صرح مسؤول اميركي بأن على حكومة السودان ألا تتعامل بعنف مع المظاهرات الاحتجاجية القائمة، ونقول له ان تاريخ السودان الطويل العريض لن يشهد اي عنف شرطي كالذي تقوم به الشرطة الاميركية حتى الآن، كما نؤكد لهم أن شعب السودان شعب حضاري وتحاول اميركا جاهدة ان تخرج به من هذه الصفة الى صفات اخرى تقوده الى العنف وسوء السلوك الوطني الذي تحرض به اميركا مثل هذه المواقف كما تفعل ذلك في كل انحاء العالم. نحن نقرأ هذا الخبر في هذه الايام واميركا تضع كل المتاريس التي لا تعجل بمفاوضات السلام الجارية بين الشمال والجنوب، وفي اميركا قطاعات مختلفة من الموظفين الأمنيين في البيت الابيض وفي كل المواقع المهمة مثل الاممالمتحدة ومجلس الامن وخلافه. والغريب في الامر ان اللوبي الامني المسيطر على السياسة الاميركية يتعامل مع الدول الصغيرة بعدة وجوه، وجه باسم ضاحك ووجه آخر عبوس قمطرير يضع المتاريس بتطويع اية محادثات كهذه لفتنة المخططات والاهداف الاميركية والتي في بلادنا تنحاز الى بلاد قطاع غير عربي وغير مسلم اعتقاداً منها أنها اذا فككت السودان تستطيع ان تطمئن بأن خطر العروبة والاسلام قد بعد عن القارة الافريقية السوداء، ولا اجد سبباً واحداً معقولاً لذلك، إلا أنها تريد ان تكفر عن جرائمها التي ارتكبتها في حق الشعوب الافريقية والتي فتحت لها موانئ في السواحل الافريقية لنقل ما كانوا يسمونهم «العبيد»، وكيف انهم كانوا يستعملون اقصى الاساليب الوحشية في صيد هؤلاء المواطنين الابرياء الافارقة وشحنهم في سفنهم التي ترحلهم بطريقة وحشية الى اميركا، وكيف كانوا يتعاملون مع هؤلاء البشر تعاملاً دون مستوى الحيوان، ومن يصلون منهم إلى اميركا وفي الجنوب الاميركي بالذات يستلمهم زبانية من تجار الرقيق الذين يبيعونهم في قارعة الطريق، وكانوا الى وقت قريب في القرن العشرين يمارسون تميزاً عنصرياً حتى في ركوب المركبات العامة. نحن نقول هذا راجين أن تستجيب اميركا الى الدعوات المخلصة الخالصة من كل المسلمين السودانيين حتى قبل هذا النظام، وكانوا يتعاملون مع هذه المبادرات بأساليب استفزازية واصرار على سيساتها الاستعمارية، وليعلم القائمون على رسم السياسات الاميركية أن هذه السياسات هذه قد اصبحت واضحة ليس في السودان فحسب، بل في كل الدول الصغيرة التي تتأذى من سياسات اميركا ذات الوجهين. وهذا الحديث يذكرني باتصال ما يسمى الجبهة الثورية والحكومة البريطانية واجتماعهم مع وزير الخارجية، وقام مناوي اركوي مناوي بعدة خلافات مع العناصر الاخرى، وتفيد الأخبار ان رؤوس البشر في سوق النخاسة الدولي قد هبط سعرها تماماًَ حتى هذه اللحظة. ونناشد اخواننا في السودان سواء في الجبهة الثورية او اي حزب من الاحزاب الابتعاد عن قوى المخابرات الاجنبية لأن هذه القوى ليست حباً في عيون السودان وانما هي قوى مجندة من بلادها لاستقطاب اكبر عدد من السياسيين ثم تحويلهم الى خدمة بلادها الاستعمارية. نعود مرة اخرى فلنناقش المشاكل التي تواجه بلادنا من كل حدب وصوب، وننصح الاخوة في المؤتمر الوطني وفي هذه الحكومة خصوصاً القادة منهم بعدم تضارب الاقوال وتعدد وتنوع التصريحات وقائليها. ونرجو ان نلفت النظر إلى أن ما حدث من ظروف اقتصادية ضاغطة هو كيد وكيد جداً ويتطلب دقة في ما يقوله كل مسؤول، وانا اعتقد ان على رئاسة الحكومة ورئاسة الحزب الحاكم ان يتركوا ابواب هذه التصريحات مشرعة، وعليهم تخصيص شخص او شخصين يكونان مسؤولين عن هذه التصريحات حتى لا يحدث هذا التضارب الذي نشهده الآن، لأنه بات واضحاً ان سياسات الغاء الدعم وزيادة تعريفة المواصلات كانا من اجتهادات شخصية، فقد حدث ما حدث. ويعجبني الاسلوب الذي تم ويتم في خفض تكلفة نفقات ادارة الدولة من قادة وموظفين، وتخفيض الانفاق