السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نقل السلاح إلى ثوار الجزائر والمغرب وشارك في حرب التحرير
المناضل إبراهيم محمد النيّل ...قصة سوداني أغضب فرنسا
نشر في الصحافة يوم 20 - 07 - 2012

يعد المناضل السوداني إبراهيم محمد النيّل احد المجاهدين الذين ساهموا في تحرير الجزائر والمغرب من الاستعمار الفرنسي حيث لعب دورا مهما في نقل السلاح من مصر عبر البحر الى الثوار ،وظل يجهز الغزاة بالسلاح والعتاد الحربي الى ان اسرته فرنسا وسجنته وعرضت حياته للخطر. ورغم هذا الدور الكبير الا ان تجربته المتفردة لم تجد حظا وافرا من الانتشار عبر وسائل الاعلام السودانية بل انصفته المغرب هو واسرته وكرّمته الجزائر التي تحتفل هذه الأيام بمرور 50 عاما على استقلالها عن فرنسا الذي مثل نهاية لحكم استعماري دام 132 عاما وحرب ضد الاستعمار كبدتها خسائر في الأرواح بلغت 1.5 مليون مواطن ، ونتج عنها مذبحة قتل خلالها 45 ألف جزائري خرجوا الى الشوارع للمطالبة بالاستقلال. وللوقوف على سيرة ومسيرة المناضل النيّل كان لنا هذا اللقاء مع اسرته الكريمة التي حكت لنا تفاصيل قصة مجاهد سوداني شارك في نجاح الثورة الجزائرية والمغربية ضد الاحتلال الفرنسي.
الميلاد والجذور وجينات النضال
تقول ابنته مها ان والدها إبراهيم محمد النيّل ولد في (حي الأمراء) بالعباسية في مدينة أمدرمان سنة 1920، والده محمد النيّل الطاهر مالك عجبنا تعود جذوره إلى كنانة فرع السراجية أولاد سراج الذين كانوا يعيشون وسط الكبابيش بشمال كردفان ثم هاجروا إلى النيل الأزرق عند اندلاع الثورة المهدية، ووالدته هي السيدة بخيتة فضل المولى.
وابراهيم النيل من أسرة سودانية أنصارية عريقة، ذلك أن جده (موسى ود ادريس) أحد قادة جيش المهدية، كما أن جدته لأبيه «زينب بت إدريس» هي شقيقة (عائشة بت إدريس) الزوجة الثانية للإمام المهدي،. نشأ في هذه البيئة التي اتخذت موقفاً محدداً من الاستعمار والظلم منذ سنة 1885م، وبالتالي لم يستطع إلا أن يكون إبن بيئته.
التعليم والدراسة والاسرة الممتدة
تعلم ابراهيم النيّل القرآن ابتداءً في خلوة الفكي العجب وهي خلوة مشهورة في أمدرمان ، ومن ثم درس الكُتّاب في مدرسة أنشأها الإمام عبدالرحمن المهدي في بيته وكانت تُدرسهم فيها الشيخة صالحة إبنة الشيخ بابكر بدري، وقد واصل دراسته الأولية بأم روابة لظروف تنقل والده ثم عاد ليكمل دراسة الابتدائية ثم الوسطى في أمدرمان. وفي أواخر الثلاثينيات وبداية أربعينيات القرن الماضي انتقل للدراسة في مدرسة الجريف الزراعية وهي مدرسة كانت تابعة للبعثة الأمريكية وسابقة في النشأة لمدرسة الزراعة في شمبات. بعدها عمل في مشروع «قُلي» الزراعي بالنيّل الأبيض عند تأسيسه، كما عمل في مجال التعليم، وتنقل في النيّل الأبيض، والجزيرة، وسنار وبعدها غادر السودان إلى مصر في أواخر أربعينيات القرن الماضي وتزوج ابراهيم النيّل إبتداءً من سيدة مصرية إسمها عائشة ولم يرزق منها بذرية، ومن ثم تزوج من السيدة نور الشام عبدالله عبد الرحمن نقدالله وله منها أربع بنات هن: هدى، ومها، وصفية، وزينب وله حالياً سبعة أحفاد أكبرهم «عفراء» الطالبة بجامعة الخرطوم، وأوسطهم «إبراهيم» الذي يحمل اسمه، وأصغرهم «نورالشام» وهي مغربية سودانية حيث أن والدها مغربي.
