اهل السودان بكثرة مؤتمراتهم والتي لا تحصى ولا تعد، فبين الحين والحين والفينة والاخرى يطالعون الناس بالإعلان عن قيام مؤتمرلهم ، فمؤتمراتهم اما في حالة انعقاد او في حالة الاعداد كماقال شيخي : هم ضحايا مؤامرات ومؤتمرات ، و حتى ثورة الانقاذ نفسها صبيحة بذوغ فجرها وجدتهم في مؤتمر كبير في مدينة الفاشر بين الفور وبعض القبائل العربية يحاولون الخروج من عنق الزجاجة بعد ان نجحوا في ادخال الجمل في ابريق ، هم من علم الانقاذ المؤتمرات ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف ...اول مؤتمر حضرته في حياتي مؤتمر صلح وليس مؤتمراً اقتصادياً هذا بلد المؤتمرات بلا منازع لهم خبرة في الاعداد والحشد والمداولات والخروج بتوصيات ، ففي ولاية جنوب دافوروحدها انعقد اكثر من اربعين مؤتمر صلح في فترة اربع سنوات . أهل دارفور ليسوا هواة مؤتمرات ولكن لهم قضية يبحثون لها عن حل حتى لو في خشوم البقر.. غالبية المؤتمرات التي انعقدت في دارفور على مدى اكثر من نصف قرن تركزت على المسائل الامنية والنزاعات القبلية حول الارض ، المرعى او الحدود ونزاعات سبل كسب العيش ولم تشهد دارفور ومنذ خروج المستعمر مؤتمرا ذا بال جامع حشد له الناس من اجل تنمية الاقليم او جذب الاستثمار اليه. كلها مؤتمرات ذات اسكيل صغير و قليل مقارنة بمؤتمرات الامن ،كما لم تشهد دارفور مؤتمرات ذات طابع سياسي الا مع بداية الالفية عند ما حمل عدد من ابنائها السلاح مجاهرين مطالبين بحقوق سياسية فعقدت مؤتمرات في دارفور وخارج دارفور وخارج السودان ، جلسوا في ليبيا مع العقيد ورددوا شعارات المؤتمرات الشعبية وفي ابوجا مع اوليسجون ابو سانجو وفي قطر مع الامير حمد ومؤتمرات اخرى في السر والعلن كلها تتشابه في طريقة اعدادها وخروج توصياتها.. فكثرة المؤتمرات تدل على كثرة الاخفاقات وكذلك تدل على الاصرار والمحاولات وزملاؤنا الاداريون في دارفور تخصصوا في المؤتمرات لدرجة انهم يمكنهم ان يبدأوا المؤتمر من الآخر من التوصيات قبل المداولات والعكس صحيح من كثرة التكرار اصبحوا اصحاب خبرات ولوتركت مشكلة دارفورفي بدايتها وقبل تعقيداتها للاداريين ورجالات القبائل والشعبيين المحليين لقدموا حلولا افضل على الاقل على مستوى التعايش الاجتماعي ولكن كثرة تدخلات المركز بسوء نية مرات وعدم فهم في مرات اخرى افسدت القضية وصرنا من مؤتمر يعقد الى مؤتمر ينفض وآخر تحت الاعداد وهكذا دواليك وليس العيب في الكثرة ولكن ان تفضي الى اللا شئ هذا ما جعل عامة الناس ينظرون اليها بانها مضيعة وقت ومال.. اقترحت على ست البيت بان نوفر تذاكر المؤتمر لمشروع مفيد فقلت لها التذاكر من اليوناميد هذه المرة . غدا والناس ذاهبون الى الفاشر لحضور مؤتمراهل دارفور رقم (مليون ) لا اتذكر الرقم ، كالعادة سوف يحسن اهل الفاشر وفادتهم وضيافتهم ولكن ما الجديد في هذا المؤتمر؟ الجديد هو انه اول مؤتمر يعقد بعد توقيع اتفاقية الدوحة قبل عام من هذا الموعد تقريبا الذكرى الاولى ولا ادري هل هو احتفال بالذكرى الاولى اذا لم يكن كذلك فقد تاخرهذا المؤتمر كثيرا ولاسباب كثيرة منها ضيق ذات اليد والذي يعتبر العقبة الكبيرة التي واجهت تنفيذ كل الاتفاقيات السابقة واللاحقة ايضا وكأن هذا المؤتمر اراد به الاخوة في حزب العدالة والتحرير جرد حساب للعام الذي مضى، ولا شك انهم ادرى بمقاصده واخوتنا في حزب العدالة والتحرير هم اهل العريس والعروس ويعرفون ماذا يقدمون للمدعويين الذين سوف تزدحم بهم القاعات والصالات والصيوانات ، هل يخرجون عن التقليدية ام يحبسون الناس في القاعات للاستماع الى حديث قيل عشرات المرات فمن خلال ازمة دارفور والتي شارفت عامها العاشر تحدثت الازمة عن نفسها وعبرت بشتى الطرق وحتى الطفل بعد العشر سنوات يتحدث عن نفسه بطلاقة . اهل دارفور داخل المؤتمر وخارجه ينتظرون من الدكتور سيسي واخوته ان يأتوهم بالجديد وماذا في جعبتهم وهم اهل حضارة واهل شطارة واهل بصارة فبعد اليوم لا يستطيع احد ان يمنيهم بالمن والسلوى الفرصة الآن متاحة لحزب العدالة والتحرير ليقدم رؤيته كقادم جديد وماذا كانوا يعملون خلال العام المنصرف فإن كانت لهم بضاعة فليعرضوها اليوم ، اخرجوا عن التقليدية واجعلوا المؤتمر فوضى ولكنها خلاقة اكبر فائدة لمثل هذه المؤتمرات لقاءات اهل دارفور الجانبية و(الشكشكية) واحاديث الردهات تعتبرمن اقوى الجرعات الملينة لقوة الرأس ومفيدة للغاية ، ابعدوا المؤتمر من الرسميات و حولوا المؤتمرالى احتفال تعريفي بالوثيقة ولكن ليس بالطريقة التقليدية ، ما فائدة لو وزعنا وملكنا كل فرد من دارفور نسخة مطبوعة بثلاثة لغات ، بل ما فائدة لو حفظناها لابنائنا في المدارس واطفالنا في التعليم قبل المدرسي الناس يريدون الثمرة ، هل تحقق سلام هل هنالك وئام ام ما زلنا في خصام وهل تحققت بعض مشروعات التنمية وكل هذه الاسئلة الاجبارية لبعض الناس والاختيارية محتاجة الى اجابات والمهم ان يعرف اهل دارفور اين هم الآن والى اين يتجهون ؟ بعد عشر سنوات من (الدواس والكتلات) ومفاوضات ومؤتمرات واتفاقيات لا تحصى ولا تعد هل يستطيع المؤتمر ان يرسم خارطة طريق للوصول الى المحطة النهائية ؟ هذا مطلوب . ينعقد هذا المؤتمر واوضاع البلاد الامنية والاقتصادية عارية للجميع فلا يمكن للمؤتمر ان يتحدث وكأنه في مالطا فلا ندفن رؤوسنا في الرمال ونمارس خداع النفس سوف تنعكس هذه الاوضاع على دارفور وعلى الاتفاقية بشكل مباشر وغير مباشر فلابد للمؤتمر الا يغفل ذلك ولا بد له من اعادة قراءة الواقع والنظر بواقعية فلا يمكن الحديث عن تنمية والطرق بين مدن وقرى دارفور مغلقة بسبب الحركات غير الموقعة، ولا يمكن الحديث عن عودة النازحين واللاجئين والمتفلتين يسلبون الناس اشياءهم الصغيرة فأي حديث بعيد عن هذه القضايا هو حديث