الدكتور عصام أحمد البشير ظل شخصية مثيرة للجدل منذ أن كان نجم المنابر المعارضة للحكومة في أوائل التسعينيات من مسجد العمارات ،حيث يوجه كل جمعة مدفعيته الثقيلة لنظام الحكم ويسلخ جلد ممارساته،بمنطق اسلامي وليس سياسيا. المصلون الذين كانوا يهاجرون اليه من أطراف العاصمة ليسمعوا ما يثلج صدورهم ويشفي غليلهم لم يهنأوا به طويلا بعد ما رشحه حزبه آنذاك»جماعة الاخوان المسلمين» لوزارة الارشاد والأوقاف، فصار منافحا عن النظام،ثم ترك جماعته وانضم الى الحزب الحاكم وبات قياديا أصيلا وليس بالمساكنة والمشاركة،وأمضى فترة في الكويت أمينا عاما للمركز العالمي للوسطية،قبل أن يعود وينشىء مركزا للوسطية في الخرطوم في فترة اعتبرت «استراحة محارب». جدل جديد صاحب تعيين الرئيس عمر البشير، في يوينو الماضي الخطيب المفوه ذرب اللسان، رئيساً لمجمع الفقه الإسلامي خلفاً للدكتور أحمد علي الإمام، مثار الجدل هو الشرح الذي رافق خبر التعيين الذي نشرته الصحف ووسائل الاعلام حيث ذكرت أنه عين بدرجة مستشار لرئيس الجمهورية،متزامنا مع قرار رئاسي بإقالة كل مستشاري الرئيس في اطار «خطة التقشف». نشر خبر تعيين عصام البشير بهذه الطريقة تسبب في احراج الحكومة وبدا أمام الرأي العام أنها غير جادة في التزامها بتقليص الوظائف الدستورية ،وأدى ذلك الى غضب مرجعيات عليا في الدولة رأت في ذيوع تعيين عصام بهذه الصيغة احراجا للقيادة السياسية،ولمحت الى ان من ذاعوا الخبر لم يحالفهم التوفيق لأنهم أرادوا توجيه رسالة أن الوزير السابق عاد في وظيفة دستورية جديدة. غبار كثيف يسود الساحة منذ الخميس الماضي عندما اقر مجلس الوزراء بمشروعية تعامل الدولة بالقروض الربوية في تمويل المهمات الدفاعية ومشروعات البنى التحتية والخدمات الاساسية عبر مرجعية شرعية مناط بها تقدير هذه القروض وفقاً لفقه الضرورة . وبررعصام البشير اباحة سياسة الاقتراض الخارجي بفائدة، نظرا لعدم كفاية موارد الدولة المالية واحتياجها للتمويل الخارجي ولكن وفق ضوابط صارمة أبرزها استنفاد الدولة لكافة الوسائل في الحصول علي مصادر تمويلية مقبولة شرعا من داخل وخارج السودان ، وان تقدر هذه الضرورة بقدرها زمانا ومكانا وكما وكيفا، وان تنحصر مشروعات تلك القروض في المهمات الدفاعية ومشروعات البني التحتية والخدمات الأساسية ، وأن يترتب علي عدم التمويل الاضرار بالدولة أو الشعب اضرارا حقيقيا وليس متوهما، وأن لايترتب علي هذه القروض ضرراً مساوياً للضرر الاصلي أو اكبر منه، وأن يناط تقدير الضرورة وتحقيق الشروط الخاصة بها لجهة تضم أهل العلم الشرعي والخبرة والاختصاص المالي والاقتصادي. فتوى رئيس مجمع الفقه ليست جديدة ،فقد ظلت الحكومة تعمل بفتوى منذ العام 2002 جوَّزت القروض الربوية بضرورات محدَّدة وفق شروط وهي إقامة السدود وشراء الأدوية المنقذة للحياة والكهرباء والطاقة،واجتهاد أهل الحكم يستند على أن السودان في حاجة شديدة وليس في مقدوره تعديل أسس ومعايير القروض من الدول والمؤسسات الدولية والإقليمية. الجديد في فتوى عصام البشير الجديدة أنها توسعت في تعريف الضرورات فقد كانت محددة ومقتصرة على الماء والكهرباء والأدوية المنقذة للحياة،لتشمل البنى التحتية وهذه فضفاضة فمنها الطرق والاتصالات والاعلام والسكة الحديد والطائرات والخطوط البحرية وحتى السياحة،والدفاع واسع أيضا ويحوي السلاح بكافة أنواعه والقواعد العسكرية وحتى لبس القوات النظامية،وكذا الخدمات (التعليم والصحة)، وباتت كل مشروعات الدولة يمكن تمويلها بقروض ربوية،وبالتالي صار نظريا الربا مباحا وتحريمه استثناء،والقاعدة في فقه الضرورة الاستثناء وليس العكس. عصام البشير قال إن تبني مجع الفقه للفتوى الجديدة جاء بعد ندوة شارك فيها علماء من داخل البلاد وخارجها ،والمعروف أنَّ أقدم فتوى جماعية وأقواها حول الربا وفوائد القروض الربوية هي الفتوى التي صدرت من المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، في مايو 1965م بالقاهرة، وشارك فيه لفيف من علماء الشريعة والاقتصاد والقانون داخل مصر وخارجها. وأقر المؤتمر أن الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يُسمى بالقرض الاستهلاكي، وأن الإقراض بالربا المحرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والضرورة عند الفقهاء بأنّها بلوغ الشخص حداً إن لم يتناول الحرام هلك، أو أوشك على الهلاك، والفقهاء المعاصرون فرقوا بين الضرورة والحاجة. وبناءً على كلام الفقهاء القدامي والمعاصرين، فإنه ينبغي أن تكون الضرورة واقعة لا منتظرة، و ملجئة بحيث يخاف الإنسان هلاك نفسه إن ترك المحظور، وليس هناك سبب ملجئ إلى التعامل بالربا من جنس هلاك الحرث والنسل،كما ينتفي المحظور ان لم يجد المضطر طريقاً غيره. سؤال الى أهل الفتوى،ومجمع الفقه أليس هناك من بدائل ما، تُغني عن القروض الربوية ،وهل الدوافع الى التوسع في تعريف الضرورات التي تبيح التعامل بالربا لتشمل كل مناحي الحياة تقريبا، دينية أم سياسية؟!. .