العام الذي يتم بصورة جيدة ومدروسة وفاعلة، الامر الذي احدث قناعة بأننا نسير في الطريق الصحيح. مرسي في بداية الطريق: اعلن الرئيس المصري محمد مرسي أنه قبل نقل السلطة الى المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي ادار شؤون البلاد منذ اسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، الذي وصفه بأنه يوم فارق في تاريخ مصر، وقطعاً لدابر الشائعات وتأكيداً لتماسك الشعب المصري جيشاً وحكومة، فقد حضر الرئيس مرسي عرضاً عسكرياً اقامه المجلس الاعلى للقوات المسلحة، وقال مرسي ان الجيش الذي ادار الفترة الانتقالية بعد سقوط الرئيس حسني مبارك سيعود الى مهمته التي هي حماية حدود الوطن. وليعذرني الرئيس محمد مرسي ان قدمت حماية الامة العربية اولاً ثم حدود الوطن ثانياً، وتاريخ هذا الجيش كله اشراقات ومفاخر في هذا الصدد. واستطرد الرئيس محمد مرسي قائلاً لقد أوفي المجلس الاعلى للقوات المسلحة بعهده ووعده الذي اخذه وقطعه على نفسه بألا يكون بديلاً للارادة الشعبية. ونرجو أن نضيف الى حديث الرئيس محمد مرسي أن الجيش المصري ومنذ البداية كان واضحاً انه يسعى إلى المحافظة على الامن والسلام. ولعله اسعد الناس بهذه النهاية السارة التي حفظت لمصر استقرارها ووضعتها في طريق آمن لتحقيق الديمقراطية. ولعل ما جاء في صحيفة «الرائد» وما نقله دكتور عبد القادر عبد الماجد الذي تحدث مع الأخ خضر محمد نور ووصفه بأنه معروف بنشاطه في مجال انتاج وتسويق السكر. والمدير الاسبق لمصانع السكر في السودان وواقع الحال يصنفه بأنه احد كبار رواد صناعة السكر في السودان، والاخ الدكتور اعطى نبذة قصيرة عن الاخ خضر الذي قضى زهرة شبابه وربيع حياته في جمهورية مصر العربية، حيث أكمل المرحلة الثانوية بمدرسة حلوان التي كانت هي النقطة الاولى التي بدأ فيها تجمع الطلبة السودانيين الذين ذهبوا الى مصر للدراسة، وتكرمت الحكومة المصرية بقبول كل السودانيين المؤهلين للمدارس المصرية بالمجان، مع اعطائهم مكافآت تساعدهم على المعيشة. واكمل دراسته الجامعية في كلية الزراعة بجامعة عين شمس. ولنعد الى موضوع الاخ خضر الذي تدرج من حلوان الثانوية فانتقل الى جامعة عين شمس كلية الزراعة، ولعله كان من الدفعات الاوائل التي تخرجت في هذه الجامعة العريقة، ومن ثم ظل خضر وفياً مثل نظرائه الشباب في ذلك الوقت، لخلق علاقات حميمة مع مصر وشعبها وليت هذا فحسب. وخضر كان من الشبان اللصيقين الذين يدعون لوحدة وادي النيل في ذلك الوقت، والتي كانت هي الحداء في الشارع السياسي السوداني، وكان خضر رأس «قايدة» وامثاله من الشبان كثيرا ما الهبوا الشارع السياسي بهتافاتهم بوحدة وادي النيل. وبعد التآمر الاستعماري الذي وجه نحو هذه الحركة لاسباب، قل نشاطها لاسباب داخلية حدثت في مصر بعد اقصاء اللواء محمد نجيب الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة في السودان. وساهم هذا الاقصاء في أن تضمحل هذه الحركة وتتراجع جماهيرياً، وان كنت ارى ان اقصاء اللواء محمد نجيب عن رئاسة الجمهورية كان فقط سبباً من الاسباب بعد ان تضافرت بعض القوى التي حركها الاستعمار. والاخ خضر قال قولاً صادقاً وحكيما بأن مصر هي المكان والمكانة، وسوف تعود لتأخذ زمام المبادرة لوضعها الطبيعي كقاطرة قادرة على جر الدول العربية الاسلامية نحو الرقي والتقدم استناداً إلى النهج الاسلامي تماماً مثل ما كانت اليابان قاطرة اقتصادية جرت معها مجموعة نمور آسيا الشرقية. وحديث الاخ خضر العذب هذا جاء نتيجة للبداية الطبيعية التي بدأها الدكتور محمد مرسي، وهو يرجو كما نرجو جميعاًَ بعد ان يتسلم الدكتور محمد مرسي مهامه كاملة، ان يعطي جزءاً كبيراً من وقته للعلاقات المصرية السودانية التي تمثل صمام الامان