الصراعات بين البشر بدأت منذ الخليقة وستستمر إلى أن يرث الله الدنيا ومن عليها وهذه سنة الحياة. لكن هذه الصراعات تتطور حتى تصل إلى استخدام الأسلحة الفتاكة والمتطورة التي تدمر البيئة والناس، كذلك يطول أمدها وتتعقد ويستعصي حلها، ولكن بطبيعة الحال تكون هناك مساعٍ للوصول للحلول التي تنهي ذلك الصراع وتحقق الأمن والاستقرار. يبدأ النزاع أو الصراع عادة بالتشكيل ثم التصعيد، وأخيراً يتفاقم إلى أن يتحسن ويتحول وتنتهي حالة النزاع أو الصراع، ولا تخرج أسباب النزاع عن أسباب داخلية أهمها قسمة الموارد والسلطة والأيديولوجيات، وأسباب خارجية أهمها مشكلات الحدود وتداخل الأهداف والمصالح والنتائج. وتتم عدة تدخلات لفض النزاعات مثل طريق الخطوة خطوة، وطريقة العمل الإجرائي، وطريقة الصورة النهائية. وعادة تتخذ عدة وسائل لفض النزاعات منها: أولاً: وسائل تحاكمية «سلمية» تشمل 1/ المفاوضات. وهي تبادل الآراء والمقترحات بين دولتين أو أكثر أو بين منظمة دولية ودولة أو أكثر حول قضية عالقة بينهما بقصد التوصل لإيجاد حل لها. 2/ المساعي الحميدة: أو «الخدمات الودية»، وهي المساعي التي تقوم بها مبدئياً دولة أو عدة دول لدى دولتين أو أكثر بقصد تقريب وجهات النظر وإيجاد أرضية مشتركة بينهما تمكنهما من الشروع في المفاوضات أو استئنافها للوصول إلى تسوية القضية العالقة وتصفيتها. 3/ الوساطة Mediation: هي وسيلة سلمية لإنهاء النزاع وقريبة جداً من المساعي الحميدة، وهي لا تلزم دول النزاع بقبولها أو التقيد بها. وجاءت اتفاقية لاهاي الأولى عام 1907م الخاصة بتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية لتجمع «المساعي الحميدة والوساطة» في بند واحد مفضلة التحدث عن القواعد المتعلقة بها دون تمييز بينهما. 4/ التحقيق Equate: هو الوسيلة التي تظهر الوقائع في حادثة من الحوادث دون الدلالة على مسؤولية أحد أطرافها المعنيين. 5/ التوفيق أو المصالحة Conciliation: وهو وسيلة من الوسائل السلمية لحل الخلافات، ولكن من طبيعة معقدة، حيث تقع على مفترق الطرق السياسية والطرق القانونية خاصة أن التحكيم قراراته غير ملزمة. 6/ المنظمات الدولية والإقليمية. ثانياً: وسائل تحاكمية: 1/ القضاء الدولي. 2 التحكيم الدولي. بعد إجراء الوسائل التحاكمية أو غير التحاكمية والوصول لتسوية النزاع والصراع فإن التسوية تشمل: 1/ عقد الاتفاقية. 2/ وقف إطلاق النار. 3/ تقديم العون الإنساني. 4/ الحد من التسليح ونزع السلاح. 5/ إزالة الألغام. 6/ إعادة لمشاركة في السلطة «التشريعية، القضائية والتنفيذية». 7/ استيعاب العائدين واستقرارهم. 8/ إعادة البناء وإعمار البنية التحتية. 9/ التوعية بأضرار النزاع وفوائد السلام. 10/ التنمية. أما بعد الصلح وإعادة التعمير فيجري الآتي: 1/ التعويضات وتحمل المسؤولية. 2/ التعويضات التي يتم بها إصلاح الخطأ. 3/ محاسبة المدانين. 4/ الترحم على أرواح الضحايا. 5/ إجراء تغييرات تعالج الأسباب الجذرية المؤدية للنزاعات. 