أثار انتباهي خلال الأيام الماضية احتفال البعثات الدبلوماسية المصرية في بعض دول العالم بذكرى 23 يوليو 1952م... وكما نعلم فإنه في 23 يوليو 1952م قد حدث انقلاب عسكري أسقط النظام الملكي في مصر الذي كان نظاماً ملكياً دستورياً، وكانت هناك ممارسة حقيقية للديمقراطية الليبرالية من تداول سلمي للسلطة وتعددية حزبية وحريات كاملة في جميع المجالات... صحيح أن السلطة الانقلابية في مصر قد أنجزت الكثير في الجانب الاقتصادي ولكنها كانت في المقابل سلطة قهرية باطشة، ولم يسلم من بطشها أحد سواء أكان في معسكر اليسار أو معسكر اليمين... هذه السلطة القهرية تشكلت وتلونت خلال الفترة من 23 يوليو 1952م وحتى 25 يناير 2011م... الفترة الأولى كانت فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر والفترة الثانية كانت فترة حكم الرئيس أنور السادات، والفترة الثالثة كانت فترة حكم الرئيس محمد حسني مبارك... وبالطبع كل فترة كانت محكومة بالظروف الدولية والإقليمية المحيطة... فالفترة الأولى كانت ذات توجه اشتراكي يساري، والفترة الثانية كانت ذات توجه رأسمالي يميني، والفترة الثالثة كانت بلا توجه ولارؤية محددة... ولكن القاسم المشترك بين الفترات الثلاث كان هو الشمولية وقهر الشعب المصري وممارسة درجة عالية من الأبوية عليه، وتبع ذلك بدرجات متفاوتة فساد سياسي واقتصادي. حسب تقديري الشخصي - مع احترامي للأشقاء المصريين- أن الانتفاضة الشعبية في 25 يناير 2011م لم تكن ضد فترة حكم محمد حسني مبارك فقط وإنما ضد نظام الحكم الشمولي الذي استمر يهيمن على مصر منذ 23 يوليو 1952م... ولكن يبدو أن القوى السياسية المصرية التي ساهمت في نجاح الانتفاضة الشعبية تعيش حالة فصام سياسي... فهي ثارت ضد شمولية فترة حسني مبارك ولكنها تمجد وتعظم وتحتفل بشمولية عبد الناصر والسادات... وأقول إنها حالة فصام سياسي لأنه لا يمكن المفاضلة بين أشكال وألوان الشمولية المختلفة... بمعنى أن نقول إن الشمولية الاشتراكية اليسارية أفضل من الشمولية الرأسمالية اليمينية أو العكس. إن هذا الفصام السياسي هو السبب الرئيسي لحالة الدوار السياسي التي يعيشها المجتمع السياسي المصري... فالأخوة في مصر يريدون تغيير الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر بعقلية شمولية تريد فقط أن تستبدل فترة شمولية حسني مبارك بشمولية ذات توجه ليبرالي شكلي... انتخابات... برلمان... حرية تعبير...الخ وبالطبع لن يتغير واقع الحال في مصر بمثل هذه العقلية السياسية الانفصامية مهما حدث. أعتقد - دون التدخل في الشأن المصري- أن هناك حاجة إلى اتخاذ قرار على مستوى رئاسة الجمهورية في مصر معززاً بقرار من البرلمان بإلغاء الاحتفال السنوي بذكرى 23 يوليو 1952م، وجعل ذكرى 25 يناير 2011م هي يوم الاحتفال الوطني الرسمي لمصر.