ناصر ورحلة الجزائر والمغرب
مارس ابراهيم النيّل بعد هجرته إلى مصر التجارة، وساعدت ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية في انتعاش تجارته الأمر الذي جعل علاقاته في مصر تتجذر وتتشعب مع مختلف قطاعات الشعب المصري، وفي هذا السياق ربطته علاقة صداقة تحولت إلى شراكة تجارية مع أحد المصريين وهو السيد حسين خيري، حيث كانا وكلاء لشركة (بيرتا) الإيطالية وهي شركة لديها مصانع سلاح شهيرة بذات الإسم. وكان (حسين خيري) أحد الضباط المصريين الأحرار الذين شاركوا في ثورة يوليو إلا أنه ترك الجيش بعد الثورة وزاول التجارة وكان النيّل وخيري شريكين، ولخلفية (حسين خيري) العسكرية والسياسية فقد كلفه الرئيس جمال عبدالناصر بمساعدة الثوار الجزائريين والمغاربة في (نقل) السلاح من مصر إلى المغرب والجزائر وقد اشترك والدي مع حسين خيري بحكم شراكتهما التجارية في هذا الإلتزام وكانت له صلة مباشرة بالرئيس عبدالناصر وعلى صبري وآخرين في قيادة ثورة يوليو المصرية، وكانت تلك بداية علاقة والدي مع المغرب والجزائر، كما إنها كانت البداية لعلاقته الشخصية بكل من زعيم الثورة الجزائرية و أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال ورمزها الراحل «أحمد بن بيلا» طيب الله ثراه ، وكذلك القائد المجاهد الشهيد «محمد بوضياف» الذي أصبح فيما بعد كذلك رئيساً للجزائر قبل استشهاده.
أما بالنسبة للشخصيات المغربية فقد تعرف في بادئ الأمر وتحديداً في بداية الخمسينيات إلى الراحل «عبد الكبير الفاسي»، ومن ثم توطدت علاقاته برموز الثورة المغربية وعلى رأسهم الراحل الدكتور عبدالكريم الخطيب قائد جيش التحرير المغربي، وأحد صناع استقلال المغرب، ومن رموز التحرر في أفريقيا.
الشجاعة والقيادة والمقاومة
لم يكن غريباً أن يمشي إبراهيم النيّل في درب المقاومة ومناهضة الاستعمار فقد تربى في بيئة أنصارية قُحة، وجدوده كانوا مجاهدين ومقاومين للاستعمار، وخروجه من السودان نفسه كان بسبب الإستعمار والضغوط التي مارسها على الشباب السوداني المتعلم في ذلك الوقت وبالتالي ، إضافة إلى ذلك فقد كانت له صفات شخصية مميزة كان شجاعاً كريماً جريئاً مقتحماً و لا يهاب الخطر بكل ما تحمله هذه الكلمات من معاني، وهذا هو الذي دفعه لمناصرة من يرى أنهم مظلومون ومقهورون في بلادهم، ومع انه لم يقاتل بالمعنى الحرفي والدقيق للكلمة ولم يحمل سلاحاً ويشارك في الحرب، وإنما جاهد وقاوم الاستعمار الفرنسي في الجزائر والمغرب بالمعني الواسع لكلمتي جهاد ومقاومة والتي أوجزها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف (من جهز غازياً فقد غزى). وشارك ابراهيم النيّل في تجهيز وإمداد الثوار في الجزائر والمغرب بالسلاح والعتاد وكان غير آبه لما سيلحق به، بل إنه بسبب ذلك ضحى بجزء كبير من عمره مسجوناً ومطارداً ومتنقلاً بين الدول، وقد فقد جراء ذلك الحياة الطبيعية المستقرة وثروة كبيرة وتجارة كانت تدر عليه أموالاً ضخمة.
