وبّخت نادلة تعمل في مقهى بمدينة بليموث البريطانية رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لتجاوزه طابور الإنتظار، حين أراد أن يطلب فنجاناً من القهوة، وردّت النادلة شيلا توماس على كاميرون بغضب بأنها منشغلة في خدمة شخص آخر وعليه أن ينتظر في الطابور، حين أراد أن يطلب القهوة. رئيس الوزراء البريطاني لم يستنكف ولم يأمر حراسه بصفعها، بل إضطر للإنتظار في الطابور لمدة 10 دقائق، قبل أن يقوم مساعدوه بالذهاب إلى مقهى مجاور لطلب القهوة وكعك محلى ،ولم تكن تعرف النادلة أن من تخاطبه هو كاميرون حين تجاوز طابور الإنتظار لطلب القهوة، ورغم توبيخه لكن النادلة قالت ان رئيس الوزراء كان لطيفاً للغاية. هذه القصة بالطبع لن تحدث في دول العالم الثالث ولا تحلم شعوبها بذلك، فبعض كبار المسؤولين يعتبرون أنفسهم أنصاف آلهة،لا يمشون في الأسواق بين الناس،ولا يجلسون في المقاهي العامة،ليخالطوا مواطنيهم،يكتفون بالتقارير الباردة المنمقة التي تجمل الواقع،لذلك يتفاجأون عندما تخرج شعوبهم لمناهضة سياساتهم وحكوماتهم،ويرون في ذلك مؤامرة وخيانة وراءها أصابع أجنبية. الحاكم العادل لا يخشى شعبه،ولن يتحقق أمن المسؤولين بزيادة التأمين والحراس والترسانة من الأسلحة،والإجراءات المشددة ،وانما عبر العدل والاقتراب من هموم الناس. لم أشعر بهول المصاعب التي ستواجه المواطن،كما لمست شعور الناس الذين التقيتهم في الأسواق أمس يشترون حصة الاسبوع التي اعتادوا عليها،فخلال أسبوع واحد «الجمعة - الجمعة» قفزت الأسعار بطريقة مخيفة، لا تقل بين 30 الى 40 في المئة في ظرف سبعة أيام،ليس البضائع المستوردة فحسب، فهذه سببها معلوم فقد زاد الدولار الجمركي بنسبة كبيرة وكذا ضريبة القيمة المضافة وضريبة التنمية،والنقل البري،وحتى السلع المحلية من اللحوم والخضر والفاكهة التي تنتج في الخرطوم والولايات المجاورة لها. ينبغي على صناع القرار في بلادنا أن يحذو حذو رئيس الوزراء البريطاني،حتى يشعروا بوطأة الحياة ويفكروا بواقعية ولا يتعاملوا مع الترتيبات الاقتصادية بالأرقام المجردة الخالية من الحياة والانسانية. هذه الأوضاع الاقتصادية المعقدة ستكون لها آثار سالبة على حياة الناس وانتاجهم وطموحاتهم،بجانب تداعياتها الاجتماعية المنظورة،وغيرها،فالمواطن بات همه تدبير قوت عياله اليومي،والموظف لن يكون مشغولا بمهامه حتى يصل مقر عمله لأن ذهنه سيكون منصرفا لاحتياجات أسرته فمرتبه بالطبع لا يساوي شيئا أمام غول السوق. الوضع شائك ومعقد ،لا يمكن مجابهته بالتفكير في سياسات واجراءات اقتصادية،فهذه مسكنات محدودة الأثر،قادة الحكم في حاجة الى خطوات سياسية جريئة،عنصر الوقت حاسم،كلما حدث تباطؤ،صارت المعالجات أكثر كلفة. جريمة لا تغتفر في جريمة دنيئة اغتال المتمردون في جنوب كردفان رئيس المجلس التشريعي للولاية ابراهيم بلندية ومجموعة من رفاقه شرق مدينة الكرقل بمحلية هبيلا،عندما كانوا عائدين من رحلة الى المناطق الزراعية،لم يكونوا يحملون سلاحا بل عزلا الا من الحب لولايتهم وشعبها. انها جريمة اغتيال سياسي يتدفق منها الحقد الأعمى ولا يفعل ذلك الا المتعطشون للدماء،الساعون الى الفتنة ،فدورة العنف لن تتوقف بفعل هذه الممارسات،فهذه جريمة منكرة لا تغتال الرموز والشخوص وانما الأمن والسلام والتعايش. نأمل أن يسعى عقلاء جنوب كردفان الى وقف العنف والدماء ووضع السلاح جانبا والاحتكام الى صوت العقل،يكفي الولاية دماء ودموعا وتشردا وألما،فمواطنو المنطقة ظلوا في تعايش ووئام وسلام وينبغي أن يظلوا كذلك،ولا ينجروا الى ما يفعل سفهاؤهم. جنوب كردفان الجريحة تنتظر من أبنائها الكثير فليتناسوا خلافاتهم وليضعوا انتماءاتهم السياسية جانبا، فالوطن يعلو فوق الجميع.