السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقائع ومشاهد يوم 6/6/2011
«الكتمة» (10)

استعرضنا فى الحلقة السابقة «التاسعة» بروتوكول حسم النزاع بالمنطقتين والأحكام والبنود ذات الصلة فى البروتوكولات الأخرى ، وملخصاً لما ورد نورد الآتي :
«1» نص البروتوكول على القواعد الأساسية التالية لحسم النزاع على النحو التالى :
أ/ ان المواطنة هى أساس الحقوق والواجبات بصرف النظر عن العرق أو الدين .
ب/ الاعتراف بالتنوع الثقافي والإجتماعي .
ج/ ضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية «وثيقة الحقوق » .
«2» سياسياًً نصت الاتفاقية على الآتي :
أ/ اللامركزية كنظام للحكم .
ب/ منح الولاية سلطة إصدار دستور ولائي يبين كيفية وطريقة ممارسة السلطات والصلاحيات الممنوحة للولاية.
ج/ تعزيز التحول الديمقراطي باعتماد الانتخابات كوسيلة لتداول الحكم ، ولحين إجراء الانتخابات اعتمد نظام لتقاسم السلطة بين طرفي الاتفاقية .
د/ نصت الاتفاقية على التمييز الإيجابي للولاية للمشاركة فى السلطة القومية ، الحكومة الاتحادية، وفى الخدمة العامة.
ه/ المصالحة الوطنية الشاملة .
«3» فى مجال قسمة الثروة نصت الاتفاقية على ما يلي :
أ/ كمبدأ عام نصت الاتفاقية على قسمة الثروة فى السودان على نحو متكافئ وتم النص على معايير لقسمة الثروة القومية بين الولايات فيما بينها ، وبين مستويات الحكم المختلفة .
ب/ كمعالجة إسعافية نصت الاتفاقية على تمييز إيجابي للولاية، يستهدف إزالة الفجوة التنموية بينها وبين ولايات السودان الأخرى ، بنصها على ضرورة إحداث تنمية تمكن الولاية من الوصول إلى نفس معدل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومستوى الخدمة العامة فى ولايات السودان الشمالية الأخرى .
ج/ تأسيساً على ما تقدم وضعت الاتفاقية أساساً يمكن الولاية من الانطلاق نحو التقدم التنموي بما يحقق نهضتها ورفاهية مواطنيها .
د/ إلتزمت الاتفاقية بمعالجة آثار الحرب ، وفقاً لمصفوفة وثيقة تقدير إحتياجات مرحلة ما بعد الحرب المعروفة بوثيقة «الجام» .
ه/ أنشأت الاتفاقية مفوضية قومية، وأخرى ولائية لمعالجة مشكلة الأراضي وفقاً للموروث القانوني والعرف السودانى، وإنفتاحاً على أفضل الممارسات والتجارب الدولية، ومعالجة أوضاع أى أراضي تم بشأنها تخصيص غير عادل.
و/ أنشأت الاتفاقية آليات لقسمة الثروة ممثلة فى مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات ، وأقامت مؤسسات للرقابة البرلمانية والقضائية لضمان ذلك ممثلة فى مجلس الولايات والمحكمة الدستورية .
«4» أما فى مجال الترتيبات الأمنية فقد نصت الاتفاقية على ما يلي :
أ/ بقاء الجيشين القوات المسلحة والجيش الشعبي لحين إنتهاء الفترة الإتقالية .
ب/ إنشاء وحدات مشتركة مدمجة من الجيشين خلال الفترة الإنتقالية .
ج/ إعادة إنتشار الجيشين شمال وجنوب الخط الفاصل بين المديريات الشمالية والجنوبية فى 1/1/1956م ، وتبعاً لذلك يُعاد إنتشار القوات المسلحة شمال ذلك الخط والجيش الشعبي جنوب ذلك الخط فى أزمنة وتوقيتات معينة .
د/ الاتفاق على ترتيبات ومشتملات وقف إطلاق النار وبيان الأنشطة المسموح بها وتلك التى تمثل إنتهاكات له .