رحلات الباخرة دينا واتوس
قاد ميدانياً أول عملية نقل سلاح للثوار الجزائريين والمغاربة عبر البحر في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر انطلقت من مصر مروراً بإيطاليا وليبيا وانتهاءً بالشواطئ الشمالية للمملكة المغربية. وهي العملية الشهيرة بعملية الباخرة (دينا)، وهي باخرة كانت مملوكة للأميرة دينا عبدالحميد، التي تزوجت لاحقاً الملك حسين، ملك الأردن رحمه الله وأصبحت ملكة للأردن، بالإضافة إلى ذلك وقام النيّل بالمساعدة في ترتيبات الحصول على السلاح من مصادر مختلفة لصالح الثورة الجزائرية والثوار المغاربة . كما أنه قاد ميدانياً عملية الباخرة (اتوس) التي انتهت بالقبض عليه بواسطة الفرنسيين ولهذا السبب (أسرته) القوات البحرية الفرنسية هو ورفاقه من المجاهدين الجزائريين وآخرين يوم 16 أكتوبر سنة 1956م، وهم على ظهر الباخرة (آتوس) التي كانت مسجلة بإسمه وقد اشتراها في حقيقة الأمر الزعيم «أحمد بن بيلا» وسجلها بإسم النيّل لظروف الثورة، وقد كانت الباخرة «آتوس» تنقل حمولة قدرها مائة طن من الأسلحة والعتاد العسكري في طريقها إلى الثوار الجزائريين.
السودان وحرب الاستقلال
استعان «إبراهيم النيّل» ببعض السودانيين وزاملوه في رحلة الباخرة «دينا»، وسوف تنشر اسرته أسماءهم مفصلة في مذكراته، وهي بصدد الحصول على تفاصيل عنهم من مصادر مختلفة في سياق تحرير وتوثيق مذكرات النيّل، لان تواجد الاسرة خارج السودان خلال الأربعين عاماً الماضية وعدم مكوثها فيه إلا لفترات متقطعة غيب عنها بعض التفاصيل والسودان كان في ذلك الوقت يخوض صراع الإستقلال، لذلك كدولة لم يكن له دور مباشر في دعم الثورة في الجزائر أو المغرب، وقد يكون هنالك دعم من بعض الشخصيات الوطنية أو دعم دبلوماسي في بدايات استقلال السودان خصوصاً وأن الثورة الجزائرية بلغت ذروتها بعد استقلال السودان وقد دعمتها كثير من الدول العربية ، إلا أن شخصياتٍ وطنية على رأسها الإمام عبد الرحمن المهدي لعبت دوراً في إطلاق سراح النيّل من سجنه في فرنسا.
ظلم في فرنسا
تعرض النيّل لمعاملة قاسية من الفرنسيين حين تم أسره على ظهر الباخرة (آتوس) يوم 16/10/1956م وكان عرضة للتصفية والإعدام إلا أن محكمة عسكرية فرنسية عليا خففت الحكم إلى عشر سنوات قضى منها فعلياً أربع سنوات متنقلاً بين سجون الإستعمار الفرنسي في (وهران) و(البروافيه) و (مرسيليا) و(كركسون)، كانت ظروف اعتقاله في غاية القسوة، حيث تم تعذيبه بوحشية وتعرض لمعاملة قاسية كما حكى في مذكراته التي كتبها في السجن...كما أن الباخرة «آتوس» التي كانت مسجلة بإسمه ومملوكة له قانوناً مارست عليها فرنسا القرصنة في المياه الدولية وصودرت بما تحمله من قبل السلطات الفرنسية ولم تتم إعادتها إليه. وكانت الثورة الجزائرية قد أوشكت على الإنتصار وقبضة فرنسا على الجزائر قد اهتزت والثوار الجزائريين الأشاوس مرغوا كرامتها في الأرض، وكان ما قام به النيّل ورفاقه قمة الطعن والتشكيك في قدرات فرنسا العسكرية والحربية في البحر الأبيض المتوسط، مما جعل فرنسا في حالة غضب عارم قادتها إلى الضرب يمينا ويساراً، حيث اتخذت حادثة الباخرة (آتوس) التي انطلقت من مصر محملة بالسلاح إحدى الذرائع في حربها ضد مصر والشهيرة بالعدوان الثلاثي وقد بينت فرنسا ذلك في الشكوى الرسمية التي قدمتها ضد مصر في مجلس الأمن الدولى، وقد ورد تفصيل ذلك في بيان مجلس الأمن الذي صدر بهذا الخصوص ورحل النيّل سنة 1983م بمدينة لندن التي نقل لها من المغرب للعلاج بعد إصابته بنوبة قلبية، وقد وري جثمانه الثرى بمقابر أحمد شرفي بأمدرمان، كان قد تجاوز عندها الستين من عمره وقد أنهكه مشوار مليئ بالأهوال.