بوادي النيل، كما يعطي قدراً من الاهتمام للعلاقات العربية والعلاقات الافريقية، لأن دور مصر الرائد والمرشد تم افتقاده تماماً منذ منتصف القرن الماضي والى يومنا هذا. والدكتور محمد مرسي المتسلح بسلاح العقيدة والايمان، يستطيع أن يعيد بناء كل هذه العلاقات على ضوء العقيدة والايمان كما ذكر الاخ خضر. وحاولت ان اختصر ما جاء في حديث الاخ خضر ولكنه اكبر من ان يختصر، لان كل كلمة فيه ترتبط بالاخرى ارتباطاً وثيقاً. خلف الله الرشيد فقد للأمة السودانية: وأنا على فراش المرض سمعت في اجهزة الاعلام وقرأت في الصحف ان مولانا خلف الله الرشيد قد انتقل الى رحمة مولاه، وتذكرت مطلع قصيدة شوقي التي قالها في رثاء حافظ ابراهيم: كنت أؤثر أن تكون رثائي يا منصف الموت من الأحياء وتربطني بالاخ المرحوم خلف الله الرشيد علاقات حميمة منذ 06 عاماً، وكنا نحن ننظر الى ثقة مولانا السيد علي الميرغني وصلته الشورية، وكانت هذه مكانة كبيرة في نظر الختمية والاتحاديين، وكان يتمتع باحترام شديد من كل اخوانه وزملائه، وكنت اسعد كثيرا حينما التقيه فيغرد عني كثيراً ويفيدني كثيرا. ولكن هذه الصلة تميزت بحادثتين بيني وبين الاخ خلف الله الرشيد، الاولى كانت في اوائل السبعينيات حينما استدعانا مولانا السيد محمد عثمان الميرغني «المرحوم خلف الله وشخصي والمرحوم علي ابو سن» وذلك عند مقابلته لوزير خارجية بريطانيا لزوم الترجمة، وتم فعلاً هذا اللقاء، وكالعادة تولي الاخ المرحوم علي ابو سن ترجمة معظم ما كان يدور من حديث، وكان المرحوم علي ابو سن كثيرا ما يضع تفسيرات من عنده لحديث مولانا السيد محمد عثمان. واخذنا فترة راحة صغيرة فتحدث معي المرحوم خلف الله بصوت خفيض سائلاً: هل مولانا اتى بعلي ابو سن مترجماً أم مفسراً. وكانت هذه واحدة من قفشات المرحوم خلف الله الرشيد، وقد عملنا على تلافي ذلك بأن طلبنا من الاخ المرحوم علي أن يتولى كل منا جزءاً من حديث مولانا السيد محمد عثمان والوزير البريطاني. والموقف الثاني: ذهبنا انا والاخ المرحوم خلف الله الى الامارات العربية المتحدة لمهمتين بتكليف من مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، الاولى ان نهنئ الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة بانتهاء النزاع الذي حدث بينه وبين اخيه، والثانية ان نقابل سمو الامير ولي عهد الامارات وان نهنئه ببلوغه الصحة بعد وعكة شديدة المت به، ومكثنا في الامارات حوالى «52» يوما رأيت فيها كيف ان زملاء الاخ خلف الله في الهيئة القضائية كانوا يحترمونه الى حد بعيد، وقضينا امتع ايامنا مع الاخوة في ابو ظبي، وكنا نحن في فندق شيراتون، وكان المرحوم خلف الله يبلغ ردهات الجناح الذي هو فيه او الجناح الذي انا فيه. وقد قضينا وقتاً طيباً لم نشعر بمروره نسبة للطف المرحوم واحاديثه العذبة ونكاته المبتكرة، وكان مدير الفندق في ذلك الوقت شاباً من شباب مدينة ابو عشر اسمه احمد الخليفة، وقد قدم لنا كل سبل الراحة، وكان يتعامل مع المرحوم خلف الله بأدب شديد. رحم الله خلف الله رحمة واسعة والهم آله وذويه الصبر والسلوان، وجزاه الله خيراً عن كل ما قدم لهذا البلد من خدمات في صمت ونكران ذات.. والتعزية للأخ حسن البطري وآل أحمد خير وآل زين العابدين والشريف حسين الهندي رحمه الله رحمة واسعة. كلمة لا بد منها: مازالت خطوات حكومة الوحدة الوطنية لمعالجة الموقف الاقتصادي الذي ادى الى ازمات خانقة في تكاليف المعيشة مازالت تسير، وانا اتقدم للسادة الولاة في كل انحاء السودان بخطر أكبر يجب مراجعته قبل مراجعة مظاهرات بعض الشبان، ألا وهو الجشع الذي يركب رؤوس بعض التجار، فهم الذين يمثلون الخطر الحقيقي الذي يستفز مشاعر الجماهير، فعليكم بهم ولا ترحموهم. والله الموفق.