ه/ ربطت مستقبل الجيشين بنتيجة الاستفتاء ، فإذا كانت النتيجة مؤكدة لوحدة السودان يدمج الجيشان إنطلاقاً من نواة القوات المشتركة ، وإذا كانت النتيجة إنفصال تعود كل وحدة عسكرية للإنضمام لوحدتها العسكرية الأم .
«5» المشاورة الشعبية :
اتفق الطرفان على تشخيص مشكلة المنطقة ، ووضعا الحلول الواردة أعلاه ، وأخضعا تلك الحلول للإرادة الشعبية لتقرر تلك الإرادة الشعبية عن مدى تلبيتها لطموحاتهم .
تلك إذن هى إتفاقية السلام الشامل الخاصة بالمنطقة، السؤال الذي يثور إلى أى مدى لامست تلك الحلول مشكلة المنطقة ؟ .
أعتقد أنه من المهم أن نتتبع المسار التاريخي لمشكلة منطقة جبال النوبة حسب سياق التعبير عنها فى مختلف الحقب السياسية بإيجاز غير مخل ، ووفقاً لرؤية أصحابها :
1- تنظيم الكتلة السوداء :
ظهر هذا التنظيم على المسرح السياسي عام 1948م بقيادة د.أدهم، وكانت أفكاره تتمحور حول تطوير الخدمات وفتح آفاق التنمية فى منطقة جبال النوبة .
2- إتحاد عام جبال النوبة :
نشأ إتحاد عام جبال النوبة فى عام 1964م عقب ثورة إكتوبر مباشرة وتتلخص أهداف الاتحاد حسبما جاء فى وثيقة إعداده فى الآتي :
أ/ تجاوز الصراعات والولاءات السياسية والاهتمام بقضايا المنطقة وبنائها لتلحق بركب التقدم .
ب/ المطالبة بإنشاء مديرية جبال النوبة منفصلة عن مديرية كردفان .
ج/ إلغاء ضريبة الدقنية .
د/ مشاركة أبناء النوبة فى الحكم .
و/ الدعوة إلى حكم السودان لامركزياً بتقسيم السودان لخمسة أقاليم «جنوب / شمال / شرق / غرب / وسط» .
3- فى فترة حكم مايو :
تميز الأداء السياسي خلال فترة حكم مايو بالطابع العملى ، وتولى المرحوم حسيب قيادة ذلك التوجه فعمد من خلال مواقعه المختلفة فى حكومة مايو «وزير للنقل والمواصلات ، محافظ مديرية ، عضو قيادى بالاتحاد الإشتراكي» على الدفع تجاه تحقيق الحكومة للمبادرات التالية :
أ/ إنشاء محافظة جنوب كردفان .
ب/ تضمين طريق الدبيبات ، الدلنج ، كادقلى ومحطة الأقمار الصناعية فى كادقلى ضمن خطة التنمية الخمسية الأولى «1970 1975م».
ج/ إنشاء 6 مدارس ثانوية بالمحافظة بكل من كادقلى، الدلنج، أبو جبيهة، العباسية والمجلد .
د/ إنشاء البنية التحتية لعاصمة الولاية بكادقلى
ه/ إعادة تنظيم وتحديث الزراعة الآلية وإنشاء العديد من الهيئات والمشاريع المختصة بذلك «مشروع التنمية الريفية ، المشروع الألماني للزراعة G.T.Z».
و/ تكدير العديد من الكوادر السياسية بالمنطقة من خلال مؤسسات الحكم الشعبي المحلى والإقليمي ولجان الاتحاد الإشتراكي المختلفة .
جدير بالذكر أن هذا الجانب نشط فيه تنظيم «الكمولو» السابق الإشارة إليه فى الحلقات الأولى ، ويؤخذ على هذا التنظيم إنكفاءه العرقي والإثني ، رغم أن غالب عضويته تنتمى للقطاع المستنير «الطلاب وموظفى الحكومة».. والسمة المميزة لهذا التنظيم أنه لم يستطع أن يبلور فكرة أو رؤية متماسكة تجاه مشكلات المنطقة، فقد ألهاه الإنغماس فى الشعارات مثل الأفريقانية والإشتراكية وغيرها من بذل أى جهد فكرى لمواجهة مشكلات المنطقة، واتسمت أطروحاته بالرفض ، فطرح شعارات تجديد القيادات بإعتبار أن الجيل السابق من أبناء المنطقة قد أستنفد أغراضه وأصبح غير مؤهل لقيادة المنطقة، مع الدعوة لبناء قيادات جديدة متمردة على كل الموروثات الإجتماعية والسياسية والثقافية خاصة تلك التى تربط المنطقة بالشمال، هذا الإتجاه هو الذي مهد الأرضية السياسية لإلتحاقهم مستقبلاً بالحركة الشعبية، بيد أن العجز الفكرى عن إنتاج أطروحات عملية وبرامج عمل لحل مشكلات المنطقة أضاع إرثاً كان يمكن البناء عليه، فرفض الواقع دون إمتلاك الرؤية للبديل تمثل قمة العجز الفكرى.