النيّل محبوب في المغرب حكومة وشعباً
تحكي ابنته زينب وتقول : عاش النيّل عزيزاً مكرماً من أهل المغرب ملوكاً وحكوماتٍ وشعباً، وهو مشهور في المغرب بإسم إبراهيم «السوداني»، وهي صفة لازمته قولاً وفعلاً ، إذ ظل محتفظاً بجنسيته السودانية طوال حياته وحتى مماته. لقد منحته المملكة المغربية صفة (مقاوم) ، وهي صفة تُمنح للمغاربة الذين شاركوا في حرب الإستقلال، لقد كرمه زملاؤه المجاهدين المغاربة في حياته حيث عاش بينهم واحداً منهم يشاركهم السراء والضراء، وبعد مماته خلفوه في أهله كأحسن ما تكون الخلافة حيث لم تواجهنا مشكلة طوال حياتنا وحتى أكملنا دراستنا وتفرعت أسرتنا بالتزاوج والمصاهرة ومازال بعضنا يعيش هناك، وفي هذا المقام نحيي جلالة الملك محمد السادس الذي سار على درب أسلافه المنعمين الراحلين الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني رحمهما الله، حيث قام الملك محمد السادس مؤخراً في الذكرى الخمسين لإستقلال المغرب بتكريم والدي ومنح اسمه وساماً ملكياً رفيعاً . أما الشعب المغربي وعلى رأسه المقاومون المغاربة فإننا مهما قلنا فلن نوفيهم حقهم وسنظل نكن له كل تقدير ونحتفظ له بمكانة خاصة ونعد أنفسنا بعضاً منه، نسعد لسعادته ونأسوا لحزنه، فقد كرّموا والدي أيما تكريم، وهم أهل كرم.
ثوار في ودنوباوي
أثناء حياة ابراهيم النيّل بالمغرب كان على صلة بكل زملائه في الكفاح، وخصوصاً زملاؤه المغاربة الذين بادلوه وفاءً بوفاء في حياته وبعد مماته، من الجزائريين كان على صلة بالراحل «محمد بوضياف» أثناء لجوئه بالمغرب وقبل أن يعود رئيساً للجزائر بعد الشاذلي بن جديد.
أما علاقته الحميمة والتي اتصلت طوال حياته وبعد مماته فقد كانت مع زملائه المغاربة بسبب تواجده وحياته في المغرب وكان يتبادل معهم الزيارات والعلاقة معهم كانت ومازالت أسرية. خاصة مع الدكتور «عبدالكريم الخطيب» قائد جيش التحرير المغربي وأحد رموز المغرب الذي كان صديقاً وفياً لابراهيم النيّل في حياته، وبعد مماته واستمر الخطيب في رعاية شؤون اسرة النيل كبيرها وصغيرها حتى أنه كان وكيلاً عن زواج ابنته الوسطى ، وبعد تأسيسه حزب العدالة والتنمية، وفي زيارة له إلى السودان منتصف التسعينيات زار الخطيب اسرة النيّل في بيت جد ابنائه الأمير نقد الله بحي «ود نوباوي» وكان برفقته الأستاذ عبد الإله بن كيران رئيس الوزراء المغربي الحالي. وكان من رفاق النيّل في مسيرته الأستاذ الغالي العراقي أحد قادة حركة التحرير والمقاومة المغربية للإستعمار الفرنسي، وكذلك المجاهد الحاج حسين براده ، المجاهد مختار الزنفارى والمجاهد بن عثمان والمجاهد أسعيد بونعيلات وغيرهم وغيرهم ممن لا تستطيع اسرة النيّل حصرهم او أن توفيهم حقهم بل تدعو لهم بالرحمة وتدعو الله ان يمد في عمر الأحياء منهم .
