درجت ان احبس نفسي وقلمي لساعات طوال يوم الحصاد الاكاديمي كل عام، عاكفا على مطالعة بل دراسة ورقة امتحان مادة اللغة الانجليزية في الشهادة الثانوية السودانية ، محللا لها وناقدا مدحا وذما. امام بصري هذه اللحظة نسخة من ورقة الامتحان المعني لعام 2010 في طباعة انيقة ووسيمة تمعنت مليا في صفحاتها، ثم اجبت على اسئلتها الخمس، وحفظتها في الذاكرة الصدئة. دعني قارئ الحصيف ان ابدى ما لاحظت عليها وما دونه قلمي المرهف: اولا : ان اسئلة الامتحان عامة معقولة ومقبولة لي ولقلة من الطلاب ما لم تتعدّ المقرر. ثانيا: الاسئلة جميعها تمت صياغتها بعناية وبعبارات مألوفة للطلاب، ولم يشوبها خطأ، او يعتريها غموض ، AMBIGUITY ، وثالثا: ان السؤال الخاص بوضع الافعال VERBS الصحيحة في الاماكن الخالية، لم يغط سوى جزئية مما تم حصده خلال العام الدراسي ، رابعا: سؤال التعبير او الانشاء COMPOSITION كان عن ظاهرة الفيضان FLOOD فهو حدث طبيعي لم تألفه سوى مناطق محدودة بالسودان، وبالتالي يعجز عن الكتابة عنه من لم يعتد على مشاهدته او ممارسته، كان من الانسب ان يتم اختيار موضوع انشاء معروف للكل ويتناسب ويتوافق مع البيئات المجتمعية المختلفة للطلاب، حتى لا يعكر صفو ابنائنا، وحتى تسهل لهم عملية العبور بنجاح واطمئنان. بعد اداء ذلك الامتحان، قمت باختراق جمع من الطلاب والطالبات، وامطرتهم بسيل من الاسئلة مستفسرا ومستطلعا آرائهم فيما حوته ورقة الامتحان المعني، ومدى استيعابهم لها، وعن شموليتها، وتوافقها مع ما تحصلوا من مادة اكاديمية خلال العام، وعن سهولة او صعوبة ما ورد بالورقة من مفردات لفظية او تعابير، وبعد حواري المطول والثر معهم خلصت ان كل ما حوته تلك الورقة لم يخرج عن المقرر، وكان من المفترض ان يلم به الطالب، والا يتعثر في معرفة الاجابة. ولكن يدور في ذهني دائما سؤال حائر: هل استوعب طالبنا محتوى المقرر وهضم المادة؟ ولكن اقولها صادقا ان معظم الطلاب وخاصة اولئك الذين التقيت بهم وغيرهم لم يستوعبوا مواد المقرر لاسباب نعرفها نحن معلمو الاجيال ونلخصها في الآتي: اولا: اخفاق المعلم في توصيل المادة المقررة لتلميذه لما اصابه من فتور بل جمود ذهني يعزى لقلة التأهيل وانعدام التدريب. ثانيا: المادة المقررة نفسها عنيفة وعقيمة وقد غمرها الغموض، وتعج بالرتابة وغير مواكبة لأحداث العصر، كما نعيب عليها عدم التدرج المعرفي، ما دفع بالطالب للنفور عن التحصيل. ثالثا: تقليص حصص مادة اللغة الانجليزية من ست حصص في الاسبوع لأربع فقط. رابعا: استبعاد مادة الادب الانجليزي LITERATURE من المقرر التي تثري ذخيرة الطالب اللغوية، وبها ينطلق اللسان وتجوّد المخاطبة. خامسا: غياب مكتبة المعلم والتي كانت سائدة في العصر الذهبي للتعليم، وتسبب ذلك في ضمور ذخيرة المعلم اللغوية، حتى انتابته حمى الخمول بل الجمود الذهني «وفاقد الشيء لا يعطيه».. سادسا: افتقد طالبنا روح المنافسة في التحصيل الاكاديمي لانشغاله بمؤثرات خارج محيط مدرسته ودائرة مجتمع الاسرة «الفضائيات والانترنت»، سابعا: اعباء المعيشة اليومية بل قل الفقر المدقع لم يتركا لرب الاسرة مساحة زمنية يمكن ان يمضيها مع فلذة كبده مرشدا وموجها، ومتابعا اداءه الاكاديمي وكذلك مجريات حياته اليومية، كنت قد تناولت في مقالات سابقة وبهذه الزاوية المقروءة اسباب تدني التحصيل في مادة اللغة الانجليزية: لغة العصر الحديث ووسيلة المخاطبة السائدة في العالم. كما اقترحت يومذاك بعض الحلول والمعالجات العاجلة والآجلة.. لا مانع ان اتعرض لها مرة اخرى لأهميتها في مساحة اخرى بمشيئة الله. الاخ د. عبدالرحمن الخضر والي الخرطوم الحالي و«المرتقب» - لقد لمست انحيازك التام للمهنية المقدسة «التعليم» وقد وضعتها في حدقات عينيك، كما نوهت لنا بذلك في العديد من المناسبات. وكنت قد وعدت يومئذ بأنها ستكون همك وهاجسك الاول، وستبدأ في فاتحة ولايتك الثانية بالشروع في حل قضايا التعليم بالولاية - ولكن اناشدك اليوم وليس غدا وقبل انقضاء العطلة الصيفية، ان تصدر قرارا عاجلا بتسخير ما تبقى من ايام منها، لعقد كورسات تدريبية تنشيطية يتلقى خلالها معلمو اللغة الانجليزية «حديثو العهد» جرعات دسمة تأهيلية ولمعرفة اسلم الطرق لتدريسها، فهي لغتنا الثانية، ان رصفاءنا من قدامى المعلمين «المعاشين» الذين ما زال معينهم ثرا والموجودين بمدن الولاية، مؤهلون للقيام بالمهمة التعليمية لما لديهم من خبرات وتجارب واسعة. وهنالك وبلادنا تزخر بخيرة المعلمين الذين يمكن ان يعدوا برامج مكثفة لهذه الكورسات امثال: د. مصطفى عبدالماجد، د. صلاح الكارب، والاساتذة محمد الامين التلب، وعبد العزيز محيي الدين، وعبد المجيد خليفة ومبارك يحيى. نسأل الله التوفيق.. خبير تربوي/ أمين إعلام المنتدى التربوي السوداني