيات أو الجهات الأخرى المناط بها تنفيذ تلك التوصيات، وتظل التوصيات حبيسة الأدراج. ولذلك سرعان ما تعود الأطراف المتصارعة إلى المربع الأول، كل منهم متهماً الآخر بعدم الجدية والمماطلة في الوفاء ببنود الاتفاقية، ويجأر كل طرف بشكواه من جديد إلى الوسطاء والمسهلين و» الأجاويد» وأصحاب الأغراض الأخرى للمطالبة بقيام مؤتمر ثاني وثالث ورابع. وهذا بلا شك هو أحسن الخيارات في حالة عدم اتخاذ الأسلوب الآخر أو الطريق الآخر (حمل السلاح من أجل كسب الحقوق). وعندما يعود المؤتمرون في مثل هذه الحالات فإنهم لا يعودون للمطالبة بتنفيذ القرارات أو التوصيات السابقة وإنما يعودون للبحث من جديد عن جذور الأزمة، وهكذا تدور ساقية المؤتمرات واللقاءات شهر بعد شهر وعام بعد عام دون التوصل لحل نهائي للأزمة والضحية الأولى والأخيرة هي أو هو المواطن الدارفوري/ السوداني. فيا ترى إذا ما قدر لهذا المؤتمر الذي تدعو له السلطة الاقليمية لدارفور أن يرى النور في الزمان والمكان المحددين، هل ما سيخرج به المؤتمرون هذه المرة من نتائج وتوصيات وقرارات ستجد الرعاية والاهتمام والتنفيذ من المشاركين والأطراف الأخرى الموقعة عليها والجهات المناط بها التنفيذ أم أنها ستظل حبيسة الأدراج إلى حين اشعار آخر؟ ويا ترى إذا ما قدر لهذا المؤتمر أن ينعقد فبأي الملفات يبدأ أعماله؟ بملف الترتيبات الأمنية والحركات الأخرى غير الموقعة على وثيقة الدوحة أم بقضايا التنمية أم بملف اقتسام الثروة والسلطة؟ أم ....الخ. عموماً نحسب أن كل هذه الملفات هي من الملفات الصعبة والمهمة والمعقدة جداً، ولكن نحسب أن أهل السودان وأكرر أهل السودان قبل أهلي وعشيرتي أهل دارفور إذا ما خلصت النوايا وتوفرت الارادة، انهم لقادرون على طي صفحة هذه الملفات وتجاوز نقاط الاختلاف ولكن كيف ذلك؟ (الاجابة متروكة للمؤتمرين والجهات المعنية). وان كان لي من وصية أو وصايا لاخوتي وأخواتي الذين سيشاركون في هذا المؤتمر، حكومة ومعارضة، حملة سلاح ومنظمات مجتمع مدني ....الخ، فإني أوصيهم أولاً بالبدء بملف المصالحات وبناء الثقة. أي بملف تصفية الضمائر بأن يأتي المؤتمرون أنفسهم قبل أهل دارفور أن يأتوا إلى هذا المؤتمر وليس في قلوبهم غلة للذين أساءوا إليهم أو قاتلوهم أو اختلفوا معهم حتى ولو كان لمجرد الاختلاف في الرأي، مصداقاً لقوله تعالى: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم). ومن ثم بعد ذلك دعوة الأطراف الأخرى للمصالحة وبناء الثقة تمهيداً للانتقال إلى الملفات الأخرى، فلا أحسب أن من سيأتي للمشاركة في مثل هذه المؤتمرات وهو يحمل معه مرارات الماضي من الذكريات الأليمة التي مرت بها ولايات دارفور، وهو غير واثق من الطرف الآخر أياً كان (حكومة، معارضة، حركات مسلحة، قبائل، أحزاب ....الخ) وغير متصالح معه، فلا أحسب أن مثل هذا المشارك ان يشارك في اعمال المؤتمر بفاعلية أو أن يأتي بوصية غير مضار لأهل دارفور. فهلا بدأتم بملف المصالحات وبناء الثقة، وأن تكون البداية بالمؤتمرين أنفسهم قبل أن تطالبوا بقية مكونات المجتمع الدارفوري بذلك. ولا شك تعلمون أن من أهم شروط المصالحات وبناء الثقة هي رد الحقوق أياً كانت إلى أهلها. أما الوصية الثانية فعليكم بمتابعة ما ستخرجون به من توصيات وقرارات حتى يعم السلام ربوع دارفور والسودان عامة. «ونواصل»