باءت كل محاولات المعارضة بالفشل الذريع فى اخراج الشعب إلى الشارع ليثور على الحكومة، وأضحكت المعارضة الشعب السودانى والشعوب الأخرى التى تراها فى شاشات التلفزيونات وهى تحاول يائسة أن تخلق «ربيعاً عربياً» فى السودان. وأصبح السؤال عن «لحس الكوع» نوعاً من الكوميديا العربية علينا لا لنا، فكثير من العرب يسألون عن معنى الكلمة ولا يدرون أنها مثل من الأمثال السودانية للتعبير عن بعد الهدف واستحالته كاستحالة لحس الإنسان لكوعه! وكانت المعارضة تريد أن تشمت بالدكتور نافع قائلة له: «أنت قلت إن خروجنا لحسة كوع، وها قد خرجنا، وقلت إن الثورة مستحيلة وها هى الثورة تنجح». لكن هناك الناس الأكثر الذين لا تنجح الثورة الشعبية إلاّ إذا خرجوا ولكنهم لم يخرجوا، وهؤلاء الناس ليسوا هم المعارضة ولا هم الدكتور نافع.. فلماذا لم يخرجوا؟ هؤلاء هم المكتوون بالغلاء والمحروقة قلوبهم بالظلم الجهوى والقابعة أولادهم وبناتهم فى البيوت بلا وظائف، والذين يدرس طلابهم ليتخرجوا ويذهبوا للسعودية والخليج أو المهاجر المخيفة المحفوفة بالكيد والعدوان فى أوروبا وأمريكا، والذين ضاعت أعمار كهولهم وهم يرتجون ظل غمامة الإنقاذ كارتجاء كثير عزة: وإني وتهيامي بعزة بعدما تخليت مما بيننا وتخلتِ لكالمترتجى ظل الغمامة كلما تبوأ منها للمقيل أضمحلتِ هؤلاء هم الجنتلمان والجنتلوومن (women / Gentlemen) الذين ضحوا وصبروا وظنوا خيراً، فضاعت تضحيتهم واستهزئ من صبرهم وديس حسن ظنهم بأحذية الاستهجان والاستخفاف ولم يجدوا تقديراً.. هؤلاء هم الغالبية. وهؤلاء على ما حدث لهم يقولون إن الحكومة على ظلمها لهم هى مظلومة أيضاً، فقد بذلت جهوداً مقدرة فى محاولة جلب السلام وبناء البنى التحتية واجتهدت فى التعليم والصحة وشق الطرق، ولكنها أُفشلت عمداً بضغط هائل لا طاقة لها به من القوى العالمية وخاصة أمريكا والغرب. ويكفى أن رئيس الدولة الذى وقع اتفاقية سلام اوقفت حرباً كانت دائرة لمدة خمسين سنة، كوفئ بعد توقيع تلك الاتفاقية بإن أصبح شخصاً مطلوباً للعدالة الدولية فى تهمة مروعة هى الابادة الجماعية.. وذلك بدلاً من أن يعطى جائزة نوبل للسلام! هذه الأغلبية الصامتة تعرف ذلك وتقدره، ولكنها كذلك تبكي إن صح التعبير «بعين واحدة»، وذلك أن الحكومة المضغوطة تضغطها هي وكأننا فى غابة يأكل فيها القوى الضعيف. ولو أن الحكومة كانت رؤوفاً بهذه الاغلبية الصامتة العاقلة، ووزعت المتاح من الموارد بعدالة بين الناس بدلاً من أن تستحوذ عليها «أقلية» مبغوضة ممقوتة أكلت أكلاً طويلاً حتى شبعت وبشمت، وإن لم يوخذ على يدها لقتلتها بل «شقتها» شدة الشبع كما قال المتنبى: نامت نواطير مصر عن ثعالبها وقد بشمن وما تفنى العناقيد ففي مصر نامت النواطير «الحراس» عن ثعالبها «لصوصها» وقد بشمن«شبعن شبعاً زائداً» وما تفنى العناقيد «الثروة». أما عندنا هنا فقد نامت النواطير وبشمت الثعالب وفنيت العناقيد. لو أن الموارد المتاحة وزعت بعدالة وبرحمة وبتوازن لفهمت الأغلبية «الفاهمة سلفاً» أنها والحاكمون فى خندق واحد. ولكن أن تتسلطن فى المناصب وأرمى بعيداً بلا اعتبار.. وأن يتوظف أولادك ويتعطل أولادي، وأن تغنى وأفتقر.. فكيف تريدني أن أصدق أنك أخي؟ أنا الآن معك مؤقتاً خوفاً على وطني وديني، ولكن حتى متى تتوقع من ذراعي الضعيفة أن تستمر ممسكة بالسارية، وهي خائفة وغاضبة وحزينة؟!