4- الحزب القومي السوداني :
نشأ الحزب القومي السوداني عام 1985م عقب الإنتفاضة بقيادة الأب فيليب عباس غبوش واتسمت أطروحته السياسية بالدعوة إلى الآتي :
1-وحدة الصف والمصير لكافة أبناء السودان .
2-التمسك بالديمقراطية الأصيلة غير المزيفة بالشعارات الجوفاء .
3-الحرية والإخاء والمساواة بين كافة العناصر فى كل المجالات .
4-المطالبة باستمرار الإقليمية وتطويرها إلى فيدرالية .
5-المطالبة بقيام إقليم جبال النوبة .
6-الاعتراف بالسودان كدولة تقوم على أربعة ركائز هى «الشمال ، الجنوب ، الشرق ، الغرب» وعليه يجب توزيع كل الدخل القومي بين كافة الركائز بصورة عادلة مع التركيز على المناطق الأكثر تخلفاً .
7-التنمية المتوازنة والمشاركة المتكافئة فى كل أجهزة الحكم .
التركة المثقلة :
لا شك عندى أن برامج القوى السياسية التقليدية التى نشأت فى فترة الاستقلال «ما قبله وبعده» عجزت عن استيعاب مشكلات هذه المنطقة وشبيهاتها، وهو ناتج لغياب البرنامج أصلاً لدى هذه القوى، الأمر الذي دفع إلى نشوء التنظيمات السياسية الإقليمية لتنهض بمهمة التعبير عن مشكلات مناطقها، فكانت جبهة نهضة دارفور فى إقليم دارفور ، اتحاد عام جبال النوبة ، مؤتمر البجا بشرق السودان ،اتحاد الفونج أو الأنقسنا بالنيل الأزرق، وهذا يأتى وفقاً للقانون الطبيعي للأشياء «الدنيا لا تقبل فراغ»، أيضاً فإن السياق التاريخي وإرثه له إسهاماته فى تلك المشكلة على النحو التالى :
تاريخياً فإن السياسة الاستعمارية التى قامت على مبدأ «فرق تسد» «DIVED AND RULE» والتى كانت السمة المميزة للاستعمار البريطاني، عمدت إلى خلق فوارق بين المكونات السودانية ذات الأصل الأفريقي وتلك ذات الأصل العربي، بوقف سيرورة التمازج الماضية بسنة الله فى الكون، وبمنطق الإجتماع البشري ... لقد أدت تلك السياسة إلى ظلم إجتماعي وتنموى كبير على المنطقة ، فلقد كرست تلك السياسة التخلف ، ورسخت للجهل بعدم إتاحة الفرص أمام أهلها للتعليم ، فكانت النتيجة عند عدول الاستعمار عن سياسة المناطق المقفولة ، ونيل السودان للاستقلال ، أن وجدت منطقة خارج الحداثة والتطور كلية ، فجزء من إنسانها لا يزال يعانى من سلوك «العرى» والغالب الأعم من أهلها يفتقد للتعليم ، كان لذلك أثره فى فرص العمل ، فاقتصاد الدولة المستقلة حديثاً والناشئ والذي يسوده العمل فى القطاع الحكومى يعتبر التعليم العنصر الحاسم للالتحاق به، فكان نصيب أبناء المنطقة من سوق العمل هو العمل فى خدمة المنازل ومهن عمال الصحة وغيرها ، وبالطبع فإن قطار السودنة عندما تحرك لم يحمل أحداً .
