ان ما يعانيه الاقتصاد الوطني من معضلات لم يكن حصريا على قطاع دون آخر اذ انه طال كل القطاعات بمختلف ضروبها ولم يسلم من قبضة الاجراءات الاقتصادية وحزمة التقشف التي تبنتها الدولة قطاع الصناعة على ما يميزه نسبيا ولما يمتلكه من خصوصية اقتصادية اذ ان متخذي القرار لم يضعوا في حسبانهم أن الصناعة بالبلاد تعاني، فعوضا عن مواساة القائمين على أمرها عمد متخذو القرار الى القسوة عليه في جانب توفير النقد الأجنبي لاستيراد مدخلات الانتاج المحلي بالرغم من اعفائها النسبي للمدخلات من التعرفة الجمركية الأمر الذي حمل صناعيين وخبراء اقتصاد للجهر بالدعوة لتضافر كافة الجهود للتغلب على المعضلات التي يعاني منها القطاع الصناعي بالبلاد وأمنوا على ضرورة رفع كافة القيود والمكبلات التي تحول دون انطلاقه وتضعف اسهامه في الناتج القومي وشددوا على أن تبسط الدولة المحفزات اللازمة والاعفاءات المؤهلة للمنتجات المحلية منافسة المنتجات المستوردة التي تكتظ بها الأسواق فغدت هاجسا كبيرا للمنتجات المحلية عالية التكلفة والتي لاتلبي رغبة وذوق المستهلك السوداني في أحايين كثيرة رغم الميزات النسبية التي يتمتع بها السودان من توفر المواد الخام، وحذر الخبراء والمختصون من مغبة تمادي الحكومة في اغفال القطاع الصناعي لجهة أنه سيكون عرضة لانهيار وشيك ان لم يتم تلافي ما يعاني منه على وجه السرعة ستدفع الحكومة والجميع الثمن غاليا . يقول صاحب مصنع شعيرية بالمنطقة الصناعية الباقير فضل حجب اسمه ان اسقاطات الواقع الاقتصادي الأخيرة التي اعترفت بها الدولة في أعلى مستوياتها رمت بظلالها السالبة على القطاع الصناعي بالبلاد يعاني من قبلها كثيراً من المشكلات والمعضلات التي تحول دون انطلاقه على رأسها ارتفاع تكلفة الانتاج المتمثلة في ارتفاع تكلفة الخدمات المساعدة مثل الكهرباء علاوة على عدم توفر النقد الأجنبي اللازم لاستيراد مدخلات الانتاج علاوة على كثرة الرسوم والضرائب المفروضة من قبل المحليات والولاية لعبت دورا كبيرا في ضعف مردود القطاع الاقتصادي علاوة على ضعف المردود من المصانع للعاملين بها حيث عجزت ادارات كثير من المصانع عن توفير حقوق العاملين بها من أجور ومرتبات الأمر الذي قاد الى توقفها تماما ، وأوضح أن نسبة كبيرة من المصانع بمنطقة الباقير توقفت عن العمل تماما وأوصدت أبوابها بعد توقف آلياتها ، وناشد المسؤولين بالالتفات للقطاع الصناعي وايلائه الاهتمام الأكبر بتخفيض الرسوم والضرائب عليه واعفاء جميع مدخلاته من الجمارك مع اتباع مزيد من السياسات التشجيعية للاستثمار في القطاع الصناعي . وغير بعيد عن حديثه يقول أحد المسؤولين بمصنع لانتاج الزيوت بالخرطوم بحري ان حال المصانع بالسودان يغني عن السؤال بالرغم من المجهودات التي تبذلها وزارة الصناعة للنهوض بالقطاع الصناعي ويرى أن مجهوداتها لم تؤتي أكلها لجهة عدم تكامل رؤية الدولة وأذرعها التي جبلت على حب سياسة جمع الايرادات العاجلة المتمثلة في الرسوم والضرائب والجمارك المفروضة على القطاع الصناعي وأبان أنه ما لم يتم تقديم تسهيلات وخدمات شبه مجانية أو بأسعار تكون في متناول يد ومقدرة طاقة المصانع الانتاجية لن يقوى القطاع الصناعي على الصمود في وجه عاصفة