6/ إعادة تعمير العلاقات. 7/ الحفاظ على العلاقات. التحكيم قديم قدم المجتمعات البشرية، حيث عرف منذ المراحل الأولى لتكوين الفكر القانوني عند الإنسان، ويعتبر التحكيم تطوراً طبيعياً لنظام العدالة الفردية التي كانت تسود المجتمعات القديمة في غياب السلطة السياسية والتشريعية التي تنظم أمور الدولة. وكانت القبيلة تنتصر لنفسها في أية مظلمة وتأخذ حقها بيدها، إلى أن تطور الحال بإيجاد آلية تسوية المنازعات بالتي هي أحسن، وذلك عن طريق عدة وسائل منها التوفيق والتحكيم والصلح وغيرها. وبعد ظهور الدولة الحديثة والتنظيم القضائي لم يأفل نجم التحكيم بوصفه نوعاً من وسائل تسوية المنازعات، وتم تقنينه بصورة مثلى، فأصبح العدالة الثانية، وبات يعيش على هامش وتحت رقابة القضاء الوطني. وازدهرت قواعده وتطورت أحكامه، وأصبح القضاء الأنسب للمنازعات المتعلقة بالتجارة المحلية والدولة. وعرف التحكيم عند الرومانيين في العقود الرضائية، حيث كانوا يتفقون على اختيار شخص ليفصل في النزاع وتكملة شروط العقد والإشراف على تنفيذه، وفي القرون الوسطى وجد التحكيم المناخ الصالح للتطور في كنف المبادئ التي نادى بها فقهاء الكنيسة لا سيما مبدأ قدسية العقد الذي يجعل مصدر القوة الملزمة في العقد وحسن النية قاعدة تنفيذه وتفسيره. أما الإغريق «اليونان» فقد عرفوا التحكيم بسبب المنازعات التي كانت تنشأ من حين لآخر بين الدويلات اليونانية بشأن العلاقات المدنية والتجارية المحلية والحدود، وقد كان الهدف الأساسي من التحكيم تخفيف العبء على المحاكم الشعبية التي أنشأت محاكم استئناف ضد قرار المحكمين، كما عرف اليونانيون أيضاً معاهدات التحكيم الخاصة وتطور الأمر على ما نحن عليه في العصر الحديث. ومثلما عرف التحكيم في الدول الأوربية قديماً فقد عرف في الدول الشرقية أيضاً عند الآشوريين والبابليين والسومريين، حيث كان الفصل في الخصومات يتم عن طريق التحكيم وبواسطة الكهنة وتحكيم الآلهة، وعثر في القرن العشرين الميلادي على لوح حجري كُتب عليه باللغة السومرية نصوص معاهدة صلح أُبرمت في القرن الحادي والثلاثين قبل الميلاد بين الطورين الأول والثاني بين دولتي «لجش» ومدينة «أورما» بشأن الحدود والإرواء، حيث نصت المعاهدة على احترام الحدود بين المدنيين وعلى شرط التحكيم لفض أي نزاع قد ينشأ في المستقبل بشأن الحدود. وفي عهد الفراعنة ينقسم التحكيم إلى طريقتين للتقاضي في المنازعات: الأولى نظام القضاء العام، والثانية القضاء الخاص وهو ما يسمى بالتحكيم. أما في عهد العرب قبل الإسلام، فقد ساد نظام الحكيم، وأبرز مثال عندما احتكم أهل مكة الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل البعثة في موضوع إعادة بناء الكعبة. أما في عهد الإسلام، فقد أقر الإسلام مشروعية التحكيم من خلال القرآن، وكنماذج موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم على تحكيم بني شيخ في قومه، وكذلك التحكيم بين معاوية وعلي بن أبي طالب حول أحقية أحدهم بالخلافة.