لا شك أن هذا الوضع مقروناً بأوضاع تاريخية سابقة يتفادى الكثير من المؤرخين تناوله بموضوعية، مثل موضوع «تجارة الرقيق» والتى استحدثها الاستعمار وأسس بها مستعمراته الجديدة ولم يكن دور بعض أبناء السودان فيها يتعدى دور الوكيل «سمسار» ، وهى سُبة صنعها الاستعمار واستغلها واستفاد منها وأثرى بها ، ودفع كل أبناء السودان فاتورتها غالية، هذه واحدة من الأمور المسكوت عنها، والقاعدة الذهبية تقول عند بحث النزاع «ما لا يقال هو الذي يفرق» مثل هذا الإرث التاريخي وتلك التركة المثقلة، لم تجد حظها من التداول الحر والنزيه «وطليع الدرب بشأنها» ... لم يكتف الاستعمار بذلك بل حاول أن يضفى لتلك الفوارق فوارق دينية، فعمد لاستغلال الكنيسة لتحقيق مبتغاه فصورت كل روايات التبشير بالديانة المسيحية كمنقذ لأعراق هذه المنطقة من الأعراق الأخرى التى صورتها فى صور «تاجر الرقيق» وربطت ذلك بالإسلام «راجع قصص الأم بخيتة وغيرها»، والمسيحية الحقة والإسلام براء من هذا وذاك.
عجز القوى الوطنية :
لم تلتفت الحكومات الوطنية بعد الاستقلال إلى محو آثار السياسة الاستعمارية الرامية إلى خلق تلك الفوارق ونتائجها وآثارها ، كما لم تمتد يدها لإخراج المنطقة من وطأة تخلفها الإجتماعي والتنموى، بل استمرت فى تطبيق بعضاً من تلك السياسات الخاطئة ، مثل ضريبة الدقنية التى يدفعها النوبة عن أصل وجودهم بإعتبارهم لا دخل آخر لهم يمكن أن تؤخذ منه ضرائب، ولم تلغ تلك السياسة الضرائبية إلا بعد ثورة إكتوبر وقيام إتحاد عام جبال النوبة.
وجاءت سياسة توزيع المشاريع الزراعية الآلية فى النصف الثانى من الستينيات والسبعينيات لتزيد الطين بله ... فقد هُجّرت قرى بأكملها لوقوعها داخل حرم تلك المشاريع ... كما أن ضعف اقتصاديات أهل المنطقة وضمور مواردهم المالية لم تؤهلهم للمنافسة فى الحصول على تلك المشاريع، كما أن تهيبهم من ولوج مكاتب الحكومة دعك عن البنوك التى توفر التمويل والضمانات حجبتهم عن المطالبة بحقهم، فأصبح ملاك الأراضي أُجراء فى مزارعهم السابقة، الأنكى والأمر أن هذه المنطقة كانت من أكثر مناطق السودان حظوة فى نيل مشاريع تنموية تهتم بسبل كسب العيش «مشروع التنمية الريفية، مشروع الألماني للزراعة ... ال G.T.Z» لم تهتم هذه المشاريع بتقوية القدرات الذاتية لتلك المجتمعات ولم تقد عملية إصلاح زراعي حقيقي، فاستوطن الفقر لاحقاً بالجهل والتخلف .
ثم جاءت الطامة الكبرى فى عهد مايو «الكشات» التى عرفت بسياسة تفريغ العاصمة من العاطلين من العمل وأصحاب المهن الهامشية، فوجد آلاف الشباب أنفسهم تحت قبضة الشرطة ومخفورين فى رحلة عودة بائسة لقراهم التى هجروها بسبب الفاقة وإنعدام فرص العمل .
الخطاب السياسي الإعلامى افتقر للحساسية السياسية فكثيراً ما يصف الحراك السياسي أو حتى العسكرى الذي يشارك فيه أبناء المنطقة، منسوباً للعنصر، فغدت مصطلحات «المؤامرة العنصرية، التحرك العنصري، الإنقلاب العنصري» صفات ملازمة لتحركاتهم .