قريب من الخيال . لا شك ان اتفاقية الدوحة هي نسخة مطورة لاتفاقية ابوجا والتي هي اتفاقية محترمة لا تخلو من نقائص وان حاول البعض دفنها فهي كانت محاولة ضمن سلسلة محاولات للوصول للامثل وقد ادت غرضها في حينها ،وكثيرون من الموجودين الآن هم ثمرة ابوجا وجاءت اتفاقية الدوحة مبرأة من اخفاقات ابوجا ولكنها لم تصل الكمال الذي ننشده فما زالت هنالك عدد من الحركات والجماعات والمليشيات المسلحة لم تنضم الى ركب السلام ولم تعترف بهذه الاتفاقيات فاخوة لنا لم يرضوا بالدوحة كما لم يرضوا بابوجا من قبل فلابد من محاورتهم ، لقد تميزت اتفاقيات السلام بدارفور بكثرة التلافين والمتفلتين والقادة غير الموقعين ، فقد حذر استيفن جون ومجموعته من مركز السلام العالمي والمراقبين المهتمين بتنفيذ اتفاقيات السلام في العالم من صمود مثل هذه الاتفاقيات التي لا تتوفرلها بيئة صالحة للتطبيق، فبعد دراسة حالة لاكثرما يقارب العشرين صراعا توصلوا الى ان الحالات المشابهة لحالة دارفور لا تحظى بفرص نجاح عالية لاسباب اهمها ان الاتفاقيات هشة نسبة لوجود اطراف اخرى مؤثرة لم توقع عليها مع وجود عدد غير قليل من التلافين والمتفلتين الذين يعملون لغير نجاج الاتفاق، كما ان وجود دولة مجاورة او دول حاضنة لهذه الحركات وقادتها يصعب من المهمة وكذلك عدم وجود رغبة قوية من اطراف دولية قوية لها رغبة ومصلحة في تنفيذ الاتفاق ، ففي الحالة الدارفورية لا يوجد اصدقاء سلام بل اعداء كثر كما ان اليوناميد المنوط بها المشاركة في تنزيل الاتفاق لارض الواقع تعاني من ضعف في القوى وشح في الموارد ، كل هذا الحديث وما ذكرته من قبل وبالرغم من حماسي الشديد لاتفاق الدوحة الا انه ما زال اتفاقاً من الدرجة الثانية ، ابوجا كانت درجة ثالثة نحتاج الى تطويرالدوحة لتصبح اتفاقية شاملة وذلك بانضمام غير الموقعين من الحركات ذات الوزن والقادة والمتفلتين فالتحدي امام حركة التحرير والعدالة هو انضمام آخرين الى ركب السلام بل هو تحدي امام اهل دارفور فالمطلوب من المؤتمرين هو التركيز على توصية واحدة هو اكمال السلام حتى يتحقق الامن ليعود الناس الى قراهم طواعية لممارسة حياتهم الطبيعية لتتكامل دورات الانتاج وتنعدل الصورة بدلا من تحول المجتمع الى متلقي معونات متحوصل حول المدن ، فالتوصية الرئيسية لهذا المؤتمر هي فتح باب الحوار واسعا مع الحركات غير الموقعة الموجودة بالداخل والمنتشرة بالخارج وعلي الحكومة ان تكون علي استعداد لمواصلة هذا الحوار والذي هو ضروري ، فلماذا لا يفوض المؤتمر لجنة مبادرة صديق ودعة للاتصال بحركات دارفور بالخارج فقد قطعت شوطا كبيرا ، ولجان اخرى للاتصال بحركات الداخل والمتفلتين حتى تكتمل الصورة ، او كما قال شاعرهم : سلامنا دا نتموا بسترتو كل زول يسوي قدر قدرتو نحن في بلدنا نحلوا مشكلتنا سلام ترا نسووا نحن كان صدقنا والله ولي التوفيق