بالرغم من الضائقة الاقتصادية التي اكتنفت حياة العامة وسيطرت على مجرى أولوياتهم أبت سفينة مركز راشد دياب للآداب والفنون إلا مواصلة المسير وسط تيارات الجدب الذي تعانيه سوح الإبداع سوى بعض الإشراقات التي رفضت الخفوت والإنزواء بعيدا تحت محجة الأوضاع الاقتصادية التي من بينها بلا أدنى شك مواصلة المركز نفسه ومكافحته لإيصال رسالته القاصدة في دروب الفن والإبداع ،حيث كان أمس الأول ميلاد الانعقاد الثاني والثلاثين بعد الثلاثمائة احتفاء ومناقشة لتجربة الفنان العصامي بلال موسى تحت عنوان حنين الطرب بواسطة ثلة من الإعلاميين على رأسهم شيخ النقاد ميرغي البكري والقامة الإعلامية عوض ابراهيم عوض والكاتبة الصحفية أم وضاح والإعلامي أحمد الترابي تولى فيها قيادة إدارة المنتدى الإعلامي صلاح طه وسط حضور نوعي ضاقت به جنبات باحة المركز فغنى بلال كما لم يغن من قبل وبدت عليه النشوة وعلامات الرضا الذاتي عن اجتماع وإجماع المشاركين في المنتدى بخصوصية وتفرد تجربته الثرة التي لم تجد طريقها إلى التناول الإعلامي المنصف إلا بعد سنوات طوال لم تفتر فيها عزيمة بلال ولم تلن له قناة حيال الإهمال رغم جودة خامة صوته المبحوح الذي زاد أداءه ملاحة وأضفى عليه كثيرا من مقومات الجذب إلى ما يقدم وقال فيه المتحدثون عن سلوكه الشخصي وأدائه اللحني والموسيقى ما لم تجد به قرائحهم من مدح سواه فطرب الحضور وتسلل الفرح والارتياح إلى دواخلهم في سلالة جزلة دون سابق استئذان فتمايلوا وغادروا مقاعدهم تفاعلا وتجاوبا مع أغاني بلال الذي شاركه الأداء بأمر الجمهور وبعامل التقدير والانبهار بأدائه صديقه جمال فرفور الذي قدم دويتو معه نال استحان الجميع فغشية الصحوة ضمائرهم الفنية العطشى بعدأن زرعوا على ضفاف الصبر الطيب انتظارا لحصاد وقطف ثمار تجربة الفتى الأبنوسي بلال سليل ملوك السلطنة الزرقاء القادم من مدينة سنار ناثرا للإبداع الحقيقي الخالي من دسم المؤثرات الصوتية . كانت البداية كعادة كل الفعاليات التي تجرى بمراكز الخرطوم الفنية تأخر انطلاق صافرة المنتدى على لسان حادى إدارة النقاش صلاح طه بعد تأخر ناهز الساعة بالتمام والكمال من الموعد المضروب لبدايته، فصعد صلاح متثاقل الخطى ودون كثير توطئة للمنتدى والمحتفى به ابتدر حديثه بتقديم مقريء بعض آيات الذكر الحكيم ليطلب بعدها طه من المتحدثين الصعود إلى خشبة المسرح بالمركز أربعتهم (ميرغني - أم وضاح - عوض - الترابي) بعد أن تعذر وصول خامسهم هيثم كابو الذي لم تفد المنصة بأنه اعتذر عن الحضور بل إنها وبعد انطلاق المنتدى وتقدمه ساعة من الزمان أو أكثر رحبت به وطلبت من الصعود إلى المنصة بيد أنه لم يفعل دون أن يدري أحد عن أسباب تخلفه وحتى يستمع ويستمتع الحضور بأكبر قدر من الاستماع لأغنيات بلال موسى ذلكم العهد الذي قطعه مدير المنتدى (حنين الطرب) صلاح طه بعد استدعائه للمتحدثين إلى المنصة طلب من بلال الشروع في تشنيف آذان الحضور برائعة من المدائح النبوية التي استغل مشواره الفني بترديدها في زمان فات مطلع ثمانينيات القرن المنصرم ،بيد أن عدم جاهزية العازفين حدا بصلاح إلى منح فرصة لأم وضاح حتى ترفد الحضور برؤيتها وتقييمها وتقويمها لتجربة بلال موسى فاعترفت في مبتدر حديثها إلى تأخر اكتشافها لموهبته وأنها لم تهتد إليها الا عن طريق ابنتها التي لفتت سمعها ونظرها إليها وزادت أنها من واقع ما جبل عليه الجيل الحالي من الشباب والناشئة ظنت أن بلال من شاكلة الفنانين مفلفلي الشعر لابسي البودي بيد أنها بمجرد الاستماع إليه والقرب من تجربته أكثر اكتشفت أنها أمام قامة