عليه تأسيساً على ما تقدم فإن النتائج المترتبة على تلك التراكمات وغيرها يمكن تلخيص تشخيصها كمشكلة فى الآتي :
1- تخلف إجتماعي واقتصادي وسياسي، ناتج عن واقع انغلاق جغرافى واتصالى يعود بالدرجة الأولى لجغرافية المنطقة ومناخها ووعورتها وانعدام الطرق ووسائط الاتصال فيها، علاوة على سياسة المناطق المقفولة وتطبيقاتها .
2- ضمور وقلة النخبة المتعلمة بمجتمع المنطقة نتيجة لضعف التعليم بل وإنعدامه، والقليل الذي حاولت إنشاءه الإدارة الاستعمارية تردد ما بين مدارس تعمل بالحرف الروماني فى تعليم اللغات المحلية ، مع فصل مدارس خاصة بالنوبة وأخرى خاصة بالقبائل العربية «المؤسف أن الحركة الشعبية التى إدعت أنها قامت من أجل إزالة التهميش سعت إلى تطبيق ذات ممارسة الإنجليز فى قانون المناطق المقفولة بقفلها للمناطق تحت مسمى المناطق المحررة وأنشأت مدارس تعمل بالمنهج اليوغندى والكينى «PUSHES SCHOOLS» ويتوقف التعليم عندها عند مرحلة الأساس» ... وفقاً لذلك فإن إعاقة متعمدة لعملية الإندماج الوطني قد حدثت نتيجة تلك الفوارق المتعمدة.
3- عجز خطاب وبرنامج النخبة السياسية غداة استقلال السودان وفى العهد الوطني عن استيعاب وحل تلك المشكلات.
4- إرث تاريخي وتركة مثقلة بممارسات إجتماعية خاطئة ألقت بظلالها وأفسدت تكوين وجدان وطنى مشترك .
الحل :
تلك هى المشكلات التى سعت الاتفاقية لمخاطبتها ، وللتاريخ أسجل أن المفاوض الحكومى كان سباقاً فى طرحها ، فالمفاوض فى الطرف الآخر «الحركة الشعبية» اكتفى بنظم الشعارات «التهميش ، الظلم ... إلخ» فكان نهجهم هو الرفض «الرافضة» ... وبسبب ذلك كان موقف المفاوض الحكومى ميالاً إلى الاتفاق على تحديد مشكلة المنطقة، وابتدار جملة من المعالجات تُشكل أساساً قابلاً للتطوير والمراجعة بشأنها ، وتضمن إشراك أصحاب المصلحة «أهل الولاية» فى اعتماد تلك الحلول ، بل وإشراكهم فى إستكمالها متى دعت الحاجة لذلك «للمواطنين وفق المشاورة الشعبية الحق فى تصحيح أى قصور واستكمال أى نقص».. لقد كانت محاولة جريئة لإلتقاط القفاز من الحركة الشعبية وإحالته للمواطن مباشرة، لأن يد الحركة الشعبية ينطبق عليها مثل «الما بعرف ما يدوهو يغرف، بكسر الكأس ويحير الناس» لا يمكننى الإدعاء والحال كذلك القول أن البروتوكول، غطى بحلوله كل المشكلات ولكنه وضع إطاراً مرناً للحل ، لذلك كانت تلك واحدة من أهم سماته ومواطن قوته ... فهو صنع أساساً متيناً قابلاً للبناء عليه ، ولم يكن سقفاً تتحطم دونه التطلعات والآمال .
والحال كذلك يمكننا الآن أن نجرد مسار ستة أعوام من حسابات الربح والخسارة ، فى مسار انفاذ الاتفاقية :
عوامل مؤثرة على مسار إنفاذ الاتفاقية :
لقد تشكلت جملة من العوامل أثرت على مسار إنفاذ الاتفاقية ، نجملها فى الآتي :
«1» لم تجد الاتفاقية حظها الكافى من التنوير والتبشير بها وسط القواعد ، رغم الترحيب الكبير الذي وجدته من الرأى العام السوداني ، وهى مسألة يتحمل مسئوليتها الطرفان ، بيد أن مسئولية الحركة الشعبية أكبر للآتي :
أ/ تأخر وصول وفود الحركة الشعبية لداخل السودان للبدء فى تشكيل لجان العمل المشتركة لتنفيذ الاتفاقية ، وأذكر هنا بأن العزف المنفرد فى مثل هذه الأحوال غير مطلوب ، بل المطلوب هو «التانغو» ، لقد مضت فترة طويلة نسبياً من عمر الفترة قبل الإنتقالية، وهى الفترة المحددة من 19 يناير 2005م إلى 9 يوليو 2005م ، للقيام بتلك الأعمال ، فقد انشغلت الحركة الشعبية بترتيب بيتها الداخلى خاصة بعد الخلافات الخطيرة التى نشأت على خلفية إجتماع رمبيك فى نوفمبر 2004م بين مجموعتى قرنق وسلفا .
