اطلعت على نص مقترح حكومة السودان لمعالجة القضايا الأمنية الذي نشر بصحيفة «الصحافة» العدد رقم 6824 بتاريخ 26/7/2012م...وبدءاً أود أن أسجل بوضوح أن تقديم مقترح يعتبر خطوة إيجابية نحو بلورة الحوار التفاوضي بين السودان ودولة جنوب السودان... فمن المهم دائماً في التفاوض طرح وجهات نظر الأطراف المتفاوضة بوضوح بهدف الإمساك بنقاط الاختلاف لمعالجتها. وألخص ملاحظاتي حول نص المقترح فيما يلي:- أولاً: كان من الأفضل طرح مقترح شامل ومتكامل يتناول جميع القضايا الأمنية والاقتصادية لأن مثل هذا الطرح الشامل يوسع من هامش المساومة وتقديم التنازلات المتبادلة المتوازنة بين القضايا المختلفة. ثانياً: إن وضع خريطة 1/1/1956م كأساس لمعالجة القضايا الأمنية فيه كثير من عدم المعقولية السياسية... فحدود 1/1/1956م لم تكن على مر التاريخ حدوداً بين دولتين وإنما كانت حدوداً إداريةً بين مديريات أو محافظات أو ولايات في وطن واحد... وحتى في اتفاقية السلام الشامل لم تكن الإشارة إلى حدود 1/1/1956م وكأنها حدود بين دولتين... لذلك أعتقد أن الحدود بين السودان ودولة جنوب السودان لها طبيعة خاصة تختلف عن طبيعة الحدود بين الدول الأخرى المجاورة بما في ذلك مصر... فالسودان حتى خلال فترة الاستعمار البريطاني المصري كان كياناً مستقلاً... فالحاكم العام البريطاني كان مسؤولاً عن حماية حدود السودان كدولة مستعمرة ولم يكن جزءاً من مصر... لذلك أعتقد أن التمسك القانوني بحدود 1/1/1956م لن يكون مفيداً، ويجب أن نعمل على أن تكون حدودنا مع دولة الجنوب حدوداً مرنة وعبارة عن حزام إخاء... بمعنى أن يحدد عمق 50 كيلومتراً مثلاً من الطرفين حول حدود 1956م وتكون هناك مشاريع تنموية مشتركة بدعم إقليمي ودولي واستغلال مشترك مناصفة لأية موارد طبيعية في باطن الأرض من بترول وذهب وغير ذلك. ثالثاً: هناك تشدد في غير محله فيما يتعلق بالمواطنين من الدولتين الذين يعملون في القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى فالمقترح يمنع ذلك تماماً حتى ولو تجنس هؤلاء بجنسية الدولة الأخرى... فهذا تجاوز لحقائق واقعية تتعلق بشعب واحد تقسم سياسياً وما زال متماسكاً وجدانياً... وأعتقد أنه من حق أي مواطن من مواطني الدولتين أن يحصل على جنسية الدولة الأخرى، وله بعد ذلك أن ينتمي إلى القوات المسلحة أو القوات النظامية في تلك الدولة التي حصل على جنسيتها دون قيود ودون هذا الهاجس الأمني الذي يستند على فرضية «العداء» المتبادل وهذه فرضية وهمية. فيما عدا هذه الملاحظات الثلاث المذكورة سالفاً أعتقد أن المقترح به طرح إيجابي... وبشكل عام أعتقد أن العلاقة مع دولة الجنوب يجب أن تعالج بعقلية خلاقة ومبدعة سياسياً ترسخ الوحدة الوجدانية بين شعوب الدولتين وتقاوم سلبيات الانفصال السياسي... وهذا يتطلب بشكل رئيسي الابتعاد عن المعالجات القانونية الجافة والمجردة التي تفترض أن دولة الجنوب الوليدة التي خرجت من جسد السودان الكبير قبل عام واحد فقط هي دولة عتيقة وقديمة، ويجب تطبيق القانون الدولي عليها.