وتجربة فنية تستحق الوقوف بجانبها منحها حظها من الاهتمام لما يملكه بلال من مقومات فنية وأخلاقية تؤهله للصعود عاليا في مدارج الفن وتشكيل الوجدان السوداني بمساعدة ما وهبه الخالق له من قدرة على الأداء الجيد والتطريب المُغني زاد من بهائه تلكم البحة المصاحبة لصوته فمسحت علينا دفئا من الحنين وسكبت على أطرافه ملاحة تستميل إليه الآذان ودعت أم وضاح الأجهزة الإعلامية لإيلاء بلال حقه ومستحقه من الاهتمام فهو قمين بذلك . وبعد الاستماع إلى إفادات أم وضاح صعد المحتفى به وبتجربته خشبة المسرح ونثر أرتال الشكر وآيات الثناء إلى الجميع وأدى مدحتين الأولى عن الحج والثانية (أزرع طيب) ذائعة الصيت لتمنح الفرصة إلى شيخ النقاد ميرغني البكري بعد أن بدأت الثمالة تشق طريقها إلى نفوس الحضور فطوف البكري بالحضور في سموات إبداع بلال وكيف أنه استمال الآذان إليه وجعل القلوب تهوى إليه دون تكلف أو كبير عناء بفضل جودة أعماله ورصانة اختياره للكلمات التي يتغنى بها . لتتاح الفرصة إلى بلال لتشنيف الآذان برائعته أربع سنين التي أردفها بصحوة ضميرك حيث لم يطب له الغناء إلا بمشاركة صديقه جمال فرفور فشكلا دويتو نال الاستحسان وارتقى إلى دغدغة الوجدان والتسلل خلسة دون كبير عناء إلى سويداء الجنان لتتاح الفرصة إلى الترابي الذي يبدو من خلال إفاداته أنه لصيق ببلال منذ فترة طويلة علاوة على وشيجة القربى التي تربطهما مما جعل إفاداته مغايرة عن سالف المتحدثين عن بلال في المنتدى فطفق الترابي ينقب في الوجه الآخر في حياة بلال وكيف أنه سلك دربه الفني عصاميا متأنيا دون أن يركن إلى الكسل أو القنوع وعدم الاقتناع بالوصول في نهاية المطاف فأبان أن بلال صبر على مر هجران ونسيان الأجهزة الإعلامية لتناول تجربته ورفد الحضور ببعض المشاهد والمواقف التي تحكي عن مقدار ما يتدثر به بلال من شيم إنسانية . ليتغنى بعده بلال نزولا لطلب المنصة بإحدى أغنيات الحماسة شاركه في أدائها فرفور الذي اصر عليه الحضور والمنصة على حد سواء على التغني فصدح برائعة الفنان الذري ابراهيم عوض (فارقيهو دربي) بعد أن كشف عن ما يعتمل في دواخله من محبة وإعجاب ببلال وتجربته الفنية التي بدأ مشوارها معه أثناء رحلة له بين الخرطوم وبورتسودان قضاها في الاستماع والاستماع بروائع بلال مما شكل دافعا للتعرف عليه عن قرب فكانت اللقيا بدءا هاتفية لتكون كفاحا فيما بعد استمرت إلى يوم الناس هذا وزاد فرفور أنه لطالما كان يمني نفسه بالتغني مع بلال وأن المنتدى قد أتاح له فرصة تحقيق أمنيته التي لطالما انتظرها وقبل أن يغادر خشبة المسرح طلب من المنصة وحث الحضور على أن يطلبوا من بلال أداء معتقة الراحل المقيم ابوآمنة حامد التي شدا بها الرائع صلاح بن البادية إيمانا منه بجودة أداء بلال لها . فقد كان لفرفور ما تمنى عقب استماع المنتدى إلى إفادات الدكتور عوض إبراهيم عوض الذي أوضح أن بلال امتداد لجيل الأصلاء من الفنانين الذين لم يبرزوا إلى السطح إلا بعد طول مكوث في دروب الفن واعتبر أن تأخر ظهور بلال إعلاميا أمر طبيعي لجهة أن ذلك شأن العظماء من الفنانين باستثناء فرفور الذي عرفه الجميع نجما لامعا وأوضح عوض أن أول عهده بمعرفة بلال كان بحمى سنار بعد أن اقتلعه عنوة واقتدارا صوت بلال وهو يحي حفلة بالقرب من رحلة كان فيها الدكتور فدنا من بلال وطلب من المرور عليه بالإذاعة عند قدومه إلى الخرطوم لتنطلق رحلة تعارفهما منذ ذلك الحين في نهايات سبعينيات القرن الماضي . وأسدل الستار على المنتدى وفي نفوس الحضور حاجة لامتداده بعد أن عبوا من معين أداء بلال (الصافي)