ب/ وفاة د.جون قرنق زعيم الحركة الشعبية عقب بداية الفترة الإنتقالية بثلاثة أسابيع ، وما استتبعه ذلك من هروب كثير من قادة الحركة الشعبية إلى خارج السودان ، وهذا الأمر يرتبط بالصراع الذي أشرنا له فى الفقرة «أ» أعلاه ... فالمجموعة التى فاوضت فى نيفاشا مع قرنق والتى إصطلح على تسميتها «بأولاد قرنق» ، وجدت نفسها وجهاً لوجه أمام المجموعة الأخرى «مجموعة سلفا المسماة بالوطنيين الجنوبيين» فأنكفأت الحركة الشعبية على نفسها تعيش أحزانها، وتدير صراعاتها الداخلية الملازمة لها منذ مرحلة التأسيس ولقد أشرنا لذلك فى حلقات سابقة .
ج/ الأثر النفسى السالب لدى الرأى العام وخاصة فى شمال السودان تجاه ردة فعل مؤيدي الحركة الشعبية عقب حادثة وفاة زعيم الحركة الشعبية فى حادث الطائرة الهليكوبتر اليوغندية ... لقد تركت تلك الأحداث أثر صادماً فى وجدان أهل السودان ، وأفرزت إنقساماً مجتمعياً حاداً ، وإستدعت من الذاكرة الوطنية أحداثاً مؤلمة سابقة «أحداث مجزرة توريت، أحداث الاحد الدامي ... إلخ» .
د/ عجز الحركة الشعبية عن إدارة عملية إنتقالها وتحولها من مليشيا مسلحة إلى حزب سياسي يستخدم أدوات العمل السياسي فى مرحلته الجديدة ، فرغم صياح الحركة الشعبية صباح مساء عن التحول الديمقراطي والحريات ، فقد عجزت هى عن إقامته داخل نفسها ، المدهش أنها عمدت إلى عسكرة كل من أنتمى إليها ، فشرعت فى توزيع الرتب وتجنيد الأفراد ، إذ لم تستطع إستبصار الفارق ما بين الإنتماء السياسي لها كحزب والتجنيد العسكري لجيشها .
ه/ إفتقار الحركة الشعبية لخبرة إدارة الدولة، وغياب البرنامج التنفيذي لها ، فقد عجز أفرادها الذين دفعت بهم للحكومة القومية أو مستويات الحكم الأخرى أن تتقمصهم روح رجال الدولة، وإليكم أحد الأمثلة «فى حكومة الوحدة الوطنية الأولى تولى دينق ألور وزارة مجلس الوزراء، ولدى إنعقاد أول جلسة لمجلس الوزراء بعد مرور عطلة عيد الكريسماس «عيد القيامة» طلب السيد وزير مجلس الوزراء فرصة للحديث قبل أن يقول رئيس الجمهورية جدول أعمال الجلسة وتحدث بمرارة عن أن التقويم الذي بموجبه تم منح العاملين عطلة أعياد القيامة متسق وتقويم الكنيسة الشرقية «القبطية» وهؤلاء أقلية ولا يتسق وتقويم الكنيسة التى يتبع مذهبها غالب المسيحيون بالسودان ، وطلب تصحيح ذلك فوراً ، رد عليه رئيس الجمهورية ببساطة لا تخلو من مداعبة قائلاً : الأخ / دينق ... أنت وزير مجلس الوزراء وبحكم هذا المنصب ... أنت من يتولى تحديد العطلات والأعياد الرسمية للدولة ... هذا من ناحية ... من ناحية أخرى فإننا كمسلمين قيامتنا لسه ما قامت عشان نحتفل بيها ... فشوف أنت التاريخ المناسب وأجز لينا كلنا ... فضحك الإجتماع بما فيهم دينق وعاد الإجتماع لأعماله».
