رسالة من الصديق العزيز صديق حسن هيجت فيَّ الذكرى السادسة والثلاثين لحركة يوليو 1976. إنها ذكرى رجال شباب غض غادروا قاعات الدراسة بالجامعات إلى معسكرات الصحراء بليبيا. عانوا في سبيل الله والوطن وما لانوا. حولوا صحراء ليبيا وشمسها الحارقة إلى واحة وارفة الظلال. استظلوا بالقرآن والذكر التحموا بالحديد تدريباً وفنون القتال تكتيكاً. أرواحهم مشرئبة نحو العلا أشواقهم التحليق تحت عرش الرحمن في حواصل طير خضر. الدنيا عندهم لا تساوي جناح باعوضة كما جاء في الأثر. لم يلتفتوا إليها مرة. ولم يكونوا من عشاقها يوماً. إنهم النجباء الأذكياء الخلص. تركوا الطب، والهندسة، والبيطرة، والصيدلة، والعلوم. انهم الأوائل في كل شيء حتى في دخول الجامعات دخلوا بامتياز وتفوق. ولكن الانتماء والدين والعقيدة والالتزام بقرارات المرجعية التي لا رجوع فيها. لا يعرفون مصطلح المراوغة والمهادنة ولا النفاق السياسي يبغضون المكيافلية ونظريتها الغاية تبرر الوسيلة. انه الطريق المستقيم المؤدي إلى جنة النعيم لم يحيدوا عنه قيد أنملة. أشعارهم أهازيجهم تقول بذلك. أماه لا تجزعي فالحافظ الله ٭ انا سلكنا طريقاً قد خبرناه في موكب من دعاة الحق نتبعه ٭ على طريق الهدى انا وجدناه على حقيقتة يا أماه مرقدنا ٭ ومن جماجمنا ترسى زواياه أماه ذلك دربي قد أموت به ٭ فلا يسوؤك كأس ان شربناه لا تجد مطلقاً في أناشيدهم مصطلحاً واحداً يدعو إلى نعيم الدنيا الزائل انهم جيل فريد في عبادتهم في اجتهادهم في تحصيلهم الأكاديمي في الرجولة والبطولة والفداء. مجاذيب روحياً ناضجون سياسياً. غرباء في عالم الخنوع والمجون وحب الدنيا والمال. لا أقول كما قال الراحل المقيم الطيب صالح من أين أتى هؤلاء؟ جاءوا من الشرفة بالجزيرة وأبو روس والنيل الأبيض والشمالية ودارفور وكردفان ولكنهم الأوائل والصفوة في كل شيء. يقول صاحب الرسالة الصديق الوفي صديق حسن. (مرت ذكرى يوليو 1976 بالأمس اللهم تقبل شهداءها وأحيي ذكراهم وجهدهم الذي رضخ نظام مايو العسكري لحل سياسي! شكراً أخي. مرت هذه الذكرى وعدد من قادة الانقاذ ضمن الكوكبة فلا أدري كيف مرت هذه الذكرى دون أن يذكرها أحد منهم. علماً بأن الشهداء الذين سقطوا مضرجين هم أفضل منا جميعاً. انهم وقود الحركة الثورية الجهادية التي أدت إلى عودة الديمقراطية والحرية. نظرت إلى غالبية الوسائط الاعلامية بشموليتها تملكها الدولة. هل هذا نكران جميلهم ومعروفهم الذي أسدوه لنا؟؟ أم ان الظرف غير مواتٍ لمثل هذه الذكرى». أقول ذلك وأنا أتابع الرفاق يكتبون عن 19 يوليو وعن الأبطال بصورهم والله أني أبغضهم وأهنئهم على هذه الجسارة وهذا التقدير لقياداتهم بل لممارسة النقد الذاتي القيمة الحضارية. التي تنير طريق المستقبل. خرجوا من الخرطوم وانتظموا في معسكرات التدريب نهاراً وإذا جن الليل تراهم رهباناً تسمع أزيز القرآن يخرج من صدورهم كمزامير داؤود وآخرون في سجود كابن مسعود في صحن الحرم الشريف. هكذا كانت أيامهم ولياليهم. ثم كانت التعليمات قد صدرت للتحرك في يوليو للخرطوم. للفتح المبين لتخليص الأمة من ذلك النظام الفاسد المفسد الذي جثم على صدرالأمة فكمم الأفواه وصادر الحريات وأودع الشرفاء السجون. كانت أسوأ فترة يمر بها السودان انحطاط في الأخلاق فساد أخلاقي خمور دعارة بل الميسر ترعاه الدولة في مشروع توتو كورة ذائع الصيت آنذاك. كانت مجموعة الأنصار أصحاب شعار الله أكبر ولله الحمد لا يعرفون الخوف ولا يعرف الخوف سبيلا لصدورهم «يابسين» أسود البشر. وكانت مجموعة الأخوان هي الأقرب إلى التعامل مع الوحدات الفنية دار الهاتف والمطار حيث أوكلت مهمة التعامل مع طائرة نميري. عند مدخل الخرطوم أوصى ود سلمان اخوانه بالثبات وعدم الرجوع إلى الوراء، فصاح فيهم قائلاً: في مسك ختامي أنصحكم ٭ ويمين الخالق تمسكم ورياح الجنة تلفحكم لا تخشوا وخز الأشواك. في دقائق معدودة استسلمت الخرطوم أمام ضرباتهم ونيرانهم وكثافتها وايمانهم بقضيتهم على الثبات الذي تدربوا عليه، ولكن الحكم لله (يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء) أشيع ان مرتزقة غزوا الخرطوم وعاد نميري بعد مقاومة شرسة وعنيفة. ولكن سجل التاريخ بطولات لهؤلاء تظل مكان اقدام وتقدير لصورة من صور الالتزام والاقدام والثبات على المبادئ. وبقيت ذكرى هؤلاء وقصائدهم. هلم رسول الله أعددنا العريش ٭ القوم هم القوم كأنهم قريش والحق هو الحق مرماه لن يطيش صنديد دار الهاتف ٭ ردد صداه النيل إنا سلكنا دربه ٭ نطوي النهار بالليل تقبلهم الله في عليين.. المقال الثاني معركة أبا ومجزرة ود نوباوي