تكريم من الحكومة الجزائرية
تقول هدى ابنة النيّل كان أكبر تكريم لوالدي هو اللقاء الذي جمعه بالرئيس الراحل «هواري بومدين» في السبعينيات بعد أن أصبح بومدين رئيساً للجزائر، وقد حضر اللقاء بعض قادة الثورة الجزائرية الذين أسروا مع والدي في الباخرة (آتوس) ومنهم السفير محمد الهادي حمدادوا، والسفير محمد الصباغ، وفي هذا السياق من المهم الإشارة إلى أن «محمد بوخروبة» الذي اشتهر لاحقاً بإسم «هواري بومدين» وأصبح فيما بعد رئيساً للجزائر، كان من الثوار الجزائريين الذين نقلهم والدي على ظهر الباخرة (دينا) من مصر إلى الجزائر وكان وقتها «هواري بومدين» أو «محمد بوخروبة» طالباً في الأزهر وكان هذا اللقاء هو قمة التكريم، لأنه كان بمثابة رد إعتبار للنيّل أمام تقولات بعض الرسميين المصريين آنذاك إذ سعوا للتقليل من دوره، وحرفوا وقائع تلك الفترة من التاريخ لتستمر الفرقة بين الجزائر والمغرب والجزائر فور استقلالها منحت النيّل صفة مجاهد كما فعلت المغرب من قبلها، وبعد وفاته منحت أسرته معاشاً شهرياً، وقالت هدى سمعت ولكني لست على يقين أن اسمه اطلق على أحد الشوارع في العاصمة الجزائر.
الخرطوم وتكريم النيّل
قالت هدى ابنة النيّل ان والدها لم يجد تكريما في السودان لانه لا كرامة لنبي في وطنه والخرطوم لم تكرم الذين ساندوا مانديلا !! ولم تكرم الذين ساندوا بعض الشعوب العربية والأفريقية في تحررها من الاستعمار وفيهم والدي، لأنها تتعامل مع الدبلوماسية الشعبية بمفهوم الوظيفة الرسمية وما تجلبه من امتيازات وليس بمفهوم العمل المدني المتفاعل الداعي للتمازج الشعبي والداعم للعلاقات الأخوية بين الدول والساعي لتمتين وشائج شعوبها، طوال العهد الوطني ومنذ الاستقلال لم تلتفت حكومة وطنية لهذا الأمر بل إن المسئولين السودانيين كانوا يحضرون إلى المغرب أو يسافرون إلى الجزائر ولا يهتمون بملاقاة والدي أو والدتي بعد وفاته إلا في إطار شخصي ضيق، وكثير من الوفود المغربية والجزائرية تحضر إلى السودان، ولا تهتم الجهات المراسمية بدعوتنا لملاقاتها إكراماً لذكرى والدي مع العلم أن بعض هذه الوفود يكون فيها شخصيات كانت لصيقة بوالدي. رغم ما سبق فإننا كأسرة ممتنون جداً لبعض المسئولين السودانيين وتحديداً بعض الدبلوماسيين السودانيين في سفاراتنا في المغرب والجزائر الذين بجهدهم الشخصي أكرموا والدي في شخصنا من خلال حلحلة كثير مما كان يواجهنا من مشكلات ، إضافة إلى ما سبق فقد كرمه الشعب السوداني ممثلاً في ألوف الطلاب السودانيين الذين درسوا في المملكة المغربية والجزائر وغيرهم من أفراد الجالية السودانية من الذين كانوا يقصدون بيته لملاقاته والتعرف به، ومن نشروا سيرته بين الناس.
أخيراً
هنالك الكثير من التفاصيل التي رواها النيّل في مذكراته رأت اسرته أنها قد تجلي بعض الحقائق عن تلك الحقبة ، وقامت بتجميع تلك المذكرات وما كُتب عنه في مذكرات زملائه أو في بعض المصادر والدراسات التاريخية التي نُشرت في المغرب والجزائر وليبيا وفرنسا ومصر وتعمل على تحريرها وتوثيقها بصورة علمية، وسوف تصدر قريباً في كتاب يتضمن سيرته الذاتية وتفاصيلَ عن مساهمته المتواضعة في نضال شعبي المغرب والجزائر ضد الإستعمار وطرفاً من وقائع وتاريخ مصر وشمال أفريقيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.