يصادف اليوم الذكرى السادسة والثلاثين لحركة الثاني من يوليو 1976 المتعارف عليها في الاوساط السياسية بحركة الجبهة الوطنية وحركة محمد نور سعد وايضا بالانتفاضة المسلحة وغزوة يوليو المباركة. بينما كان نظام مايو يصفها بالغزو الأجنبي و هجوم المرتزقة وهي الحركة التي قامت على اكتاف الاحزاب الثلاثة الأمة والاتحادي الديمقراطي والحركة الاسلامية لمواجهة نظام مايو القابض وقتها، وكان ان تمكنت القوات من عبور الصحراء الليبية الى عمق السودان واستلمت مواقع استراتيجية داخل الخرطوم واوشكت المحاولة ان تقود مايو الى حتفها. العملية العسكرية التي بدأ التفكير فيها عقب احداث الجزيرة ابابا بواسطة الشريف حسين الهندي ونفذت صباح الجمعة 2 يوليو 1976م.كانت ذات ثلاثة أضلاع: ضلع عسكري تابع للجبهة الوطنية بالاشتراك، وضلع ثانٍ من كبار الضباط بالقوات المسلحة، وضلع ثالث سياسي وتعبوي للأحزاب السياسية المشاركة في الجبهة الوطنية ، وكما يسرد احد الفاعلين فيها والمسؤول عن التدريب في المعسكرات الامير أحمد سعد عمر في حوار سابق مع «الصحافة» ، فان خطط الحركة وضعها سياسيون وعسكريون، على رأسهم الشريف حسين الهندي، الذي كان الرجل الأول في التخطيط والاعداد والاشراف ، بينما كان المسؤول عن تنفيذ الخطة على الأرض هو الشهيد العميد محمد نور سعد. ويشرح أحمد سعد عمر تفاصيل الخطة ويقول انها كانت تقوم على احداث صدمات متتالية، الصدمة الأولى يقوم بها الضباط الموالون للحركة داخل القوات المسلحة، ثم ينضم اليهم في الصدمة الثانية، المقاتلون الذين تلقوا التدريب في المعسكرات واحكام السيطرة، الا ان هذه الخطة تغيرت في آخر ثلاثة أيام بسبب اعتقال المرشح الاول لقيادة العملية العميد سعد بحر ومجموعته مما قاد لأن يرتكز تنفيذ الخطة على مقاتلي المعسكرات فأُوكلت مواقع لمجموعة من شباب الحركة الاسلامية نحو 30 شاباً نفذوا الاقتحام في دار الهاتف والمطار والاتصالات.وايضا حدث تطور آخر مرتبط بالتوقيت اثر على سير العملية اذ كان من المفترض الحديث لعمر أن تنفذ العملية بعد مغرب يوم الخميس، ولكن بعض المعوقات اللوجستية ادت الى دخول القوات الى الخرطوم صباح الجمعة. المشاركون في العملية العسكرية كانوا «800» عنصر من الأنصار و «30» من الاسلاميين، أما الاتحاديون فلم يكن لهم وجود عسكري بل كان وجودهم الغالب سياسياً بحسب رواية مبارك الفاضل المهدي الذي قال في حوار اجري معه في الذكرى الثلاثين لحركة يوليو، ان توزيع الأدوار لقيادات الجبهة الوطنية كان الآتي: السيد الصادق المهدي يبقى في لندن تحت غطاء أكاديمي وبأن لديه دراسات في جامعة اكسفورد. د.عمر نور الدائم وعثمان خالد بطرابلس على أساس ان لهما نشاط سياسي. الشريف حسين الهندي وبحكم تكوينه غير الميال للعمل العلني والظهور، دائما لا يعلن عن مكانه ولا عنوانه ، أوكلت اليه مهمة الاشراف على المعسكرات.. وظل الهندي لصيقاً بالعمل العسكري داخل المعسكرات ومشرفاً عليه. و بعد عام من التجهيزات والتدريبات والاستعدادات وبعد ان دخل القادمون الى الخرطوم واندلعت المعارك في الطرقات وبعض المواقع اشهرها دار