الغلاء التي شملت كافة أوجه الاقتصاد والحياة، وناشد بأن تولي الحكومة الجديدة القطاع الصناعي أولوية خاصة في أجندتها لما يلعب من دور اقتصادي كبير ورائد بجانب لاستيعابه لعدد كبير من الايدي العاملة بتوفيره فرص عمل لها يعجز أي قطاع انتاجي آخر عن توفيرها كل العام. وفي دوائر خبراء الاقتصاد يقول الدكتور محمد الناير ان القطاع الصناعي بالسودان رغم التطور النسبي الذي شهده مؤخرا الا أنه لم يصل الى مرحلة النهضة التي تؤهله للعب الدور المنوط به على الوجه الأكمل في دفع عجلة الاقتصاد على الوجه المطلوب، وأوضح أن الصناعة تعاني من معضلات كبيرة على رأسها تذبذب التيار الكهربائي المستمر في السنوات الماضية والذي لم يتبدد هاجسه الا بعد دخول كهرباء سد مروي مؤخرا الأمر الذي كان يؤرق مضاجع اصحاب المصانع بالبحث عن البدائل عالية التكلفة أو تعرض منتجاتهم للتلف، وزاد أن القطاع الصناعي ما زال يعاني من اشكالية علو تكلفة تعرفة الكهرباء رغم تخفيض التعرفة بنسبة 25% الا أنه اعتبرها مرتفعة مقارنة بالتعرفة التي يدفعها رصفاء القطاع الصناعي في الدول المجاورة حيث يدفع القطاع الصناعي السوداني ما يعادل 5 أضعاف ما يدفعه الآخرون من أجل الحصول على التيار الكهربائي لاسيما في الدول التي لها ارتباط وثيق بالسودان بفضل الاتفاقات التجارية الموقع عليها السودان «الكوميسا ومنطقة التجارة العربية» ودعا لتبسيط اجراءات انشاء المصنع وأن تتحمل الدولة تكلفة مواد ومعدات توصيل التيار الكهربائي قبل أن يدعو الى الاتجاه لتعدد مصادر الطاقة بالاستفادة من الغاز حتى تكون هناك مفاضلة بين مصادر الطاقة بجانب ضرورة مراجعة واعادة النظر في الرسوم والضرائب المتعددة المفروضة على القطاع الصناعي من مستويات الحكم الوسطى والدنيا «المحليات والولايات» التي وصفها بأنها تشكل عقبة كؤود في سبيل تقدم الصناعة بالسودان علاوة على عدم قدرة القطاع الصناعي على الاستفادة من الميزة النسبية لتنوع الانتاج الزراعي بالبلاد الذي يوفر منتجات بمواصفات متميزة قل أن يوجد لها مثيل في العالم يمكن الاستفادة منها وتطويعها لخدمة الصناعات التحويلية «السكر- الزيوت - الأقطان - السمسم - الكركدي - الصمغ العربي - تعليب اللحوم والأسماك - المنتجات الغابية وغير ذلك » وطالب باعادة النظر فيها وألا يترك المجال للمستثمرين لتصنيع وانتاج منتجات هامشية مع ضرورة الاهتمام بالصناعات الثقيلة والانتقال من مرحلة التجميع الى الانتاج المحلي كلية عن طريق رفع قدرات الشركات وعاب على القطاع الصناعي اعتماده على الصناعات الاستخراجية المرتبطة بالنفط واهماله للصناعات التحويلية، وقال لابد من الاهتمام بالصناعات التحويلية حتى تتمكن من اضافة قيمة حقيقية للاقتصاد. وطالب الناير باعادة النظر في قانون العمل السوداني واعتبره بوضعه الحالي منفرا للمستثمرين حيث يقضون معظم أوقاتهم في المحاكم ومكاتب العمل، وختم بأن الصناعة تعاني من اشكالات كبيرة في عدم قدرتها على المنافسة داخليا وخارجيا وأنها لم تستفد من الفرص التي أتيحت لها في الفترة السابقة قبل تطبيق التعرفة الجمركية الصفرية، وقال ان القطاع الصناعي بالسودان اذا لم تعالج معضلاته سالفة الذكر لن يصل الى الوضع المنشود.