اطلعت على نص التقرير الصحفي الذي أعدته الأستاذة/ إنعام محمد الطيب عن قضية الأطفال فاقدي السند ونشر بصحيفة «السوداني» بتاريخ 3/6/2012م... والطفل فاقد السند هو الطفل الذي يولد وينكر طرفا العلاقة الجنسية التي أنجبته انتماءه لهما، فيتخلصان منه بشكل أو بآخر فيصبح مجهول الانتماء وفاقد السند الأسري. وأشار التقرير بوضوح إلى تزايد أعداد الأطفال فاقدي السند عبر إحصائيات دار المايقوما لرعاية الأطفال فاقدي السند... وفي تقديري أن ما يصل إلى دار المايقوما هو قطرة في محيط... فالأطفال الذين لا يصلون إلى دار المايقوما ويتم التخلص منهم بأساليب وحشية في ولاية الخرطوم والولايات الأخرى أضعاف تلك الأرقام المتواضعة التي وردت بالتقرير. إن الذين يتحدثون عن المجتمع السوداني وكأنه مجتمع ملائكي لا يعرف الرذيلة واهمون... فالمجتمع السوداني مثله مثل أي مجتمع إنساني يعرف هذه الممارسات الجنسية خارج الإطار المقنن شرعاً أو عُرفاً للعلاقة بين الرجل والمرأة منذ مئات السنين.. وإذا تجاهلنا التاريخ البعيد وتحدثنا عن التاريخ القريب قبل نصف قرن، فسنجد أن الظاهرة لم تكن محصورة في العاصمة وإنما منتشرةً في جميع أنحاء السودان... في أصغر القرى النائية ووسط أصغر مجموعات الرُّحَّل... وفي ذلك الوقت لم تكن هناك قنوات فضائية ولا هاتف جوال ولا شبكة انترنت لكي نقول إن الثقافة «الوافدة» من الغرب هي التي خربت أخلاق مجتمعنا الملائكي النقي... وهنا يبرز السؤال المحوري: لماذا لم تنتشر ظاهرة الأطفال فاقدي السند في ما سبق بالرغم من انتشار ظاهرة العلاقات الجنسية خارج الإطار المقنن بل وانتشار الدعارة القانونية في مناطق السودان المختلفة، وانتشرت الآن وتحولت إلى ظاهرة اجتماعية مزعجة؟ السبب الرئيسي حسب تقديري هو أن الضمير الإنساني قد كان في الماضي متيقظاً وحياً وأصبح الآن ميتاً تماماً.. كيف ولماذا؟ في الماضي كان طرفا العلاقة لديهما الشجاعة الكافية للاعتراف بالعلاقة واحتضان الطفل.. فلقد كنا نسمع عن فلان الذي لديه ابن أو ابنة في إحدى مناطق السودان النائية، فالكل كان يتحمل مسؤولية الطفل كاملة ويمنحه اسمه ويتركه مع والدته أين ما كانت... هذا بالإضافة إلى أن الدولة كانت تواجه الواقع وتتعامل معه بمسؤولية حمايةً للمجتمع وتخفيفاً للضرر.. فالدولة الاستعمارية البريطانية والدولة الوطنية في سنوات الاستقلال الأولى كانت تلزم العاملات ببيوت الدعارة بالكشف الطبي الدوري والتفتيش الصحي على منازل الدعارة حمايةً للمجتمع من واقع موجود لا يمكن إنكاره.. الآن مات الضمير الإنساني لدى طرفي العلاقة لدرجة التضجية بروح إنسان مولود من أجل درء الفضيحة.. ودفنت الدولة رأسها في الرمال وتركت الأضرار تتسع وتتشعب. إن موت الضمير الإنساني سببه في تقديري حالة التأزم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي التي يعيشها المجتمع السوداني التي جعلت المواطن يعيش حالة دوار أخلاقي يفاقمها دعاة الإسلام الذين يجردون الدين الإسلامي من مقاصده الإنسانية، ويعتقدون أنه يجب أن يُباد المجتمع الذي تنتشر فيه الرذيلة بنسائه ورجاله وأطفاله فاقدي السند.. فإذا تحدثنا عن الواقي الذكري لتخفيف الضرر على المجتمع ومنع مثل هذا الإنجاب الضار ومنع الأمراض المنقولة جنسياً وتنظيم النسل، قالوا إن في ذلك دعوة ونشراً للرذيلة، بالرغم من أن الرذيلة موجودة بالواقي الذكري أو بدونه، فلماذا نترك ضررها يعم ويسود المجتمع إذا كان في الإمكان تخفيفه؟ إننا نعيش في زمن فاقدي الضمير الإنساني، لذلك تتزايد أعداد الأطفال فاقدي السند.