الهاتف فشلت الحركة خلال ساعات وعاد النميري للسلطة وتشكلت المحاكم العسكرية وتم اعدام القائد محمد نور سعد وآخرين، ويذكر لصيقون بالعملية اسبابا كثيرة قادت الى فشل الحركة، وكان ان تحدث القيادي الاتحادي الراحل حسن دندش عن سبعة اسباب، أولاً : كان مقرراً في الخطة فتح سجن كوبر واطلاق سراح سعد بحر وأنس عمر وضباط صف طواقم دبابات حركة حسن حسين عثمان التي كانت في 5 سبتمبر 1975م . ثانيا، كان مقرراً أن يرتدي المقاتلون الملابس العسكرية التي تشبه زي القوات المسلحة السودانية ولم يتم ارتداؤهم للزي حيث ظل الزي قابعاً في «الحفرة» التي دفن بها في غرب أم درمان. ثالثا، كان مقرراً أن تحمل سيارة الاذاعة التي كان مداها «1600 كيلومتر» وتشغلها في حالة عدم القدرة على تشغيل اذاعة أم درمان . رابعا، أدى الى تأخير تنفيذ الخطة في ساعة الصفر الاشتباك العسكري الذي حدث عند بوابة النيل الأبيض مع وحدات سلاح المهندسين مما أدى الى تأخير وصول القوات التي كان مقرراً لها الاستيلاء على اللواء الأول والثاني مدرعات الشجرة. خامسا، كانت هنالك مجموعة من شباب الأخوان المسلمين في منطقة اللاماب بحر أبيض يفترض تسليمهم كميات من الأسلحة للقضاء على نميري ومن معه بمطار الخرطوم وكانت معلومات قيادة الجبهة الوطنية عن تحركات نميري منذ مغادرته أمريكا وفرنسا وصولاً الى لندن الى الخرطوم دقيقة جداً . سادسا، أن هنالك عدداً كبيراً من الضباط في الخدمة داخل القوات المسلحة كان من المفترض مشاركتهم في حركة يوليو ولكن لم يتم اخطارهم بساعة الصفر على سبيل المثال منهم العقيد العسكري الميداني محمد ادريس هباني وآخرين كثر لم يتم اخطارهم . ويرى بعض المراقبين أن من الأسباب الأساسية لفشل هذا التحرك العسكري المسنود سياسيا يعود الى استعداد الجيش وتحركه للدفاع عن كرامته المهنية قبل الدفاع عن النظام. ويعود ايضاً لتخبط المدنيين المسلحين الذين شاركوا في القتال وجهلهم بجغرافية العاصمة الى جانب تعثرهم في الوصول للمطار الذي حطت فيه طائرة النميري قبل نصف ساعة من موعدها وكان مقررا القضاء عليه فور النزول من طائرته، وقد كتب الدكتور منصور خالد عن اللحظات هذه: «لم ينج النميري والوزراء المرافقون له - وكنت واحداً منهم - الا لوصول طائرتنا قبل نصف ساعة من الموعد المقرر مما ضاعف من ايمان الرئيس بوسطائه السماويين. كان المتمردون قد استولوا قبل وصولنا على العديد من المواقع بسرعة فائقة كما حاصروا القوات الموجودة بالقيادة العامة للجيش. ان الحماس الطاغي الذي أبداه الجيش في مجابهة حركة يوليو 76 انما يعزى أساساً لتحدي مجموعة مدنية غير نظامية لجيش نظامي... كان الأمر بالنسبة للجيش أمر كرامة وشرف عسكري أكثر منه تأكيدأً للالتزام بالنظام القائم أو رئيسه، والذي عندما أُبلغ بالأحداث في المطار بواسطة اللواء الباقر ومحمد يحي منور انتابه التوتر والهلع فلم يضع وقتاً بالحديث مع وزرائه وسارع الى ملاذ آمن في منزل بشير نميري تاركاً ضيفه الكبير أحمد مختار أمبو مدير عام هيئة اليونسكو والذي صحبه في الطائرة من باريس.. تركه هائماً لوحده في مطار الخرطوم».