قصدت سرد هذه الطرفة لبيان أن عقلية منسوبي الحركة الشعبية بالحكومة أصلاً لم يتقمصها الإحساس بالنهوض بالواجب ، فهم فى موقع الإحتجاج والمطالبة ، ذلك مفهوم عندما كانوا بالغابة ، فالشاهد أنهم لم يتخلوا عن تلك العقلية حتى عندما أمسكوا بالقلم فهم حكومة ومعارضة فى ذات الوقت ، ورحم الله الأستاذ المرحوم نقد عندما وصف إضراب وزراء الحركة الشعبية عن العمل بقوله «الحركة شكاية وبكاية».
و/ تلكوء الحركة الشعبية فى أمر الشراكة السياسية :
نظر المؤتمر الوطني للشراكة السياسية بحسبانها أمراً حيوياً وملحاً ومهماً لإنفاذ الاتفاقية، بإعتبارها عملية سياسية من الدرجة الأولى ، بينما نظرت إليها الحركة الشعبية بإعتبارها مشروع تحالف سياسي يريد المؤتمر الوطني الإستقواء به على الآخرين ، فتلكأت فى ذلك ، وبعد جهد جهيد انعقد أول إجتماع مشترك للمكتبين القيادي والسياسي للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية بعد جهد لا يعرف الملل استخدم فيه الأخ / د.مصطفى عثمان إسماعيل أمين أمانة العلاقات السياسية بالمؤتمر الوطني كل رصيد خبرته الدبلوماسية لينعقد ذلك الإجتماع ، تأخر الإجتماع ثلاث مرات عن الموعد المحدد له بتاريخ 2/5 ثم تأجل إلى 6/5 ثم إلى 14/5 وإلتأم أخيراً بتاريخ 27/5/2006م بقاعة الصداقة بالخرطوم ... وكل التأجيلات كانت بطلب من الحركة لأسباب إدارية وتنظيمية متعلقة بهم ، وللأسف فإن الحركة الشعبية لم تنظر لذلك الإجتماع سوى كحائط مبكى جديد استخدمته لكيل الاتهامات للمؤتمر الوطني إن هذا لم يتم وذلك لم يعطونا له!!.
وخلص هذا الإجتماع إلى تشكيل عدد من اللجان الفرعية لدراسة ما ورد بأوراق الطرفين واقتراح توصيات للإجتماع ، فكانت أهم توصيات تلك اللجان على النحو التالى :
1- ضرورة وجود آليات تنسيقية لضمان تنفيذ اتفاقية السلام الشامل ومعالجة قضايا الشراكة .
2- اعتماد برنامج تداركى لتطبيق بنود اتفاقية السلام الشامل التى تأخر تنفيذها .
3- إقرار منهج إعلامي متسق بين الشريكين .
4- الاتفاق على أولويات لمراجعة القوانين التى لا تتفق مع اتفاقية السلام الشامل والدستور الإنتقالى والتعجيل بها .
5- بناء الثقة بين الحزبين الشريكين على كل المستويات والهياكل السياسية .
6- تأكيد إلتزام الشريكين بموجهات السياسة الخارجية الواردة فى اتفاقية السلام والدستور الإنتقالى ، وتطبيع العلاقات مع دول الجوار .
7- الإسراع فى تنفيذ اتفاقية سلام دارفور .
8- تسريع عملية مفاوضات السلام فى شرق السودان.
ز/ تنامي مشكلة دارفور وتطورها ولعب الحركة الشعبية لأدوار غاية فى السلبية تجاهها بدعمها للحركات المسلحة.
ح/ تقاعس المانحين عن الوفاء بإلتزاماتهم التى أعلنوها فى أوسلو والبالغ قدرها 4,5 مليار دولار لتمويل مصفوفة احتياجات مرحلة ما بعد الحرب «وثيقة الجام» .
تلك هى الصورة الكلية لمشهد انفاذ الاتفاقية على المستوى القومي، نتابع فى الحلقة القادمة يوم الأحد بإذن الله الصورة بجنوب كردفان فتابعوا معنا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.